د. يحيى القزاز يكتب: عود أحمد “أبو بهاء”

“أبو بهاء” هو الكاتب الصحفى المثقف الفنان المتمرد الحالم بالحرية للجميع في وطن حر جمال الجمل. ألقى القبض عليه أثناء عودته من تركيا في مطار القاهرة يوم 22 فبراير 2021 حسب ماهو منشور. اختفى من وقتها وظهر مساء السبت الماضى فى نيابة أمن الدولة العليا، وحصل على استمرار حبس 15 يوما، فعود أحمد يا “أبو بهاء” إلى وطنك ولو في زنزانة تضيء عتمتها وتمنح المسجونين أمثالك عطر الأمل في غد بلا ظلم ولا قهر ولا جلاد، في غد تسوده العدالة، وتعلو فيه قيمة المواطن والوطن.

القبض يوميا صار عاديا، وهذا يؤلمنى لكن ما باليد حيلة!. ومادعانى للكتابة ليست علاقة شخصية بالكاتب الصديق “أبو بهاء” جمال الجمل، ولى أصدقاء أعزاء يقبعون خلف القضبان ومعرفتى بهم قبل معرفتى بـ “أبو بهاء”. مادعانى للكتابة ليس المطالبة بإخلاء سبيله، ولا التغنى بمآثره الوطنية والأخلاقية، وهى لدى كثيرة ونبيلة تفوق الحصر، لكن مادعانى للكتابة هو شماتة غريبة شممت رأئحتها من قبل ومع كثيرين، لكن لم أعهدها بهذا الفحش، ممن يدعون أنهم وطنيون مناضلون مثقفون مهنيون موضوعيون، ليس مهم العدد، قل أو كثر، واحدا أو أحاد.. ذكرا أو أنثى، المهم في الفعل وأراه غريبا وطغى على كل ماسبق. شماتة من ماتت قلوبهم، وطعن في عرض وشرف رجل مقيد لايملك حتى الالتفات للخلف ليرى طاعنه لا ليرده عن طعنه.

بعد تأكيد القبض على “أبو بهاء” طل علينا منشور ذو رائحة كريهة، وكأنه قادم لتوه من مستنقع الخنازيرالحمر، رائحته تزكم الأنوف، أشد فتكا بالبشر من “كوفيد19″، وتسيء لصاحبه وتحط من قدره أكثر مما تسيء للمستهدف. وفى المنشور اتهام لـ “أبو بهاء” بكل الخصال السيئة وأقذرها أنه ذو وجهين، ولم نعرف للرجل ولا يعرف عنه إلا وجها واحدا، وهو اتهام في عرض الرجل الوطنى ممن لم يعرف لهم يوما موقف سوى فلتة لسان.

المنشور ممن يدعى أن “أبو بهاء” صاحب فضل عليه وأخرجه من الضيق للوسع.. وهذه هي الغرابة!!  فكان جزاؤه الطعن في وطنيته واغتياله معنويا. ذكرتنى هذه الحادثة بمثيلتها أيام الرئيس الراحل أنور السادات حيث قام مقاول كبير محسوب على السادات – حصل على معظم مقاولات الدولة ولم يؤممه نظام عبدالناصر- بتأليف كتاب يحكى فيه تجربته، اتهم عبدالناصر بالاستيلاء على المال العام، وأنه بنى له ولأسرته فللا وقصورا بلا ثمن.. اتهام للرجل في عرضه وشرفه، وحدثت ضجة، وفى النهاية لم تثبت افتراءاته وبرأه السادات، وبقى عبدالناصر في الذاكرة وغاب العملاء. هل المهاجم هذه المرة مدفوع من أحد أم يصفى حسابات بالأصالة عن نفسه أو بالوكالة عن غيره؟!

كان ومازال لى خصوم في الرأي كثيرون. وقت اعتقالى شمتوا في، ومعهم حق لأنهم رأوا اعتقالى على يد سلطة كنت مشاركا في مجيئها، لكن القامات الكبيرة منهم والمؤثرة ومن بيدها إعلام، إن لم تكن تسامحت فعلى الأقل أخفت شماتتها، وظلت تطالب لى ولغيرى بالحرية، وهم يعلمون الخلاف الجوهرى في الرأي بيننا لا في المواطنة. فالوطن ملك لجميع المصريين، لا يحق لأحد فيه مهما كان سلبه جنسية مواطن مصري آخر ولا التفريط في ذرة رمل من الوطن، ومن يخطئ يحاكم بالقانون لا بسحب الجنسية، الجنسية كالدين يولد المرء بها ويموت عليها، وكما يتخلى عن دينه يتخلى عن جنسيته، هذا شأنه إن أعمى الله بصيرته وأراد، لكن لا أحد يكفره ولا يسحب جنسيته.

لو كان أبو بهاء بالدونية والرخص اللذان وصفا بهما لاستطاع، وبسهولة، الالتحاق بركب السلطة بامتياز لا بذيلها كما فعل غيره وهم من عديمى المواهب.

وحديث الرئيس السيسى له معاتبا ينبئنا عن قيمة الرجل، وهو خير شاهد على عدم استغلاله للحديث والقفز في مقاعد السلطة المتقدمة. والرجل الذى انحاز للسيسى كمشروع وطنى للجميع اختلف معه عندما لم يرتح ضميره، فغادر وتحمل الأهوال، أبو بهاء أسس جروبين هما “لن نفرط” و”لن نترك سيناء” مع المناضل السيناوى المعتقل أشرف أيوب.

ذات يوم أعلنا على “جروب لن نفرط” عن مظاهرة يوم موافقة مجلس النواب على التفريط في تيران وصنافير لأسرة أل سعود، تجمعنا 9 أفراد أمام مجمع التحرير في الليلة الأخيرة من شهر رمضان، كنت من بينهم، يتقدمنا جمال الجمل (والآخرون لن أذكرهم حتى لا أتسبب لهم في ضرر، وإذا ماحلت مصيبة تحل بى أنا فقط، وأخونا “أبو بهاء” أهو في السجن طبيعى)، تحركنا من الميدان، وتم إلقاء القبض على “أبو بهاء” والعبد الفقير من أمام الحزب “الاجتماعى الديمقراطى” واحتجزونا لمدة ساعات في السيارة، وافرجوا عنا بعد تدخل المهندس باسل القيادى بالحزب الاجتماعى الديمقراطى. ثم خرجنا للتظاهر مرة أخرى أثناء تصديق السيسى على ماوافق عليه البرلمان من التفريط في تيران وصنافير، وكنا لا نتجاوز أصابع اليد الواحدة. هل يعرض رجل مريض بالضغط والقلب (“رجل بوجهين” كما تم وصف) نفسه للمخاطر وهو في عدد لا يصل لعدد أصابع الكفين؟!

اغتيال “أبو بهاء” في ذلك الظرف غير لائق إنسانيا وغير مبرر موضوعيا، ويضع صاحب الهجوم في مكان لا أظنه يرضاه. انقض عليه كمن له ثأر مع فارس يخشاه، فانتظر كبوته، وانقض على خياله يمزقه ويمرغه في مستنقع جراثيمه ليشوهه في نظر الناس، ولم يلتفت لنفسه فيجدها هي التي في المستنقع و”أبو بهاء” محل احترام. عرفوا الأضواء لكنهم لم يعرفوا ولم يسمعوا عن شرف الخصومة. مثل هذه الأحداث تفتح بابا للجدليات غير مرغوب فيها، ربما خصومة ثأر شخصية غذاها الحقد وملأها الانتقام. لسنا ملائكة، وكلنا خطاؤون، فـ للظرف وقفة، وللعرض حرمة، وللخصومة شرف، وللزمالة غض الطرف ولو مؤقتا. من كان بيته من زجاج فلا يلقى المارة بالحجارة.

لا أهاجم من اغتال ولا أدافع عن “أبوبهاء”. اهاجم القبح في نفسى أولا قبل غيرى، وأنتصر لمظلوم كنت يوما وقد أكون يوما آخر محله. نلوم على إعلام يغتال الناس ويشوهها، ونحن نمارس نفس الفعل بدعاوى الوطنية والنضال. ألا تبت أقلامنا. 

لا أطالب بإخلاء “أبو بهاء” ولكننى أطالب بمحاكمة ناجزة وعادلة له وللجميع. عندما ننصف أنفسنا ينصفنا الآخرون.. الجزاء لنا من صنف العمل.

اللهم اعنا على مقاومة شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .

#المقاومة_هي_الحل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *