د. رحاب إبراهيم تكتب: في صحتك.. ثقافة الاعتذار

باب ثابت

  (*)

” -إوعى تطلع نفسك غلطان !-

نصيحة سمعتُها كثيرا من أمّهات ,وزملاء عمل , ودراسة.

لابد أنك عزيزي القاريء قد سمعتها في حياتك مرة واحدة على الأقل

وإن لم تكن سمعتها بأذنك فلابد أنك رأيتها..

من الذين يتشبثون بآرائهم بلا أي نافذة للحوار , وممّن يعلمون تماما أنهم على خطأ ولكنهم يتصرفون بمنتهى الثقة كما لو أنهم أصحاب حق .

 من العبث تضييع الوقت مع أصحاب هذا النمط لإقناعه بالتراجع , فالجدال معه لن يفضي لشيء .

هذا المقال لا يناقش كيفية التعامل معه , بل على العكس تماما ..إنه يُلقي الضوء على النمط المعاكس.

نمط قد لا يكون بنفس القدر من الانتشار أو الوضوح..وإذا كان النمط السابق  غالبا ما  يتسبب في معاناة من حوله , فإن صاحب هذا النمط هو الذي يعاني ويحتاج للدعم والتغيير , والمساعدة في اكتساب المزيد من الثقة  بغرض الحفاظ على  الصحة النفسية والراحة الذهنية “

هل تُسرف في الاعتذار ؟

الاعتذار المبالغ فيه يعني أن تقول : آسف , عندما لا يجب عليك فعل ذلك

بمعنى أنك لم تفعل شيئا خاطئا , أو أنك تعتذر بالنيابة عن شخص آخر أو عن مشكلة لم تتسبب فيها او ليس لك القدرة على التحكم فيها.

هذه بعض الأمثلة :-

– عندما يحضر لك النادل طلبا  غير ما طلبته فتبادره بقولك : آسف هذا ليس طلبي

– عندما تتوجه لموظف الاستقبال أثناء الانتظار في عيادة قائلا : أعتذر عن إزعاجك ولكن لدّي سؤال

– وأنت تدفع قيمة مشتراوتك في البقالة يقوم العامل بكسر البيض فيذهب لإحضار غيره ويتأخر , عندها تقوم بالاعتذار للزبون الذي يليك : أسف على التأخير

– يلقي زوجك\ زوجتك  نكتة غير لائقة أمام أصدقائك فتعتذر بالنيابة عنه

– في اجتماع خاص بالعمل تقول : آسف لم أسمع جيدا , هل يمكنك إعادة ما قلت

لماذا يقوم بعض الأشخاص بالإسراف في الاعتذار ؟

في كل ما سبق من مواقف يبدو جليّا أن الشخص صاحب الموقف لم يفعل ما يستوجب الاعتذار , فما الدافع وراء اعتذاره ؟

هذه بعض الأسباب :

– الرغبة في إسعاد الآخرين : ترغب في أن يتم وصفك بالشخص اللطيف أو المهذب لذا فأن تبالغ في التفكير في شعور الآخرين ولا تريد أن تسبب ضيقا لأحد

– قلة الثقة بالنفس : أنت تفكر في نفسك بطريقة سلبية  ودائما ما تقلق لأنك ربما تسبب مشكلة أو تفعل شيئا سيئا أو تطلب أكثر مما ينبغي

– السعي للكمال : لديك مقاييس شخصية عالية جدا لدرجة موجعة ..أنت تسعى للشخصية النموذجية لذا ترى أي شيء طفيف يخدش الشكل المثالي  هو فعل يستوجب الاعتذار

– الشعور بعدم الراحة : أحيانا نشعر بعدم الراحة أو نفتقد الشعور بالأمان فنلجأ للاعتذار كي نتجاوز هذه المشاعر

– تشعر انك مسئول عن سلوك الآخرين وأخطاءهم : وهو شكل من أشكال عدم الوعي بالذات , كونك شريك في علاقة ما  لا يجعلك تتصرف مع شريكك كوحدة واحدة , أنتما  شخصان مختلفان وكلّ مسئول عن سلوكه وتصرفاته . بل إن تكرار اعتذارك عن سلوك الطرف الآخر يجعله يتمادى في أخطاءه التي لا يدفع ثمنا لها

– عادة سيئة : قد تكون تتعامل باستمرار مع شخص أو اشخاص يعانون من مشكلة الاعتذار المتكرر بلا سبب  فتنتقل إليك لا شعوريا على سبيل التعود..

ولكن ما الذي يجعل الإسراف في الاعتذار مشكلة ؟

إن المثل القديم ” ما زاد عن حدّه ينقلب للضدّ ” صحيح تماما في هذه المسألة , مهما كان السلوك مهذبا  فليس من المقبول الإسراف فيه بلا سبب..

تكرار الاعتذار يفقده قيمته , خاصة في المواقف التي تستحق اعتذار حقيقي منك , حينها يبدو كلامك بلا معنى.

تكرار الاعتذار يجعلك تبدو في موقف الضعيف الشخصية وفاقد الثقة بنفسك وبأفعالك ومشاعرك وتعكس شعورك الدائم بعدم الاستحقاق

إنه يعكس الشعور بالضآلة والخوف من المواجهة وتركيز الضوء على مشاعر واحتياجات الآخرين فقط وعدم احترام حدودك الشخصية

وهو يشجع الآخرين على لومك بسبب أشياء ليست مسئوليتك بل وتجعلك مسئولا عن إصلاح أخطاء الغير كما لو كانت أخطاءك الشخصية

ان تشعر كما لو كنت مسئولا عن كل خطايا العالم ..وغالبا ما يبدأ هذا الشعور في الطفولة بسبب طبيعة التربية او بسبب الخوف الشديد من الرفض أو النقد ويصبح هذا السلوك هو رد فعل للتكيف  مع الوضع.

متى يجب عليك ” عدم الاعتذار ” ؟

بالطبع هناك مواقف تستلزم منك أن تعتذر , عندما تقوم بقول أو فعل غير ملائم او تسبب أذى لغيرك .. او لا تبدي الاحترام الكافي

لكن هناك مواقف لا ينبغي عليك الاعتذار عنها

مثلا :

– الأخطاء التي لم ترتكبها

– الأشياء الخارجة عن سيطرتك

– الأخطاء التي يقوم بهاطرف آخر

– أسئلتك او احتياجاتك

– مظهرك الشخصي

– مشاعرك

– عدم معرفتك الإجابة

– عدم اتخاذ رد فعل فوري

نعم …من حقك أن تكون لك احتياجات , أولويات ..أفضليات ..من حقك أن تطلب شيئا مختلفا ..أن تشغل حيزا ..أن تكون موجودا

كيف تتوقف عن الإسراف في الاعتذار ؟

– الوعي بأفكارك ومشاعرك وبما تقول : الوعي هو الخطوة الولى في أي تغيير

بمجرد ان تنتبه للفكرة وتستدعيها لعقلك الواعي هذا سوف يساعدك

انتبه متى ولماذا ولمن تسرف في الاعتذار ,ربما يكون دليلا على أنك تشعر بالقلق وعدم الراحة أو الخوف

– اسأل نفسك أولا هل الاعتذار ضروريا؟ هل فعلت شيئا سيئا؟ هل تتحمل مسئولية خطأ شخص آخر ؟ هل تشعر بالخجل او القلق بينما لم تفعل شيئا خاطئا؟ إذا كانت الإجابة بنعم يمكنك مناقشة الأمر مع شخص موثوق فيه لتناقش معه إن كانت تصرفاتك فعلا تستدعي الاعتذار ام أنك تحمل نفسك فوق طاقتها

– تعديل اللغة : الانتباه لكلماتك امر هام واستخدام ألفاظ إيجابية بدلا من الاعتذار الدائم

مثلا:

-شكرا لصبرك

-لسوء الحظ هذا ليس ما طلبت

– لدي سؤال ” استخدام الجمل المحددة “

…….

الاسراف في الاعتذار عادة سيئة وهو مثل غيره من العادات السيئة

الإقلاع عنها قد يكون صعبا في البداية وقد يحتاج وقتا وجهدا كي تستبدله بسلوك أفضل

لذا لا تتعجل  او تشعر بالاستياء حين تغلبك عادتك في البداية

فالأمر يستحق المحاولة

Based on  Sharon Martin article :

  How People-Pleasers Can Stop Apologizing for Everything

 مقدمة للمترجمة(*)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *