ننشر قصيدة محمود درويش في رثاء الطفل الشهيد محمد الدرة (يسوع صغير)

 الجرح لم يندمل والجريمة لن يمحيها مرور الزمن، عقدان مرا على اغتيال الطفل الشهيد محمد الدرة في مدينة غزة، إلا أن مشهد إعدامه بوابل من الرصاص ما يزال صورة حية شاهدة على بشاعة الاحتلال وجرائمه.

ويصادف أمس – 30 سبتمبر  – الذكرى العشرين لاستشهاد الدرة – 11 عاما حينها – أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، بينما يحتمي ببرميل أسمنتي إلى جوار أبيه جمال الدرة في شارع صلاح الدين جنوب مدينة غزة، الذي أصيب هو الآخر بجراح خطيرة لم تمكنه من حضور جنازة نجله.

المشاهد المرعبة التي وثقتها عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان المراسل بقناة فرنسا 2، جعلت من الدرة أيقونة للانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي استشهد بعد يومين من اندلاعها، احتجاجا على اقتحام باحة المسجد الأقصى، وراح ضحيتها  راح ضحيتها 4412 شهيدا و48322 جريحا.

وينشر “درب” قصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في رثاء الدرة:

محمّد،

يعشّش في حضن والده طائراً خائفاً

من جحيم السماء: احمني يا أبي

من الطيران إلى فوق! إنّ جناحي

صغيرٌ على الريح… والضوء أسود

محمّد،

يريد الرجوع إلى البيت، من

دون درّاجة… أو قميصٍ جديد

يريد الذهاب إلى المقعد المدرسيّ

إلى دفتر الصرف والنحو: خذني

إلى بيتنا، يا أبي، كي أعدّ دروسي

وأكمل عمري رويداً رويداً

على شاطئ البحر، تحت النخيل

ولا شيء أبعد، لا شيء أبعد

محمّد،

يواجه جيشاً، بلا حجرٍ أو شظايا

كواكب، لم ينتبه للجدار ليكتب:

“حريتي لن تموت“.

فليست له، بعد، حريّة

ليدافع عنها. ولا أفقٌ لحمامة بابلو بيكاسو.

وما زال يولد، ما زال

يولد في اسمٍ يحمّله لعنة الاسم. كم

مرةً سوف يولد من نفسه ولداً

ناقصاً بلداً… ناقصاً موعداً للطفولة؟

أين سيحلم لو جاءه الحلم…

والأرض جرح… ومعبد؟

محمّد،

يرى موته قادماً لا محالة. لكنّه

يتذكر فهداً رآه على شاشة التلفزيون،

فهداً قوياً يحاصر ظبياً رضيعاً.

وحين

دنا منه شمّ الحليب،

فلم يفترسه.

كأنّ الحليب يروّض وحش الفلاة.

إذن، سوف أنجو – يقول الصبيّ –

ويبكي: فإنّ حياتي هناك مخبأة

في خزانة أمي، سأنجو… واشهد

محمّد،

ملاكٌ فقيرٌ على قاب قوسين من

بندقية صيّادة البارد الدم

من ساعةٍ ترصد الكاميرا حركات الصبي

الذي يتوحّد في ظلّه

وجهه، كالضحى، واضح

قلبه، مثل تفاحة، واضح

وأصابعه العشر، كالشمع، واضحة

والندى فوق سرواله واضح

كان في وسع صيّادٍهٍ أن يفكّر بالأمر

ثانيةً، ويقول: سـأتركه ريثما يتهجّى

فلسطينه دون ما خطأ

سوف أتركه الآن رهن ضميري

وأقتله، في غدٍ، عندما يتمرّد!

محمّد،

يسوع صغير ينام ويحلم في

قلب أيقونةٍ

صنعت من نحاس

ومن غصن زيتونة

ومن روح شعب تجدّد

محمّد،

دمٌ زاد عن حاجة الأنبياء

إلى ما يريدون، فاصعد

إلى سدرة المنتهى

يا محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *