للخلف دُر| لأول مرة منذ عام 1977.. حسن شحاتة يجمع بين منصبي رئيس اتحاد عمال مصر ووزير القوى العاملة.. وقيادات عمالية: خبر صادم ويعصف بالحقوق النقابية

كمال عباس: القرار يعصف بالحريات النقابية ويؤكد أن الاتحاد هو مؤسسة حكومية ولم يكن أبدًا تنظيمًا نقابيًا منتخبًا يعبر عن العمال

عباس: الوزير الجديد تولى منصبه النقابي بانتخابات مشكوك فيها.. ولم يُضبط مرة بالدفاع عن مطالب عمالية أو التضامن مع حقوق العمال

وائل توفيق: القرار جاء متماشيًا مع الجو العام والرغبة الدائمة في سيطرة الوزارة على الاتحاد والحد من المساعي لتأسيس نقابات مستقلة رغم إقرار الدستور بذلك

كتب – أحمد سلامة

“للخلف دُر.. ردة على الحريات النقابية” هكذا اعتبر عدد من القيادات العمالية ما يُمثله بالنسبة إليهم قرار تعيين الوزير الجديد للقوى العاملة حسن محمد حسن شحاتة وهو الذي تولى منصب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال مصر قبل شهرين، مُبدين استيائهم من القرار خاصة في ظل حالة من الرفض الشديد للانتخابات التي أجريت قبل شهرين والتي على إثرها فاز شحاتة بمنصب النقيب، بعد انتخابات وجهت إليها الكثير من الانتقادات.

ويُعد الوزير النقابي سعد محمد أحمد هو آخر رئيس اتحاد عمال تولى منصب وزير القوى العاملة أثناء فترته النقابية، (وهو من عمال الصناعات الغذائية)، إذ تولى المنصب النقابي في الفترة من يوليو 1976 إلى يونيو 1987 بينما تولى منصبه الوزاري خلال الفترة ما بين عامي 1977 حتى 1986، ويُعد أحد أطول من تولوا المنصب الوزاري حيث استمر لمدة 9 سنوات و16 يومًا.. وبضغوط عمالية ومطالبات مستمرة تم التراجع عما انتهجته الحكومة سابقًا من جمع المنصبين لشخص واحد، وانتهجت سبيل الفصل بينهما حتى يتسنى للعمال أن يكون لهم ممثلهم النقابي الحقيقي بعيدًا عن التدخلات السلطوية.

وعبّر عدد من القيادات العمالية عن اندهاشهم من تعيين حسن محمد حسن شحاتة وزيرًا للقوى العاملة بعد انتقادات شديدة وجهت إلى العملية الانتخابية التي جاءت به رئيسا للاتحاد العام لنقابات عمال مصري قبل شهرين فحسب.

في بيان أصدره عدد من الأحزاب والشخصيات العامة، تم التعرض بالانتقاد للانتخابات النقابية العمالية بعد أن تمت تصفيتها كفاعلية ديمقراطية تهدف إلى تمثيل العمال، حيث ذكر البيان أنه “تم حرمان عدد كبير من المرشحين في الانتخابات من حقهم في الترشح سواء بتدخل مباشر من الأجهزة الأمنية لتهديدهم وترويعهم قبل تقديم الأوراق وفقاً لروايات الشهود، أو استبعادهم عقب تقدمهم دون إبداء أي أسباب ورفض طعونهم”.

البيان أضاف “رحبت أغلب القوى السياسية وكل المنابر الإعلامية بدعوة الرئيس للحوار واعتبر معظم المراقبين أننا بصدد انفراجة سياسية على خلفية تقدم الحوار السياسي بين النظام والمعارضة وفي تناقض صارخ لهذه التطورات يتم استبعاد أغلب من لا يدين بالولاء للإدارة ممن يتمتع ببعض الاستقلال. وهذه الاستبعادات في معظمها تتم لصالح فتح الطريق لرموز الموالاة النقابيين أو المرضي عنهم أمنيا للفوز بالمواقع وفرضهم على عموم العمال في المنشآت والمؤسسات المختلفة بعد استبعاد الآلاف من المرشحين”.

وشدد الموقعون على البيان على أن “ما حدث في الانتخابات النقابية لا يمكن تفهمه سوى كونه استمرار لنهج قديم يسعى إلى تصفية كل فاعلية ديمقراطية وتخريب أي عملية لتمثيل المواطنين من خلال الانتخابات وحرمان الوطن من كل صوت مستقل. بل إن ما يحدث – وبكل أسف – يضعف من فرص نجاح الحوار وما يمكن أن يفضي إليه من انفراج سياسي”.

واستكمل “إن هذه الممارسات تأتي في سياق الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات التضخم، ومن ثم تترك عمليا عموم عمال وعاملات مصر بدون ممثلين وممثلات حقيقين قادرين على التفاوض باسم زملاءهم وإنقاذ عموم العمال من دوامة لا تنتهي من الإفقار في سياق توزيع أكثر عدالة لأعباء الأزمة التي يدفع ثمنها بالأساس الفئات الأضعف من العمال والموظفين والفلاحين الذين تزداد ظروف معيشتهم سوءًا ويفقدون قدراتهم على الحفاظ على حياة كريمة لأسرهم في سياق موجات من التضخم لا تتوقف”.

ووقع على البيان أحزاب “التحالف الشعبي، الاشتراكي المصري، الشيوعي المصري، المصري الديمقراطي الاجتماعي، الإصلاح والتنمية، العيش والحرية، الكرامة، الوفاق القومي”، بالإضافة إلى عدد من منظمات المجتمع المدني هي “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، دار الخدمات النقابية، مركز البيت العربي للبحوث والدراسات”.. كما انضم إليهم عددٌ من الشخصيات العامة والمهتمين.

خلال الأسابيع التي أعقبت توليه رئاسة الاتحاد، أبدى شحاتة في تصريحاته انحيازًا واضحًا للسلطة مبتعدًا بذلك عن دعم القضايا العمالية رغم تأكيده الدائم أنه يتحدث باسم العمال، تلك التصريحات التي كان آخرها قبيل ساعات قليلة من إعلان اسمه وزيرًا للقوى العاملة والتي قال فيها “موقف عمال مصر ثابت من مساندة ودعم الدولة المصرية وقت التحديات والأزمات”، وأن “الاتحاد يجدد تفويضه للقيادة السياسية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، في اتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات لحماية الأمن القومي”.

من جانبه، قال القيادي العمالي كمال عباس، إن القرار مثّل صدمة للأوساط العمالية والنقابية، إذ أنه جسد رِدة على كل المكتسبات التي تحققت بالفصل بين منصبي رئيس اتحاد عمال مصر ووزير القوى العاملة، مشيرًا إلى أن تحقيق ذلك استغرق سنوات من الكفاح والنضال من أجل ضمان ابتعاد الاتحاد عن سيطرة السلطة لتحقيق التمثيل الحقيقي والاستجابة لمطالب العمال على مستوى الأجور والتدريب والتأهيل وخلافه.

وأضاف عباس في تصريحات لـ”درب”، أن قرار اليوم يعصف بالحريات النقابية ويؤكد ما كنا نقوله من أن الاتحاد هو مؤسسة حكومية ولم يكن أبدًا تنظيمًا نقابيًا منتخبًا يعبر عن العمال، هو صوت للحكومة يدفاع عنها في مواجهة العمال بغض النظر عن السياسات التي تصب في مصلحة العمال.

وتابع عباس “منذ سنوات ونحن ضد الجمع بين المنصبي، لأنها دلالة على عدم الاستقلالية وعلى سيطرة الحكومة؛ ونتيجة للمطالبات الكثيرة التي طالبنا بها خلال الثمانينات والتسعينات، تحولت الحكومة إلى تعيين (عضو) بالاتحاد وزيرًا للقوى العاملة وليس رئيس الاتحاد.. قرار اليوم هو عودة لنفس الفكرة، ومعاداة واضحة وصريحة للحرية النقابية والاستقلالية النقابية”.

واستكمل عباس “النقطة الأخرى أن تولي وزير القوى العاملة من داخل مجلس إدارة الاتحاد يؤكد فكرة أن الحكومة مُصرة على إحكام قبضتها على الحركة النقابية المصرية”، موضحًا “أي وزير قادم من الاتحاد هو في الأساس تولى منصبه الانتخابي بالتزييف، ويتلقى أوامره من الجهات الأمنية، وهذا يعني إهدار ملفات كثيرة جدًا من المفترض أن تنتبه إليها هذه الوزارة مثل مشاكل العمالة غير المنتظمة وتطوير التدريب ورفع كفاءة العمال، تلك المهام الرئيسية للوزارة تضيع في انشغال الوزارة بالسيطرة على المنظمات النقابية من خلال وضع العراقيل أمام النقابات المستقلة”.

وأردف القيادي العمالي “نحن نُعاني وسنعاني على يد الوزير الجديد، لأنه قادم بأفكار مسبقة وتاريخ في مواجهة النقابات المستقلة وبالتالي أنا أرى أن هذا ليس في مصلحة العمال ولا في مصلحة الحريات النقابية”.. لافتًا إلى أن “الغريب أن تعيين هذا الوزير يأتي في فترة يتم فيها الادعاء بالتوجه للحوار الوطني وتطوير الحياة السياسية نحو إعطاء مزيد من الحريات، الحقيقة الخبر صادم”.

ويشير كمال عباس إلى أن قرار التعيين “جاء على خلفية انتخابات أقيمت من شهرين مشكوك في نزاهاتها وتمت بتدخلات واسعة من قبل الوزارة، وهذا معناه أنه كان هناك تنسيق مسبق لتعيينه رئيسا للاتحاد ثم وزيرا”.

وفي رد على سؤال حول توقعاته باستقالة الوزير من منصبه النقابي، قال عباس “نحن أول صوت يعلو برفض هذا التعيين ونرفض الجمع بين المنصبين، وقفنا ضد ذلك وسنقف ضده، كنا نتمنى أن يكون الوزير الجديد مُلمًا بالملفات الخاصة بحقوق العمال والحريات النقابية والأجور وقانون العمل والمشكلات التأمينية وما إلى ذلك، لكن يبدو أن هناك منهجًا لدى الحكومة في معاداة الحريات النقابية”.

وانتقد عباس الأداء النقابي للوزير الجديد قائلا “لم يُضبط مرة بأن لديه مطالب عمالية، أو يُضبط مرة واقفا مع حقوق العمال المفصولين، ولا قانون العمل ولا الأجور والأمان الوظيفي، ولا خطة لتطوير الوزارة، أو اهتمام بالملفات الكثيرة المهملة مثل ملفات البطالة والتشغيل والتدريب والعمالة غير المنتظمة، كان الأولى بالحكومة أن تقوم بتعيين وزير لديه الدراية الكافية بهذه الملفات”.

من جهته قال الناشط العمالي، وائل توفيق، إن قرار تعيين شحاتة جاء متماشيًا مع الجو العام والرغبة الدائمة في سيطرة الوزارة على الاتحاد والحد من المساعي لتأسيس نقابات مستقلة رغم أن الدستور يقر بأحقية ذلك.

وانتقد توفيق الوزير الجديد قائلا إن “اختيار النظام لوزير هو بالأساس شخص مغمور وليس له خبرات سابقة بالقضايا العمالية وهموم العمال المباشرة ليست على أجندته ولا أولوياته، واختياره من قطاع بسيط يضم عددًا قليلا من العمال (قطاع الطيران)، كل ذلك يوضح لنا إلى أي الاتجاهات سيكون تحركه”.

واستدرك توفيق “لكن ومع ذلك لا يمكننا الحكم الآن على أدائه كوزير، إذ يتطلب الأمر قدرًا من التمهل قبل إصدار حكم نهائي، بشكل عام سيكون تقييم أداؤه بشكل حقيقي بعد أن نرى كيفية تطبيقه للقانون، أو موقفه من تسويف الموافقة على تأسيس نقابات جديدة كما يسمح الدستور”.

ويستكمل توفيق، “كل ما نأمله هو تفعيل القانون والعمل ببنود الدستور من حيث التعددية النقابية في ظل توافر شروط تأسيس أي نقابة، هناك عدد كبير تقدم لتأسيس نقابات لكن دون ردود واضحة على أسباب التسويف والتأجيل وهو الأمر الذي أصبح سياسة عامة منذ عام 2013، فالسؤال الآن هل سيُكذب الوزير الجديد التوقعات؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *