ريهام الحكيم تكتب: عصابات الهاجاناه.. والتغيير الديموغرافي في العراق

فلسطين  1948 …. ارتكبت عصابات الهاجاناه و الأرجون وعصابات أخرى صهونية العديد من المذابح بحق الفلاحين والسكان العرب الفلسطنيين, من أهمها مذبحة قرية “سعسع” و”بلد الشيخ” و”دير ياسين”  و”أبو شوشة” وغيرها , حوادث عنف ممنهجة وعمليات تفجير لمنازل القري الفلسطينة, تسببت في نشر الذعر والريبة بين السكان, أدت إلى نزوح مئات الآلاف من السكان العرب الفلسطينيين من قراهم.

خلو بعض القرى من أهلها, مكن اليهود من احتلال الأرض, وبتركيبة سكانية جديدة حلت محل السكان الأصليين, لتتشكل دولة صهيونية عنصرية قائمة على الانتماء لدين, بعد إحلال المهاجرين الصهاينة محل أصحاب الأرض في محاولة للإيحاء بوجود شعب جديد.

وفي العراق عام 2014.. بدأ تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في شن هجماته على مناطق في شمال وغرب العراق – احتل ثلث مساحة العراق –  وارتكب التنظيم العديد من جرائم القتل الجماعي والاتجار بالنساء والأطفال وقام بتصوير تلك الجرائم ونشرها.

 المذابح ومشاهد القتل الجماعي سببت الذعروالخوف بين سكان القري والبلدات في محافظات شمال وغرب العراق, مما أدى إلي نزوح 5,8 مليون شخص والفرار من ديارهم, انتشرت عشرات المخيمات فى جميع أنحاء العراق لإيواء النازحين.

في 2017 أعلنت حكومة بغداد بقيادة حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق النصر وتحرير جميع المناطق المحتلة من قبل التنظيم المتشدد.  الحرب ضد داعش- في العراق – جمعت بين الجيش العراقي,  و فصائل الحشد الشعبي وقوات البشمركة الكردية, وطيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق.


خَسر” داعش” الجغرافيا التي أقام عليها” الخلافة الداعشية” في ثلث مساحة العراق ونصف مساحة سوريا.


انتصرالعراق ولكن اثار الحرب خلفت أزمة انسانية واقتصادية كبيرة, حجم الأضرار بلغ حوالي 45,7 مليار دولار في محافظات  “نينوى – كركوك – صلاح الدين– ديالى – بغداد – الأنبار – بابل”.

الخسائر  شملت قطاعات ” الاسكان – الصحة – التعليم – الزراعة – الموارد المائية – النفط – الطاقة – الغاز – الصرف الصحي – الأثار- البيئة ” .  ( تقريرالبنك الدولي 2018 )

أنتهت الحرب وبقي السؤال : ما مصير المدنيين العائدين إلي
 مناطقهم التي نزحوا منها بسبب الحرب والخوف من القتل
والإبادة الجماعية؟

مع تراجع القتال بدأت بعض العائلات بالعودة إلى ديارها.
لكن الكثير منهم مازالو نازحين – نحو 1,8مليون –
 450 األف منهم في مخيمات و 1,2 مليون آخرين
في ترتيبات السكن الخاصة أو غير الرسمية.
” تقرير هيومن رايتس ووتش “

النازحون الباقون في الخيام مازالو معرضين لانتهاكات عديدة, يُجبر البعض منهم على العودة إلى ديارهم رغم الظروف غير الآمنة في مُدنهم, حيث يكونون عرضة للألغام الأرضية, أو الهجمات الانتقامية من الجيران أو التجنيد القسري في الجماعات المسلحة, أما الباقي فإما المنع من العودة إلى ديارهم, أو الاحتجاز في المخيمات.

 تقارير دولية ومنظمات حقوقية غطت محاولات تغيير ديموغرافي وعمليات انتقامية من قبل ميليشات وفصائل تتبع ” الحشد الشعبي ” وقوات ” البشمركة ” الكردية بعد انسحاب ” داعش” في العديد من المناطق العراقية , ذُكر على رأسها محافظات “نينوى وصلاح الدين” شمال العراق ,”ديالي” في الشرق  و”بابل” جنوب بغداد. واعتبرت تلك المحافظات مسرحاً لسلسة من عمليات التهجير وتغيير التركيبة السكانية شملت العديد من العراقيين بكافة طوائفهم.

يوضع الصراع في العراق غالبا في إطار صراع بين (الشيعة والسنة) و(العرب والأكراد)، هذا البلد الذي يضم عدداً من الأقليات, وهم (المسيحيون والتركمان والأزيديون والشبك والصابئة المندائيون والبهائيون والكاكاي والأكراد الفيليون), تلك الأقليات أصبحت محاصرة وسط أعمال العنف, والمساومات السياسية الخارجة عن إرادتها.

وأصبحت محاولات التغيير الديموغرافي والتركيبة السكانية المتنوعة لشعب العراق, تشكل الآن التهديد الأبرز بعد انسحاب ” داعش” من العراق.

في شمال العراق, والحديث عن عمليات تجريف وهدم لمنازل وبنايات في العديد من القري و البلدات من قبل قوات ” البشمركة” الكردية, منظمة (العفو الدولية) و (هيومن رايتس ووتش), اتهمت حكومة كردستان العراق, بتعمد تدمير منازل للسكان العرب في محافظات نينوي وأربيل وكركوك – المناطق الحدودية للإقليم -, وترك منازل الأكراد قائمة (مباني ومنازل كردية قائمة بجانب هدم مباني ومنازل عربية مجاورة) .

ردت حكومة كردستان علي الاتهامات بـ ” الحاجة إلي تدمير تلك المنازل من أجل تفكيك أجهزة متفجرة بدائية الصنع في القرى التي تم انتزاعها من ” داعش”.

قوات “البشمركة” الكردية متهمة بتجريف عشرات القرى مثل “إسماعيل أوه” و” الخناجر” و”الحلوات” و”البو محمد” و”الطوالع”, وتدخل القري العربية التي تقع غالبيتها في مناطق محاذية لحدود إقليم كردستان عامها الخامس من دون أهلها, بعد عمليات ممنهجة شملت تفجير منازل وتجريف أراضي الزراعية. (تقرير العربي)

بعض الميليشات التركمانية وفصائل أزيدية تابعة لـ “الحشد الشعبي” متهمة أيضا بتدمير عدد من القري في شمال العراق.

وزارة التخطيط العراقية تحدثت عن (300  قرية) في “نينوى” و”كركوك” و”ديالى” و”صلاح الدين” تعرضت للتجريف والتدمير الكلي من قبل أطراف الصراع.

في الغرب, محافظة “ديالي“, الحدودية مع إيران , تعرضت أيضاً إلى عملية تغيير ديموغرافي و احلال سكان سنة ومسيحيين وصابئة, بعد وقوع حالات قتل وخطف في المحافظة من قبل ميليشيات شيعية موالية لإيران – ميليشيا منظمة بدر وعصائب أهل الحق – وتابعة لـ ” الحشد الشعبي “, تسببت في انخفاض لعدد سكان المحافظة من (مليوناً و 580 ألفاً ) إلي ( مليوناً و 59 ألفاً ).

وعلى غرار فتوى “عدم بيع الاراضي لليهود ” فى فلسطين, ثلاثينيات القرن الماضي, بدأت حركة شبابية في ديالي بأسم “سكان ديالى الأصليين” للتحرك وتوعية السكان بعدم بيع منازلهم والإبقاء عليها كي لا تتغير هوية المحافظة.

“غيداء كمش” النائبة فى البرلمان العراقي تحدثت عن حرب داخل المحافظة على المكون السني سواء بالتغيير الديموغرافي أو تغيير البطاقات السكنية والبطاقات المدنية.

أما محافظة “نينوى” شمال العراق والعاصمة القديمة للامبراطورية الاشورية , بتعداد سكان 3 مليون ونصف, والتي تضم تنوعاً دينياً وعرقياً كبيراً, يمتد على طول المنطقة الواقعة شمال الموصل, مجتمعات كردية وتركمانية و عربية وايزيدية, و كذلك مسيحية و شيعية وشبك.

شهد ” سهل نينوى ”  نزوح للسكان جراء حرب “داعش”
قفزة لفصائل مسلحة – كلا من الحشد الشعبي والبشمركة
الكردية – عقب تحريره فى نوفمبر 2016 من الاحتلال الداعشى.

سهل نينوى – شمال غرب مدينة الموصل – المعقل التاريخي والاكبر
 للعراقيين المسيحيين بعد العاصمة بغداد, أكثر من 40 قرية عربية                              
 مسيحية يقطن سكانها المخيمات و المعسكرات للعام الخامس على التوالي, ولا يسمح للكثير منهم بالعودة إلي ديارهم بدعوى أنه لم يتم ازالة المفخخات من قراهم وأنها غير صالحة للحياة.

“جوزيف صليوا ” برلماني سابق, تحدث عن مخططات محلية واقليمية في سبيل ترحيل المكون المسيحي بالكامل, والعمل على سياسية دعم المد الشيعي ” غير العراقي” فيها.

سهل نينوى , المنطقة الصالحة للزراعة, وهى ايضا واحدة من المناطق المتنازع عليها رسمياً في العراق, بين الحكومة العراقية الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان, وهي تعد منطقة استراتيجية لإيران تربط الأجزاء ذات الأغلبية الشيعية في العراق وحلفاءها في سوريا ولبنان.

بلدة “قره قوش” أكبر مستوطنة مسيحية في سهل نينوى, والتى أصبحت صور ” علي خامنئى ” المرشد الأعلي لإيران تتواجد فيها أمام الملأ, بعد سيطرة “الشبك” عليها وهم أقلية عرقية ينتمي أغلبهم للمذهب الشيعي. (تقرير الحرة / ميدل است آى)

الحال فى “تلعفر” لا يختلف كثيراً, خمسة أعوام وأهلها ممنوعون من العودة إلي ديارهم لأسباب أغلبها طائفية وأمنية وخدماتية, جزء منهم مازالوا فى الخيام والجزء الآخر تم توزيعه علي إقليم كردستان ومناطق فى محافظة نينوى, يسيطر على البلدة ميليشا عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله – الموالين لإيران – وتحولت البلدة إلى مستودع للسلاح والزخيرة , ووصفها البعض بـ “المعكسر الضخم للحشد الشعبي “.

سنجار” الآن تحت سيطرة قوات البشمركة الكردية, اتهامات بشراء ممنهج للأراضي والعقارات, تعيش البلدة حالة من التشتت الديموغرافي والأمني والسياسي والإداري منذ 2014, وهي تعتبر ساحة للتدافع لكل من إيران و تركيا, تراها إيران طريقاً للوصول إلى دمشق والبحر المتوسط, وتعتبرها تركيا ساحة خلفية ومقراً لدعم حزب العمال الكردستاني المعارض.

وفي جنوب العراق, محافظة ” بابل ” لم تسلم أيضا من التلاعب الديموغرافي, فسكان مدينة “جرف الصخر ” مازالوا فى المخيمات بالرغم من تحريرها وطرد تنظيم “داعش” منها منذ سنوات, واتهم “جوي هود” – القائم بأعمال السفارة الأمريكية – ميليشا النجباء وكتائب حزب الله الموالين لإيران بأخذ إتاوات ومنع النازحين من العودة لمنازلهم.

ميليشا النجباء – المصنف علي قوائم الإرهاب في لائحة الإدارة الامريكية – نفى تلقي اي دعم من إيران, وبرر مجلس محافظة بابل عدم عودة النازحين بوجود ألغام و عبوات خلفها ” داعش ” فى المدينة تمنع عودتهم , “أغلب المنازل مفخخة” بحسب التصريحات الرسمية لمجلس المحافظة.

وقرر مجلس المحافظة تغيير اسم المدينة إلى “جرف النصر” بدلاً من ” جرف الصخر” وهو ما اعتبره الكثيرون تأكيداً لمشروع التغيير الديموغرافي في المدينة.

وعلى غرار “تلعفر”, تحولت “جرف الصخر” ايضا إلى مقر رئيسي للميليشات ومخزن للأسلحة, وتحدث رئيس الوزراء الأسبق “إياد علاوي” عن شبهات لتدخلات إيرانية ولبنانية في تحديد مستقبل المدينة.

اذن, عمدت الميليشيات وبعض الأحزاب العراقية ممارسة أعمال تندرج ضمن عمليات التغيير الديموغرافي – عقب حرب داعش – على بعض سكان مدن ومحافظات العراق الحدودية مع سوريا وإيران وإقليم كردستان في العراق, وكان استهداف لسكان من العرب السنة والمسيحين والضغط عليهم لبيع منازلهم وعقارتهم واراضيهم, وأُجبرت عائلات على ترك مناطقها المحررة خوفا من تعرضها للاستهداف.

اتهامات متبادلة في قضية التغيير الديموغرافي لسكان العراق , طالت قوى دولية وإقليمية , وتساؤلات حول ما اذا الهدف هو تقسيم العراق إلي ثلاث دويلات ” شيعي , سني, كردي” , وهو مشروع “جو بايدن” نائب الرئيس الامريكي, مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الامريكية القادمة, وقتما كان عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية “ديلاوير” الأميركية في العام 2006.

أم أن تلك العمليات الممنهجة – وتكرار حوادث مماثلة علي الأراضي السورية -, تواكب المشروع التوسع الايراني وتخدم في نفس الوقت أهداف أخرى لإقليم كردستان وتركيا عن طريق ضرب النسيج الاجتماعي العراقي المتنوع بين (السنة والشيعة) و (العرب الاكراد).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *