مدحت الزاهد: المنطقة تحترق.. ونحتاج لإعادة تأسيس شاملة لفهم الواقع وبناء تحالفات بديلة
كتب – أحمد سلامة
قال مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة وصراعات محتدمة يتطلب وقفة جادة لإعادة تأسيس شاملة لفهم طبيعة الأزمة الراهنة والأفق الاستراتيجي لتجاوزها، معتبرًا أن الخطاب التقليدي لم يعد كافيًا في ظل واقع يعيد إنتاج أزماته بوجوه جديدة وشعوب جديدة، وأن المقاومة باقية لكنها بحاجة إلى صياغات مختلفة تستجيب للتحولات العنيفة.
وأكد الزاهد أن ما ارتكبته إسرائيل هو عدوان كامل الأركان، مدعوم بشكل مباشر من الولايات المتحدة والقوى الغربية، وأن من حق إيران أن ترد على ما تعرضت له، لا سيما بعد أن كشف الحدث الأخير عن اختراق عميق لمنظومتها القيادية وغفلة قاتلة من مؤسساتها السيادية.. لكنه شدد في الوقت ذاته على أن هذه البديهيات لا تغني عن ضرورة مراجعة شاملة لطبيعة المواجهة الجارية، وأن الحديث لا يخص إيران وحدها، بل يمتد ليشمل كل دول المنطقة.
وأشار الزاهد إلى أن ما نواجهه الآن ليس مجرد هجوم خارجي أمربكي صهيوني، بل هو مشهد معقد تتداخل فيه قوى داخلية ارتبطت مصالحها الاقتصادية والاجتماعية بالمنظومة الرأسمالية العالمية، مشيرًا إلى أن الوكيل الكمبرادوري للاستعمار لم يعد مجرد عميل فردي، بل أصبح يمثل قوى اجتماعية كاملة داخل كل دولة، تعمل ضمن أجندة الليبرالية الجديدة التي تسوّق لفكرة أن التعليم والصحة والغذاء والعمل ليست حقوقًا بل “هدايا بابا نويل للكسالى”، وفق تعبيره.
ولفت إلى أن هذه الأجندة تضع حرية التجارة والاستثمار فوق الإنسان، وتعتبر أن مرحلة التحرر الوطني والتوجه القومي كانت خطأ كارثيًا يجب ألا يتكرر، مما فتح الباب لصعود قوى سياسية واجتماعية تروج للتطبيع وتتماهى مع السياسات الأميركية في المنطقة.
وأكد أن مشاريع مثل كامب ديفيد، والمبادرات الإبراهيمية، وخطط “الشرق الأوسط الجديد”، ساهمت في تحويل دول وأمراء إلى ما يشبه المستوطنات السياسية داخل المحيط العربي، في ظل تصاعد ضغوط صندوق النقد والمؤسسات المالية العالمية التي أضعفت القوى المركزية السابقة في الإقليم العربي.
ورأى الزاهد أن بعض الأطراف لا تزال تحلم بمواجهة شاملة ضد الاستعمار الجديد من خلال اصطفاف عربي موحّد، رغم أن هذا الوهم لا يصمد أمام حقيقة أن قواعد الغزو ليست فقط خارجية، بل داخلية بالأساس، حيث تحولت كثير من الحكومات إلى “فروع محلية للحكومة العالمية الموحدة” التي تقودها الرأسمالية المتوحشة، على حد تعبيره.
وأضاف أن بعض الدول غير العربية، كجنوب أفريقيا وعدد من دول أمريكا اللاتينية، كانت أقرب لمصالح الشعب الفلسطيني وأكثر جرأة في مواجهة جرائم الإبادة، مقارنة بدول عربية تُعرّف نفسها رسميًا على هذا النحو.
وفي رؤيته لأزمة المقاومة، أشار الزاهد إلى أن من أبرز المشاكل التي تواجه أطراف “محور المقاومة” هو اعتمادها المفرط على القبضة الحديدية في إدارة الدول والمجتمعات والتنظيمات، وتراجع قيم الديمقراطية والتعددية والتنوع.
وحذر من أن هذا النهج أدى إلى عسكرة الصراع على حساب الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية التي لا تقل أهمية، معتبرًا أن مسيرات العودة والانتفاضات الشعبية في فلسطين كان لها تأثير جوهري في تشكيل الوعي وتعزيز قدرات الشعب، في مقابل أن دور الصواريخ غالبًا ما انتهى باتفاقات هدنة حالت دون استمرار النضال الجماهيري.
وشدد الزاهد على أن طريق فلسطين نحو النصر لا يمكن أن يستغني عن المثقفين والشعراء والعلماء، وذكر بالاسم محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد ومريد البرغوثي ومعين بسيسو، مؤكدًا أن لهم في معركة التحرر مكانة لا تقل عن السلاح.
وأضاف أن المشكلة في عسكرة المواجهة القائمة على الهيمنة المطلقة أنها تدفع للخلف دوائر مهمة من معركة الاستقلال، وتنزوي بها لحساب الحلول العسكرية المباشرة، التي قد تحقق انتصارات رمزية لكنها لا تصنع واقعًا سياسيًا مختلفًا.
وأشار إلى أنه لا يمكن تصور خوض مواجهة استراتيجية ناجحة دون مشاركة شعبية واسعة وحقيقية، تقوم على الحريات الديمقراطية وعدالة توزيع الأعباء والموارد ومواجهة الفساد، إلى جانب تطوير القدرات الإنتاجية والاحترام الفعلي للقانون والدستور. وأكد على ضرورة الالتزام بمبدأ تداول السلطة وفصل السلطات واستقلال القضاء، ونبذ فكرة “المرجعيات المقدسة”، سواء كانت دينية أو مدنية، ورفض التمديد والتوريث في الحكم، سواء في الملكيات أو في الجمهوريات المعدلة، مشيرًا إلى أن هذه النظم تخلق بيئات خانقة للتنمية والتحرر والاستقلال.
وأوضح الزاهد أن جيوش المنطقة يجب أن تركز على تطوير قدراتها القتالية لحماية حدودها، دون أن تتغوّل على باقي المؤسسات، أو تنخرط في الاستثمارات الاقتصادية، أو تنجر لتجاذبات السياسة اليومية، معتبرًا أن هذا الانفصال بين السلطة العسكرية والمجالات المدنية ضرورة قصوى إذا أردنا بناء دول قادرة على المواجهة والصمود.
واختتم بالقول إن كل ما سبق يجب أن يُتوج بإعادة بناء التحالفات الإقليمية والدولية على قاعدة واضحة، ترفض الهيمنة والاحتكار، وتقوم على الحقوق المتساوية بين الشعوب والأوطان، مشيرًا إلى أن العالم تغيّر، ولم يعد بالإمكان إدارة معاركه بالوسائل القديمة، أو الانتصار فيها دون تفكيك منظومات التبعية وخلق شبكات بديلة من التضامن الشعبي والمؤسسي.
ويُنتظر أن يستكمل الزاهد في منشور لاحق ما بدأه من أفكار تتعلق بإعادة رسم خرائط الفعل السياسي والمقاومة في العالم العربي، في ضوء الهزائم المكررة والتحالفات المهترئة، ورهانات “الممانعة” التي تحتاج بدورها إلى مراجعة صريحة.