في مواجهة الجائحة: كيف يقضى الممرضون أيامهم بين الخوف والعدوى؟ حكايات مناضلين في الصفوف الأمامية ضد كورونا

“درب” في رحلة داخل المستشفيات مع التمريض للبحث عن طريقة النجاة من العدوى في مواجهة أزمات نقص أدوات العمل

استشاري طب وقائي: العاملون بالتمريض الأكثر عُرضّة للإصابة نظرًا لطبيعة عملهم القائم على المخالطة الشديدة للمرضى

ناصر.. ممرض وجد نفسه في مواجهة العدوى: ماكنتش عارف أعقم نفسي أزاي ولا ألبس البدلة أزاي ولا في حد يقولنا نعمل أيه!

ممرضة: بنستلم ماسك جراحي مدته 4 ساعات يفضل معانا الوردية كلها.. وبنشتري على حسابنا وإحنا رايحين تحسبا لأي شيء

كتبت- ياسمين شبانة

فى 20 مايو الماضى، وخلال اجتماعها مع رئيس الوزراء، أعلنت الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة والسكان، ضم جميع المستشفيات العامة والمركزية غير التخصصية لخدمة فحص الحالات المُشتبه فى إصابتها بفيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، بواقع 320 مستشفى؛ وذلك في إطار تسلسل استراتيجية التعامل مع الحالات الإيجابية، وبدأ تطبيق القرار من اليوم التالي من صدوره.

كانت المشفى التى يعمل بها ناصر (اسم مستعار بناء على رغبته) الممرض فى قسم الرعاية المركزة، والتى توجد فى محافظة القاهرة، ضمن المستشفيات التى خضعت لهذا القرار. لكن لم يتم تحديد موعد للتنفيذ، يقول ناصر،27)  عامًا)، «عرفنا الخبر من جروب “واتساب” بتاع فريق التمريض فى المستشفى، واحد زميلنا عِرّف وبلغنا، لكن طبعًا ماعرفناش أمتى هيحصل الكلام ده».

فى أحد الأيام، وفى الساعة السادسة صباحًا، وأثناء تسلمه الوردية الخاصة به، فؤجى ناصر، بتحول الطابق الثانى من المشفى، للعزل الصحى لمصابى فيروس كورونا، حيث يتم أخذ المسحات من المُشتبه في إصابتهم بالعيادات الملحقة بالطابق الأول، وعند التأكد من إيجابية الحالة، يتم تحويلها إلى الطابق الثانى، حيث يوجد قسم الرعاية المركزة، «لما رحت استلم الشيفت بتاعى، وأنا لسه داخل المستشفى، زمايلى اللى بستلم منهم الشيفت، بلغونى إن فى حالات إيجابية دخلت المستشفى، منهم 8 حالات فى الرعاية المركزة. وقتها ماكنش فى حد من التمريض غيرى، وبلغونى إن واحد زميلى هيجى يستلم معايا على الساعة 2 الضهر، طبعًا أنا اتفاجت، وماكنتش عارف أعمل ايه. احنا اه كنا عارفين إن المستشفى هتبدأ تعمل مسحات للحالات المُشتبه فيها، بس ماحدش بلغنا أمتى، وماحدش بلغنا إن المستشفى هتتحول عزل، وإنى هبدأ اتعامل مع حالات مصابة بالفعل بكورونا».

مع بداية الوردية كان على ناصر ارتداء الزي الطبي المخصص للتعامل مع الحالات المصابة بفيروس كورونا، «زمايلى  قبل مايمشوا، قالولى البدلة والماسكات بتاعتك موجودة تحت السرير، ماكنتش عارف البدلة بتتلبس ازاى ولا أعقم نفسى ازاى قبل ما البسها وبعد ما اقلعها، ولا حتى أتعامل مع المرضى ازاى. وماكنش فى حد موجود من الإنفكشن كنترول عشان يقولى أتصرف ازاى».

في الدليل الإرشادي لمكافحة العدوى بالمنشآت الصحية لمجابهة فيروس كورونا، الذي عممته وزارة الصحة والسكان، على جميع المستشفيات والمراكز الطبية، في سبيلها للحد من إصابة الأطقم الطبية بالفيروس، والذى نشره موقع مصراوى، شدد على أنه يجب تزويد الفريق الطبى المتواجد فى غرفة الرعاية المركزة والذى لديه تعامل مباشر مع حالات الإصابة بكورونا، بتعليميات واضحة حول كيفية ارتداء وخلع أدوات الوقاية الشخصية وحول ضرورة غسل الأيدى قبل ارتداؤها وبعد خلعها، ويجب أن يشرف مقدم الخدمة الصحية على ذلك.

على مدار 36 ساعة متواصلة، ظل ناصر يقدم الرعاية الصحية للحالات المصابة داخل قسم الرعاية المركزة مع زميله الذى التحق بالعمل فى منتصف اليوم الأول، «المشكلة الأكبر بالنسبالى، كانت إن المستشفى بتاعتنا صغيرة وماكنتش مجهزة لاستقبال الحالات دى كلها، الأوضة بتاعتنا كتمريض، اللى بنأكل وبنشرب فيها، فى وش (مقابل) الأوضة اللى فيها المصابين، مافيش بينا غير ستارة قماش، وكل مرة مريض بيروح الحمام، بيعدى علينا، وبيلمس نفس الحاجات اللى بنلمسها، رحت اشتكيت لـ مسئولة الإنفكشن كنترول، وقولتلها ماينفعش اللى بيحصل ده، قالتلى هتصرف ومشيت وماشفتهاش لحد ما خلصت الشيفت بتاعى».

يضيف ناصر، «فى أوضة فوق المستشفى مكتوبة عليه سكن للأطباء والتمريض، لكن الأوضة مش مجهزة، ومافيهاش سرير ولا حمام ولا مطبخ، يعنى لو حبيت اتعزل فيها عشان مارجعش بيتى بعد الشيفت، هنام على ايه، وأكل وأشرب أزاى».  

بعد انتهاء ورديته، ذهب ناصر إلى منزله، حيث يسكن بمفرده، بعد ذهاب زوجته وطفلهم الرضيع قبل أسبوعين، إلى عائلته، فى إحدى القرى التابعة لمحافظة الجيزة، «قبل ما نتقلب عزل، كنا ساعات بنستقبل حالات فى المستشفى وبنشتبه في إصابتها بكورونا، وأنا راجع البيت، كنت بخاف أكون حامل المرض وأعديهم، وخصوصًا، إن مراتى كانت لسه والدة ومناعتها ضعفية، فبعتهم يقعدوا عند أهلى شوية، عشان ماكنش قلقان عليهم».

قبل ثلاث سنوات، حصل ناصر على تكليفه فى القطاع الحكومى، «قبل كورونا، كنت شغال فى مستشفى خاصة جنب شغلى، بس اضطريت اسيبها، عشان المستشفى قلبت عزل. مرتبى من شغل الحكومة 1900 جنيه، بدفع منهم 1000 جنيه إيجار شقة فى القاهرة، غير المواصلات للمستشفى رايح جاى كل يوم».

حاول «درب» التواصل تلفونيًا مع مدير مديرية الشؤون الصحية بالقاهرة، الدكتور محمد شوقى، للحصول على تعقيب، لكننا لم نتلق ردًا حتى نشر هذا التقرير.

وعن إجراءات الوقاية من العدوى ومكافحتها للعاملين في ‏مجال الرعاية الصحية الذين يقدمون الرعاية إلى المرضى الذين ‏تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا، توصى منظمة الصحة العالمية، بارتداء معدات الحماية الشخصية المناسبة، وتشمل القفازات المتينة والكمامة وحماية العينين، ورداء طبى بأكمام طويلة وأحذية طويلة قبل لمس أى أغطية وملابس متسخة، أما بالنسبة للمرضى الذين ‏يُشتبه في إصابتهم بالفيروس، توصى المنظمة، فيما يخص معدات الوقاية الشخصية، التى تشمل احتياطات الوقاية من العدوى المنقولة بالملامسة والقطيرات، ارتداء قفازات وحيدة الاستعمال لحماية اليدين، ولباس نظيف غير معقم طويل الأكمام لمنع تلوث الملابس، وأقنعة طبية لحماية الأنف والفم، وواق للعينين قبل الدخول إلى الغرفة حيث يوجد المرضى الذين يُشتبه في إصابتهم.

فى هذا الصدد، يقول شريف حتة، استشارى الطب الوقائى فى تصريحات لـ«درب» أن العاملون بمجال التمريض، أكثر الفئات عُرضّة للإصابة بعدوى فيروس كورونا، نظرًا لطبيعة عملهم القائم على المخالطة الشديدة للمرضى، خاصة العاملون فى مجال الرعاية المركزة، لذلك يجب عليهم تطبيق إجراءات الوقاية بصارمة شديدة، لحماية أنفسهم من العدوى.

وحول إجراءات الوقاية للعاملون فى مستشفيات العزل، يشدد «حتة» على ضرورة ارتداء طاقم التمريض، زى العزل كاملًا المكون من البدلة الوقاية، والأقنعة التى تغطى منطقة الأنف والفم والعينين، والقفازات الطبية.

وعن طرق ارتداء البدلة الوقاية، وكيفية التخلص منها، يري، «حتة»، أنه نظرًا للظرف الحالى وضيق الوقت لتلقى العاملون بالتمريض التدريب المناسب، ونظرًا لأن الأمور تختلف فى أوقات الأزمات، على حد قوله، فـ في هذه الحالة، يجب على مشرف التمريض تقديم النصح والمعلومات الصحيحة بخصوص الوقاية أثناء ارتداء البدلة والتخلص منها، وذلك قبل بدء التعامل المباشر مع المرضى المصابون بفيروس كورونا.

يتفق «حتة» مع تعليمات منظمات الصحة العالمية، فيما يخص طاقم التمريض العاملون فى المستشفيات التى تستقبل مرضى يُشتبه فى إصابتهم بفيروس كورونا، بعدم ضرورة ارتداء الرداء ذات الأكمام الطويلة والأحذية الطويلة (البدلة الوقاية)، وأن يتم الاكتفاء بارتداء الأقنعة الطبية لحماية الأنف والفم وواق للعينين، وأيضًا ضرورة ارتداء قفازات طبية نضيفة، قبل التعامل مع المرضى.

«هبة» مثل «ناصر»، واحدة من 196686 ممرضًا وممرضة يعملون بالقطاع الحكومى بحسب بيان الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء الصادر فى 12 مايو الماضى، حيث قال أن عدد أعضاء هيئة التمريض القائمين بالفعل فى القطاع الحكومى، زاد بنسبة قدرها 2.8% مقابل 191351 ممرضًا وممرضة فى العام 2017، بحسب البيان.

تعمل هبة (31 عامًا) ممرضة فى قسم الطوارئ بإحدى المستشفيات بمحافظة القاهرة، منذ أكثر من 14  عامًا، «احنا شغلنا فى الطوارئ، اننا نستقبل كل الحالات ونشتغل عليها، وبعد كده، بنعرف من التحاليل والأشعة، إذا كان فيه اشتباه إصابة بكورونا أو لأ. طبعًا لو فيه اشتباه، بنحوله لأى مستشفى عزل».

تعمل هبة ثلاثة أيام فى الأسبوع بـ«نبطشية» 12 ساعة، تبدأ من الساعة التاسعة مساءٍ إلى التاسعة صباحًا من اليوم الثالى، بالإضافة إلى وردية ثلاثة أيام، من الساعة التاسعة صباحًا إلى الثانية ظهرًا. أثناء ذهابها إلى العمل، تضطر لشراء كمامة واقية إضافية، تحُسبًا لأى تلف يحدث للكمامة التى تتسلمها، فى الورية الخاصة بها، «وأنا فى الشيفت لازم يكون معايا ماسك استبن (احتياطى) عشان فى أوقات كتير الأستك بيتقطع قبل ما الشيفت يخلص. احنا بنستلم الماسك الجراحى اللى مدته 4 ساعات، بس طبعًا بنلبسه طول مدة الشيفت أوالنبطشية بتاعتنا».

فى 22 مايو الماضى، وأثناء تواجدها بالعمل، عانت هبة من ارتفاع مفاجئ في درجة حرارة الجسم، بالإضافة إلى بعض أعراض الإنفلونزا الموسمية. على الفور، طلبت منها المشرفة، الذهاب إلى المنزل، وعزل نفسها، حتى تتوضح الأمور. فى اليوم التالى ازدادت حالة هبة سوءٍ، تواصلت مع مدير المستشفى الذى أخبرها، بضرورة حضورها غدًا لعمل تحليل صورة دم، وأشعة مقطعية على الصدر، «رحت عملت التحليل والأشعة، والمدير بعتلى دكتور صدر، كشف عليا. التحليل والأشعة طلعوا كويسين، الدكتور طلب منى أعزل نفسى فى البيت، وقالى احنا بنعاملكِ على انك اشتباه، طالما الأعراض لسه موجودة»، تضيف هبة، «المدير قالى تعالى اصرفى العلاج بكرة، عشان حاليًا مش متوفر فى المستشفى، طبعًا ماكنش ينفع استنى يوم كامل من غير علاج. اشترتيه من برا كله، ولما كلمونى من المستشفى تانى يوم، عشان أروح اصرف العلاج، قولتلهم، أنا خلاص اشترتيه من برا، ادوه (اصرفوه) لحد تانى محتاجه».

بحسب هبة، استهلكت دواء، (مضادات حيوىة وحقن خافضة للحرارة) بقيمة 1000 جنيه، خلال الأسبوع الأول من علاجها.

تقول هبة، «لما السخونية ماكنتش بتنزل، بدأت أخاف. اتصلت بمسئول الإنفكشن كنترول، وطلبت منه، يوفرلى مسحة، عشان أطمن على نفسى، كان رده، إن المسحات بتتعمل للناس اللى أشعتهم مش كويسة بس»، تضيف،  «أنا فعلًا الأشعة بتاعتى كانت كويسة، بس هو طبيعى إن حد يفضل حرارته عالية لمدة 11 يوم وماتنزلش بأى دواء، ده غير الأعراض التانية اللى كانت عندى طول فترة مرضى»، على مدار 11 يومًا، ظلت هبة تعانى من ارتفاع فى درجة الحرارة، مع احساس بالقئ وهمدان مستمر، تتلقى علاجها من المنزل، بدون التأكد من إصابتها بفيروس كورونا من عدمه.

ترى هبة، أن فى هذا الموقف، يجب أن يكون للنقابة دورًا فى مساندة أبنائِها، «احنا أكتر ناس معرضين للعدوى بحكم مهنتنا، ده غير الضغط اللى حصلنا فى شغلنا من أول ظهور الفيروس، فـ من حقنا لما نتعب نلاقى المكان والعلاج متوفر، وده المفروض دور النقابة بتاعتنا».

خلال 14 يومًا متواصلة، لم تلتق هبة أحدًا من عائلتها، جالسة داخل غرفة خصصتها للعزل خلال فترة مرضها، «مع بداية ظهور الأعراض عندى، طلبت من أهلى، ماحدش يجيلى البيت خالص، جوزى بس اللى كان  قاعد معايا فى الشقة، ماكنتش بخرج من الأوضة خالص، وكنت بأكل لوحدى وبغسل الأدوات اللى استخدامتها كلها وأعقمها».

فى 25 مايو الماضى، وخلال حوارها مع جريدة الوطن، طالبت كوثر محمود، نقيب التمريض، بمعاملة مصابي وشهداء الأطقم الطبية في مواجهة أزمة كورونا، معاملة مصابي وشهداء الجيش والشرطة، قائلة لا يجب أن يضحي أفراد هيئة التمريض بحياتهم وصحتهم وهم علي اقتناع بأنّهم مشروع شهيد، وفي الوقت ذاته عند إصابتهم بفيروس كورونا يلاقي بعضهم معاناة كبيرة في تلقي الخدمة الصحية الجيدة وفي أماكن مناسبة، لذلك لابد من توفير أماكن عزل للمصابين من التمريض في ذات محافظتهم.

منذ سنوات، يعانى قطاع التمريض من أزمات كثيرة، فبحسب ورقة بحثية نشرها موقع المعهد المصري للدراسات، فى يناير من العام الجارى، بعنوان أزمة التمريض: الأسباب وبدائل المواجهة، أكدت أن القطاع الحكومي يعاني عجزًا حرجًا يقدر بـ 40 ألف ممرضة تقريبًا كحد أدنى، أي ما يعادل 17.6%  عجزًا ملحًا وهي نسبة مرتفعة، وقابلة للزيادة، يتطابق هذا مع نشرة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الصادرة في نوفمبر2019 ، التى أكدت أن إجمالي عدد الممرضات بالمستشفيات الحكومية يعادل ممرضة لكل 688 مواطنًا، وهو ما يعني أن نسبة التمريض تمثل 1.45 ممرض لكل 1000 مواطن.

وذكرت الدراسة أيضًا، أن أبرز الأزمات التى يعانى منها القطاع، هى سفر الكثيرين للعمل للخارج، وكذلك اللجوء للعمل بالقطاع الخاص، الذى بلغ 20053 من أجمالى187090  عضوًا مقيدًا بنقابة التمريض، وهذا بدوره يؤثر بشكل كبير على المستشفيات الحكومية.

مجدى مرشد، عضو لجنة الشؤون الصحية بالبرلمان، قال لـ«درب» أن معالجة هذه الأزمة بدأ من العام الماضى، حيث قمنا بزيادة أعداد مدارس التمريض والقبول بها على مستوى الجمهورية، وكذلك أعداد الفصول داخل تلك المدراس، حيث أصبحت كل مدرسة تحتوى على 23 فصلًا بدلًا من 20 فصلًا فى السابق.

ويشير «مرشد» إلى أن السبب فى نقص الأعداد فى قطاع التمريض، يرجع إلى بيئة العمل غير المناسبة، من حيث قلة المرتبات وقيمة النبطشيات، وكذلك بدل العدوى الذى لا يذكر، على حد قوله، الأسباب التى تجعل الممرضون يلجؤن إلى العمل بالخارج وأيضًا العمل بالقطاع الخاص.

يرى «مرشد» أنه مع بداية الوباء، كان هناك تقدير من كل جهات الدولة للدور الذى تقوم به الفرق الطبية، كان هذا واضحًا بعد موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون تنظيم شؤون أعضاء المهن الطبية، وذلك بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ونص مشروع القانون على زيادة فئات بدل المهن الطبية، بنسبة 75%، وتعديل اسمه، وكذلك إنشاء صندوق التعويض عن مخاطر المهن الطبية.

من ناحية أخرى، أشار «مرشد»، أن مصابى الفرق الطبية، يجب أن يكون لهم الأولوية فى توفير أماكن للعلاج، كذلك يجب معاملة المتوفين منهم جراء الإصابة بفيروس كورونا، معاملة شهداء الجيش والشرطة، مشيدًا بقرار وزارة الصحة والسكان بتخصيص دور بكل مستشفى عزل بسعة 20 سرير لعلاج المصابين من الأطقم الطبية، والذى نشرته الوزارة على الصفحة الرسمية لها على موقع «فيس بوك».

على الجانب الأخر، قرر حسين الانضمام إلى إحدى المستشفيات التخصصية المخصصة للعزل الصحى لمصابى كورونا، وذلك عندما عَلم بوجود عجز شديد بفريق التمريض داخل تلك المشفى، «لما بلغونا إن فى نقص شديد فى التمريض فى المستشفى دى، وانهم محتاجين ممرضين فى أسرع وقت، كان قرار صعب طبعًا، بس بعد تفكير، قررت إنى لازم أروح وأساعد المرضى اللى هناك وأكون معاهم».

إلى جانب دراسته، يعمل حسين (23عامًا) ممرض فى قسم الرعاية المركزية فى إحدى المستشفيات التابعة للقطاع الحكومى، منذ أكثر من عامين.

كان قرار انضمامه لمستشفى العزل، ذو هدفين، الهدف الأول، هو الخدمة فى هذا المكان، وتقديم شئ لوجه الله، على حد قوله، والهدف الثانى، هو خوفه من احتمالية نقل العدوى لعائلته، «فى المستشفى اللى كنت بشتغل فيها، قبل ما أروح مستشفى العزل، كان بيجلنا حالات كتير اشتباه إصابة بكورونا، وكنا طبعًا بنتعامل معاها، لحد ما الإنفكشن كنترول يجوا ياخدوا الحالة، لكن فى مستشفى العزل، بقعد 14 يوم معزول فى المستشفى، وقبل ما أخرج بعمل مسحة، ولو فى حاجة لقدر الله، مابرجعش البيت، فكدة أمان لعيلتى أكتر».

يصف حسين لـ«درب» ، إحساسه أثناء عودته من عمله الأول يوميًا، محملًا بالكثير من الأسئلة التى تدور داخل عقله، (كم عدد المرضى الذين رأيتهم اليوم؟ كم منهم كانت لدية أعراض الإصابة بفيروس كورونا؟ كم كنت قريبًا منهم؟ ماذا لو التقطت العدوى من أحد؟ ماذا لو كنت حاملًا للفيروس بدون أعراض؟ ماذا لو نقلت العدوى لعائلتى؟ كم عدد الحالات التى سأراها غدًا؟ كم منهم سيكون مصابًا دون أن أعلم؟)

يضيف حسين، «فى البيت، كنت عامل نص عزل، بقعد فى أوضتى لما برجع من الشغل، بحاول ماقربش من والدى ووالدتى عشان ناس كبار، وعندهم ضغط وسكر، وماكنتش بقرب من ولاد أخواتى الصغيرين. ودايمًا، كنت بتعامل مع نفسى على انى مصاب، وممكن اعدى حد منهم».

خلال هذ الفترة، لم تظهر لدى حسين أعراض الإصابة بفيروس كورونا، لكنه كان يرى ضرورة خضوعه لـ اختبار (مسحة) للتأكد من إصابته بالفيروس من عدمه، خاصة بعد التعامل مع الحالات المُشتبه فى إصابتها. بحسب حسين، لم يتم الاستجابة إلى مطلبه من جانب المشفى، «فى كذا مرة اتعاملت مع حالات عندها كل أعراض كورونا، وعربية الأسعاف جت خدتها لمستشفى العزل، عشان يتأكدوا من إصابتها أو لأ،  طبعًا كنت بكون خايف ومرعوب وأنا مروح البيت، إنى أكون اتصابت وأعدى حد من أهلى».

قبل الذهاب للعمل داخل مستشفى العزل، حاولت عائلة حسين إقناعه بالعدول عن قراره، بكل الطرق المتاحة، (العمل داخل مستشفيات العزل التخصصية، اختياري)، خاصة بعد وفاة ممرض داخل نفس المشفى متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا، قبل فترة قصيرة، لكن حسين أصّر على الذهاب، قائلًا، دى مهنتى وماقدرش أتخلى عنها، يُضيف، «طبعًا وعدت أهلى إنى هاخد بالى من نفسى كويس وهطمنهم عليا كل يوم، وفعلًا كنت لازم أكلمهم فيديو كول كل يوم وأطمنهم انى بخير».

أمام بوابة مستشفى العزل، وقف حسين يتأمل المكان، والخوف يتملكه. ازداد خوفه، حين عَلم أنه اختير للعمل داخل قسم الرعاية المركزة، «الشغل فى الرعاية غير أى قسم تانى، باقى الأقسام بيكون التعامل بين الممرض والمريض من بعيد لـ بعيد شوية، لكن الرعاية، احنا بنكون قريبين من المريض جدًا، وبنتعامل معاه فى أدق تفاصيل مرضه».

12 ساعة، تمر داخل غرفة الرعاية المركزة يوميًا، يتبعها رحلة يبدأها حسين، بـ تعقيم اليدين، خلع كل الوقيات وغطاء الرأس، غسل اليدين مرة أخرى، الجلوس تحت جهاز، يعمل على رش الجسم كاملًا بـ الكحول الطبى، (خلال هذه الخطوة، يجب على حسين كتم أنفاسه، تجنبًا لـ استنشاق الكحول)، خلع جميع الملابس، الاستحمام، ارتداء ملابس نظيفة ومعقمة، واخيرًا، ارتداء واقي نظيف للفم والأنف مرة أخرى. كل ذلك يتم داخل غرفة مخصصة لتبديل الملابس فقط. يقوم عامل نضافة برشها مرتين أو ثلاث مرات يوميًا.

بعد انتهاء الـ 14 يوم، مدة العمل داخل مستشفى العزل، خرج حسين، بعد أن خضع لـ اختبار الكشف عن فيروس كورونا، حيث جاءت النتيجة سلبية، يقول حسين، «الحمد لله، مبسوط إنى قدرت أساعد، وإنى خضت تجربة مهمة زى دى. طبعًا فى الأول، الخوف كان مسيطر عليا، لدرجة إنى كنت بلبس 5 ماسكات فوق بعض، بس الحمد لله عدت على خير، ومستعد إنى أرجع اشتغل تانى فى نفس المكان».

فى 3 يونيو الماضي، قالت كوثر محمود، نقيب التمريض، فى حوار لها فى برنامج «هذا الصباح»، أن عدد المتوفين بين أطقم التمريض جراء الإصابة بفيروس كورونا، بلغ 10 حالات حتى الآن، بالإضافة إلى بعض الحالات المصابة على مستوى الجمهورية، لكن أمجد الخولى، استشارى الوبائيات بمنظمة الصحة العالمية قال فى حوار سابق له فى مجلة «للعلم»، أنه لا تتوافر إحصاءات دقيقة عن حالات العدوى والإصابة بين الأطقم الطبية فى مصر، موضحًا أنه في البداية، كانت السلطات الصحية تبلغ المنظمة عن الإصابات بين العاملين بالقطاع، ولكن مع انتشار الوباء لم يتم تحديث البيانات.

لم يكن قرار العمل داخل مستشفى العزل، متاحًا بالنسبة لـ سماح، (36 عامًا)، أم لـ أربعة أولاد، تعمل ممرضة فى قسم الطوارئ بمستشفى حكومي بأحد المراكز بمحافظة البحيرة.

سماح، واحدة من 15 ممرضة، تم استدعائهم للعمل فى إحدى مستشفيات العزل داخل المحافظة، «فى البداية، لما شفت اسمى مكتوب فى كشف الممرضات المطلوبين للشغل فى مستشفى عزل، استغربت، ازاى أكون مطلوبة فى العزل، وأنا عندى طفل رضيع عنده سنة و4 شهور، والكبير 8 سنين، والمشرفة بتاعتى عارفة كل ظروفى، طب هسيب ولادى فين وأنا جوزى مسافر برا مصر، ووالدتى ست كبيرة وتعبانة؟».

حاولت سماح التواصل مع مديرية الشئون الصحية التابعة لمحافظة البحيرة، للحصول على موافقة بـ إعفائها من العمل فى مستشفى العزل، نظرًا لظروفها العائلية، كان رد المديرية، بأن المسئول عن هذا القرار هى إدارة المشفى التى تعمل بها، «فى المديرية قالولى، اللى تقدر تعفيكى أنك تروحى العزل أو لأ، هى المستشفى بتاعتك، احنا هنا مش مسئولين عن القرار ده».

كانت وزارة الصحة، الخطوة التالية التى اتبعتها سماح، حيث قدمت التماس إلى وكيل وزارة الصحة بالمحافظة، تقول سماح، «وضحت عمر ابنى الرضيع فى الالتماس اللى قدمته، وإنى أم وحيدة، مسؤولة عن أولادى. وكيل الوزارة أشرلى على كذا نقطة فى الالتماس، ورجعت بيه للمسئول فى المديرية، وخدت مذكرة موقعة بالموافقة على إعفائى من العمل بمستشفى العزل».

على سماح الحصول على موافقة إدارة المستشفى التى تعمل بها،على هذة المذاكرة، كخطوة نهائية لتنفيذ القرار. حتى كتابة هذا التقرير، وبحسب سماح، مازالت تنتظر الحصول على تلك الموافقة.

ترى سماح، أنه رغم خطورة عملها فى قسم الطوارئ، الذى يستقبل حالات كثيرة يُشتبه فى إصابتها بفيروس كورونا، إلا أنها تستطيع العودة فى نهاية اليوم، لتنام بجوار أولادها، «وأنا فى شغلى، بحاول أخد بالى على قد ما أقدر، وأحافظ على نفسى عشان ولادى، رغم الحالات الكتيرة المُشتبه فيها، واللى بنتعامل معاها كل يوم، لكن لو اشتغلت فى العزل، هسيب ابنى اللى عنده سنة لمين، ومين هيراعهم كلهم لو حصلى حاجة!».

تواصل «درب» مع نقيب التمريض، الدكتورة كوثر محمود، للحصول على تعقيب فيما يخص أزمة سماح، إلا أن الرد الوحيد الذي وصلنا، كان: «معظم التمريض فى سن الإنجاب وعندهم أطفال، لكن ممكن يساهموا فى الأقسام الأخرى مش شرط العزل»، حاولنا الحصول على تعقيب بخصوص بعض النقاط الأخرى، لكننا لم نتلق ردًا حتى لحظة نشر التقرير.

لينكات مرتبطة :

ضم 320 مستشفى لفحص حالات المشتبه إصابته بكورونا

دليل الارشادى للصحة (الطب الوقائى) مصراوى

توصيات منظمة الصحة العالمية بشأن اجراءات الوقاية للعاملين بالرعاية الصحية

نسبة التمريض فى مصر حسب الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء

نقيب التمريض، يجب معاملة أطقم التمريض كشهداء الجيش والشرطة

دراسة المعهد المصرى للدراسات عن أزمة قطاع التمريض

نشرة الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن أزمة التمريض فى المستشفيات الحكومية

دراسة المعهد المصرى للدراسات عن أزمة قطاع التمريض

 قرار زيادة المهن الطبية 75%

 تخصيص 20 سريرًا فى مستشفيات العزل للأطقم الطبية

نقيب التمريض عن عدد المتوفين بين أطقم التمريض فى برنامج هذا الصباح

حوار أمجد الخولى استشارى الأوبئة بمنظمة الصحة العالمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *