مدحت الزاهد يكتب: أمير سالم.. حديث عن الحياة والحضور

تأخرت فى الكتابة عن الصديق والرفيق الغالى أمير سالم وكنت اعتزمت أخذ هدنة من الكتابة عن أصدقائى وأقاربى الراحلين، بعد أن لاحظت أن شبح الموت يخيم على فيسبوك بغزارة وأن الناس تستدعي سيرته بإلحاح في من يرحلون للتو ومن رحلوا منذ زمن وأن أجواء الكآبة والإحباط تغمر المكان ويلزم معها كسر التجهم ومحاولة إشاعة البهجة والأمل ودوما كانت الاحزان تداهمنا. وعجزت مع أمير عن الكلام مباشرة بعد فقد أغلى الاصدقاء وآخرهم شكر الله والميرغنى ومنير.. وأعز الأقارب فيمن فقدوا شابين تباعا وكلاهما إثر حادث اليم.

ولا أملك غير أن اتجرأ الآن فحديثى عن أمير حديث عن الحياة وليس الموت وعن الحضور وليس الفقد، وألخصه فى مشاهد بسيطة أولها دفاع أمير عن حقنا فى التعبير واشتباكه مع بلطجية الأمن الذين حاولوا تمزيق مجلات الحائط وفض حلقات النقاش بالقوة وكان يأتينا وهو طالب فى الثانوى ومعه طارق ونجيب وكمال الجويلى وسبقهم سمير حسنى إلى الجامعة ودخل معهم زمرة الفرسان، وقد شاركوا جميعا فى انتفاضات الحركة الطلابية وتبنوا مطالب تحرير الأرض واقتصاد الحرب وحرب الشعب ومطالب الحريات الديمقراطية وكانوا شعلة متقدة بالنشاط.

والمشهد الثانى هو دوره فى نقابة المحامين وقد تابعته فى عملى الصحفى وقت أن كانت نقابة المحامين بحق بيت الحريات ولعبت دورا متميزا مع الصحفيين ونادى القضاة وكان لهذا الثالوث دورا حيويا فى الدفاع عن الحريات وكرامة المهن التى انتسبوا اليها

وقد شارك أمير مع كوكبة من المحامين الشيوخ والشبان فى جولات الدفاع عن استقلال النقابة ومقاومة للقيود على الحريات والتبعية والاستبداد والفساد .. وتواصل هذا الدور فى ساحات المحاكم فى قضايا الوطنية والحريات ومنها انتفاضة يناير وإضراب السكة الحديد واغتيال شيماء الصباغ وغيرها وتشارك أمير مع فريق رائع من المحامين فى الدفاع تطوعا عن كل مظلوم.

والمشهد الثالث هو مشهد أمير فى سيارة الترحيلات ونحن فى الطريق إلى السجن للمشاركة فى حركة التضامن مع عمال الحديد والصلب بعد أن اقتحم الأمن المركزى مصنعهم واغتال العامل عبد الحى فى ظل سياسة معلنة من وزير الداخلية زكى بدر شعارها عاوزهم جثث.. أمير رفض من أول لحظة لدخولنا السجن استفزاز وترويع الأمن ونزع المراتب والكهرباء من الزنازين حتى ننام على البلاط فى الظلام.. ونظم فورا إذاعة داخلية وتحدى بجسارة محاولات الترويع وأثناء تجريدة التأديب فى الصباح ونحن ما نزال بالملابس الملكى نمر فى تشريفة من صفين كان الجنود ينهالون علينا بالضرب .. ولأن أمير كالعادة كان جسورا وشجاعا ويمضى مختالا يبدو أن الجنود تعاملوا معه كضابط يشرف على التجريدة فكان يعبر بيننا دون أن يمسسه سؤ .

وأنا إذ أحيى روح أمير ورفاقى العظام أريد أن أسجل اننى اختلفت احيانا معهم فى بعض الأمور وقد أكون على خطأ ولكننا تستدعى أروع وأجمل الصفحات لبشر تاريخهم مشرف وهم ككل البشر تخطىء وتصيب لكنها واصلت الطريق ولم تنحرف أو تنكسر.

لروح أمير وكل الرفاق السلام ولذكراهم الخلود وهم ساروا فى طريق ستواصله أجيال حتى تشرق شمس النهار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *