دراسة لمركز دعم تعليقا على تطورات تونس: قيس سعيد المثير للجدل هل أصبح تجسيدًا للشعبوية؟

الدراسة: لم يُخفِ عداءه للنُخب واعتبرها سببًا للأزمات.. و”البلاغة” هي سلاحه الوحيد ضد معارضيه

يستعمل نصًا عدائيًا ضد النخبة.. عاطفيًا تجاه الجماهير.. ووطنيًا بدعوى محاولة تجاوز مفهوم التمثيل بمعناه التقليدي

تواصله مبني على صورة “الشعب يريد = الرئيس يريد”.. ولم يفِ بوعده في احترام الدستور وخروقاته تضرب الانتقال الديمقراطي في مقتل

كتب – أحمد سلامة

أصدر مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، دراسة تناول خلالها قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، التي أصدرها خلال

الفترة الماضية، طارحًا تساؤلا هامًا مفاده “هل أصبح قيس سعيد فعلا تجسيدًا للشعبوية؟”.

وقالت الدراسة “تعيش تونس منذ 25 يوليو 2021 في ظل رئيس الدولة قيس سعيد منفردا, فمنذ إعلانه عن حزمة قراراته الأولى

عشية عيد الجمهورية صار الرجل, أو الاستاذ كما يحلو لأنصاره منادته, مدار حديث الجميع, معارضين أو مناصرين, خبراء أو

عامة, سياسيين أو حقوقيين, وأصبحت شخصيته الغريبة والمثيرة للجدل محل تندر حينا و امتعاضا حينا آخر.. هل هو المنقذ هل

يوزع مجرد حبوب “مورفين سياسي” لتسكين الام العشرية الماضية ؟ تختلف الاراء بين هذا وذاك ليبقى السؤال الأكبر, هل قيس

سعيد فعلا تجسيد للشعبوية؟”.

وقسّمت الدراسة الشعبوية إلى “الشعبوية الدنيا” والمقصد منها اتخاذ الشعب كمرجعية، و”الشعبوية الإقصائية” وهي تجمع بين

الشعبوية الدنيا إضافة إلى استبعاد جماعات بعينها، ثم “الشعبوية الشاملة” وهي تجمع بين الشعبوية الإقصائية ومناهضة النُخب بشكل

عام.

وتضيف الدراسة في سياق تعريفها للشعبوية “يمكن القول أن الشعبوية هي تمظهر مادي لثنائية تجمع تقديس فكرة (الشعب) من جهة

وفكرة معاداة النخب من جهة أخرى مجتمعتين في مقولة أن هذه النخب مضادة للشعوب ومتضادة معها، فيأتي (الشعبوي) ممثلا لهذا

الشعب بل وتجسيدا له للدفاع عن مصالحه”.

هنا لن يكون من العسير على المتفحص للعملية الاتصالية للرئيس قبل وبعد توليه منصبه، الاقرار بأنه كان ولا يزال مناهضًا للنخب

سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى فكرية، معتبرًا إياها سببًا أساسيا في الأزمات التي تعصف بالشعب، الذي يجسده  هو، وهذا

ما قام به قيس سعيد (عن وعي أو دونه) من خلال ربط نفسه به وتسويقه وتضخيمه في كل مرة ظهر فيها اعلاميًا أو شعبيًا منذ ظهوره

على ساحة النقاش العام، كعنصر اساسي في بناء صورة الرجل الشعبي المعادي للنخبة “المتعفنة” على حسب تعبيره، والمتسببة

في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لكن ايضًا يظهر  بصورة الرجل المالك للقدرة والحزم اللازمين لتولي زمام الأمور،

بذلك وصفت الدراسة نظرة الرئيس التونسي إلى النخبة.

ولفتت الدراسة إلى أن قيس سعيد يستخدم الخطاب البلاغي كسلاح هو الأبرز والوحيد ضد معارضيه، مشيرة إلى ما قدمته المراجع

والأبحاث من توصيفات لـ”الخطاب السياسي” الذي يستخدمه الشعبويون من أنه “أسلوب عدائي وعاطفي ووطني”، وبإنزال هذه

التوصيفات على خطاب قيس سعيد السياسي تُضيف الدراسة “وهنا وجدنا أن الرئيس يستعمل نصًا عدائيًا ضد النخبة، عاطفيًا تجاه

الجماهير اللاعقلانية المُحبطة والمتحفزة في آن واحد، ووطنيًا من حيث محاولة تجاوز مفهوم التمثيل بمعناه التقليدي، لتأكيد الطقس

الشعبوي الأقصى: (الشعب.. كل الشعب مجسدًا)”.

لكن الدراسة تضيف أن هذه المُعادلة قابلة للتغيير من جهة التفاعل السياسي مع الظرف الراهن، ضاربة المثل بموقف قيس سعيد من

تطبيق الشريعة الإسلامة في حشد أنصار ومتابعين “تجده أحيانًا يستهدف مجموعات محافظة من المجتمع وأحيانًا أخرى شريحة

تقدمية غير محافظة، مثلًا في محاضرة ألقاها في نوفمبر 2014 أفاد سعيد بأن الدستور الحالي وحتي دستور 1959 لا يتعارضان مع

الشريعة الإسلامية، غير أنه كان قد أفاد في محاضرة سبقتها في ديسمبر 2012، أن مسألة أن الدولة دينها الإسلام تعني فقط تحديد

مصدر التشريع، وأنه قد تم فعلا إعلاء تطبيق الشريعة الإسلامية من طرف المحاكم، وأنه ليس هنالك ما يستدعي تغيير الفصل الأول،

بينما في خطاب آخر بعد انتخابه رئيسًا للجمهورية وتحديدًا أثناء احتفالية بعيد المرأة التونسية في 13 أغسطس 2020 قال إن الدولة

ليس لها دين سائلًا عن مدى وجود يوم حشر للدولة.. مضيفا: هل ستدخل الدول الأعضاء للأمم المتحدة الجنة وجزء منها إلى جهنم؟

مفسرًا أن الدين للأمم وليس للدول بما أنها ذات معنوية لا تتعدى كونها مجرد تصور معنوي خلافًا للأمم التي هي شعوب يمكن لها أن

تعتنق ديانة، وبالتالي كلما يستهدف ق.س شريحة معينة يقوم بتدفئتها كما يقول كازين، ونتيجة لذلك تنضم هذه الفئة وتضاف لحشده من

المناصرين”.

وتحت عنوان “الرئيس ووسائل الاعلام: علاقة في اتجاه واحد”، قالت الدراسة إنه: مثل جميع الفاعلين السياسيين، يستخدم الشعبويون

وسائل الإعلام ويتفاعلون معها ويغطونها. كما يستخدم الشعبويون قنوات متعددة للتواصل السياسي لنقل رسائلهم والتواصل مع

جماهيرهم في المجتمعات المعاصرة، حيث يتم تمرير رسائلهم في جميع السياسات على مستوى ما، من المحتم أن تستخدم الشخصيات

الشعبوية وسائل الإعلام “في التعبير عن السياسة وتمثيلها”.

في هذا السياق تأتي علاقة قيس سعيد بوسائل الاعلام، تضيف الدراسة، أي أنه من غير الممكن استنطاق “السياسة الاتصالية”

للرئيس في علاقتها بالصحافة والميديا دون الحديث عن رأي “الشعب” في هذه الميديا، ومٌرد هذا طبعًا أن العملية الاتصالية للرئيس

مبنية إلى حد بعيد على صورة “الشعب يريد”=”الرئيس يريد”، وهي الصورة التي يعمل قيس على إنشائها وتلميعها وتغذيتها

وترسيخها، هذا إضافة إلى أن العلاقة بين الشعب وبين قائده ومُلهمه، وتجسيده في المنطق الشعبوي لا يمكن أن تمر عبر وسائط، أو

أدوات، أو مؤسسات بما في ذلك مؤسسة الصحافة.

وتسترسل الدراسة “أيضا في اطار علاقته بوسائل الاعلام، فقد تكاثرت في المدة الاخيرة مواقف الاحتجاج والانتقاد الموجهة الى

مؤسسة الرئاسة في سياستها الاتصالية، فنرى الكثير من الصحفيين الذين يريدون أن تكون قنوات الاتصال مع رئاسة الجمهورية اكثر

انفتاحًا، إضافة لانتقادات هيئة الاتصال السمعي البصري (الهايكا) لتعطيل حق الصحفيين في النفاذ إلى المعلومة لتغطية الأنشطة

الرئاسية، وإدانة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين لـ”سياسة التعتيم” في رئاسة الجمهورية. وقد تكون هذه الهنات والنقائص

التي تشير إليها هذه الانتقادات تعبيرًا عن التوجس من الاتصال ومن الوسطاء، السمة البارزة لقيس سعيّد في الحملة الانتخابية، وهذا

التوجس هو بذاته تعبير عن إرادة رئيس الجمهورية الجديد في السيطرة على صورته، كما يمكن أن يكون تعامل الرئيس الفج مع

وسائل الاعلام نابعًا من معاداته المباشرة ومحاولة نزع الشرعية والإدعاء أن الصحفيين متحالفين مع النخب السياسية عنها لحساب

وسائل التواصل الجديدة التي خدمت الشعبويين وروجت لافكارهم في التجارب الامريكية والاوربية حسب ما اورد الكاتب ياشا مونك

في (الشعب ضد الديمقراطية)”.

ونبهت الدراسة إلى أنه على الرغم من عدم تقدم قيس سعيد ببرنامج انتخابي واضح إلا أنه أعاد خلال حملته مشروعًا كان قد قدمه في

2011 تحت عنوان من أجل تأسيس جديد، أي فكر سياسي جديد يترجمه نص دستوري جديد، وهو ما يعني طرح مسألة تنقيح

الدستور تنقيح الدستور، لضمان أن يكون البناء قاعديًا ينطلق من المحلي نحو المركز.. لافتةً إلى أن موقفه كان واضحا إزاء عدة

قضايا مثل مناصرة عقوبة الإعدام وإيقاف الدعم عن كل الجمعيات سواء من الداخل أو من الخارج، مضيفة “فقط ينتظر الوقت

المناسب لتنفيذ ذلك”.

وتسترسل “نجد هنا إن هذا الطرح القابل لاستيعاب فكرة تجميد البرلمان والغاء بعض الهيئات الدستورية الأخرى، يشي ايضًا بمحاولة

“الشعبوي” ضرب وارهاق كل المؤسسات التي من الممكن أن تكون معارضة ومراقبة له، لهذا تأتي الدساتير على رأس الانظمة

التي يهاجمها الشعبوي بتفريغها من أفكار الديمقراطية التمثيلية القائمة على المؤسسات”.

وشددت الدراسة على أن ما يخشاه فعلًا قيس سعيد هو أن يفقد مشروعيته أمام المجتمع الدولي خلال محاولته لإفقاد النخبة الحاكمة

لمشروعيتها، خاصة أن المجتمع الدولي لا يكترث لأسلوبه البلاغي، ولا لإعلاءه النظري للشرعية الشعبية، ولا لعلاقته ووسائل

الاعلام.

وحول ادعاء حماية قيس سعيد للحقوق والحريات أشارت الدراسة إلى مجمل ما اتخذه من قرارات تمثلت في إعفاء رئيس الحكومة من

مهامه، تجميد البرلمان لمدة 30 يومًا، رفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضاء مجلس نواب الشعب، توليه (قيس سعيد) السلطة

التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة يعيّنه هو لاحقًا.. مشيرة إلى أن تفعيل المادة 80 الدستور التونسي لا ينص على تجميد

البرلمان، أو رفع حصانة عن أعضائه، أو استقالة (إقالة)رئيس الحكومة، ولكن أصر قيس على أنه يتخذ تلك القرارات في إطار

دستور 2014 واحترامه.

وتستكمل “وظل الرجل في كل اللقاءات التي اجراها منذ ليلة 25 يوليو يؤكد على احترامه التام للدستور والحقوق والحريات، ويؤكد

على أن هذه القرارات لم تشمل ولم تمس من باب الحقوق والحريات، وظل الأمر هكذا حتى مساء يوم 22 سبتمبر 2021، والذي

أعلن فيه عن استمرار العمل بالدستور ولكن من خلال التوطئة والبابين الأول والثاني فقط، مع إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية

القوانين، كما صدر بالرائد الرسمي أمر رئاسي عدد 117 مؤرخ في 2 سبتمبر 2021 يتعلّق بجملة من التدابير الاستثنائية، والتي

تعتبر دستورًا مُصغرًا”.

واختتمت الدراسة بالقول “وبناءً على كل ما سبق يمكن القول أن رئيس الجمهورية لم يفِ بوعده في احترام الدستور، وأن هذه

الخروقات تهدد بل تضرب في مقتل الحقوق والحريات، والانتقال الديمقراطي في تونس”.

للاطلاع على الدراسة كاملة اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *