خليل رزق خليل يكتب عن: أوضاع العمالة غير المنتظمة.. المشكلة والحل.. (ورقة بحثية)

مقدمة

أظهرت لنا أزمة كورونا ليس هشاشة الأنظمة في الدول العربية فقط، ولكن أيضا في دول العالم كله . ففي الوقت التي كانت تتجه فيه الحكومات لإلغاء فكرة الدعم ومهاجمتها وإلغاء أنظمة التأمينات بشقيها الاجتماعي والصحي والتوجه بعنف إلي نظام يسمي نيولبرالية، وتسليم كل منشآت البلد إلي رجال الأعمال وتحويل المواطن إلى زبون . فاجأتنا هجمات فيروس كورونا المستجد فأوقفت مشاريع اليمين وابتدأنا نرجع خطوات إلى الخلف لتقوية المجتمع، في مواجهة تلك الأزمة وأول ما واجهنا هي مسألة دعم العمالة المتضررة من فترات الغلق وحظر التجوال كإجراء احترازي لمنع تفشي الوباء ومن  ثم توقف رزقهم .

فمن الواضح أن المجهود الذي بُذل في  تمرير القوانين الاجتماعية في برلمان 2015 سوف يُبذل في تغير تلك القوانين مع إضافة مواد جديدة حتي نتمكن من مواجهة المتغيرات الحديثة مثل الأوبئة أو الكوارث التي تهاجم المجتمع .

العمالة غير المنتظمة

هي العمالة التي تعمل بدون غطاء قانون العمل أو التأمينات .ومعظم أعمالهم تكون داخل قطاع اقتصادي يسمي غير الرسمي أو اقتصاد الظل . وهو اقتصاد يسهم ب 40% من الدخل المحلي الإجمالي ولكنه لا يتبع أي قوانين أو تنظيمات .عدد العمالة غير المنتظمة غير معروف ولا يوجد إحصاء كامل لهم أو أماكن تواجدهم فهم مسجلين في وزارة القوة العاملة عام 2013 . 220 ألف عامل .واكبر عدد لهم بعد أذمة كورونا 1,2 مليون عامل  .في الوقت الذي صرح فيه وزير القوة العاملة أنهم علي الأقل 10 ملايين عامل . وإحصائيات أخري  لمنظمات أهلية وعالمية تقول أنهم علي الأقل 12 مليون عامل . وتشمل العمالة غير المنتظمة العمال الزراعيين والباعة الجائلين وسائقي التوكتك والعاملين  في المعاونة المنزلية ,والعمال في المصانع غير المرخصة ,والعاملين في الصيد ,ونسبة العاملات فيهم حوالي 25% , بدأت مشكلتهم مع القانون 316 لستة 1952 حيث تم عمل صناديق في منظومة التأمينات وتم إغفالهم .

بضغوط من المنظمات الدولية بدأت الدولة تلتفت لهم حيث .تم إصدار مرسوم بإنشاء وحدات عمالية وصندوق للعمالة غير المنتظمة عام 2003 برقم 231

يتم تحصيل مبلغ 6 من ألاف توضع في الصندوق لحسابهم بنهاية إنشاء كل مبني إنشائي ولسبب غير معلوم لم يطبق هذا المرسوم إلا في عام 2007 وقد تم فعلا تحصيل مبالغ كبيرة عقب انتهاء المنشأة العقارية ولكن الفساد اللائحي كان يسمح بتوزيع نسبة 60% كمكافآت لوزير القوي العاملة والسادة المديرين في وزارة القوي العاملة وباقي النسبة توزع كمنح للعمالة غير المنتظمة المسجلة في وزارة القوة العاملة.

 وعند إنشاء النقابات المستقلة بعد يناير 2011 .تم فتح الموضوع فعدلت الحكومة اللائحة عام 2017 ليتم توزيع نسبة 40%كمكافآت وباقي النسبة كمنحة للعمالة غير المنتظمة والتي لم تزد علي 220 الف عامل وهي اقل من 1% .

وبدخولنا في أزمة كورونا فُتِح موضوع العمالة غير المنتظمة التي تعرضت  لضياع مصدر رزقها بسبب الحظر ومنع الأسواق كإجراء احترازي، اضطرت الحكومة إلي حصر وتسجيل العمالة غير المنتظمة لمساعدتها إسواة برجال الأعمال الذين تلقوا المساعدة بسهولة واكتشفنا جميعا إننا لا نعرف أعدادهم ولا نملك أي بيانات عنهم  وغير مسجل لدي وزارة القوي العاملة سوي عدد لا يذكر مقارنة بالنسب الحقيقية، ومعظم المسجلين كانوا معارف لموظفين في وزارة القوي العاملة أو من معارف أعضاء في الاتحاد العمالي الأصفر كنوع من الترضية والرشوة الاجتماعية، هم فقط من يحصلون علي الدعم والمنح التي تصرف لهم ولان نسبة كبيرة من الصندوق تصرف كمكافآت للمديرين فأصبح ليس في مصلحة وزارة القوي العاملة ضم المزيد من العمال .

عدد المستفيدين من هذه المزايا كان حتي عام 2013 كان 220 الف عامل . وحتي القانون الوحيد الذي وجد فيه ثغرة تساعد علي التأمين عليهم القانون رقم 112 لسنة 1980 تم إلغائه ومنعهم من التامين علي أنفسهم في القانون رقم 148 لسنة 2019 والذي لم يصدر له لائحة حتي ألان . وعندما أرادت الحكومة صرف الدعم لمتضررين أزمة كورونا فتشت عن جداول العمالة غير المنتظمة فلم  تجدها

وبشكل سريع بذلت وزارة القوة العاملة الجهد لكي تجمع أسماء العمال لتقديم المساعدات لهم .فوضعت موظفين علي أبواب العاصمة الإدارية لكتابة العمال الداخلين ونوهت في وسائل الإعلام وتفاعلت بالدعاية علي شبكة الإنترنت فجمعت فقط 1,200,000 عامل وهو رقم بسيط مقارنة بالرقم الأصلي .وأثناء توزيع المرحلة الأولي من المساعدات وهي ٥٠٠ جنيه .كتب عدد كبير من العمال الاستمارة ولم يحالفه الحظ بسبب عدم استيفائه للشروط وهي بطاقة الرقم القومي مثبت فيها المهنة وهو شئ صعب للعمال غير المنتظمين  ويحتاج عدد من المشاوير لمديرية القوي العاملة وللنقابة . وهو ما لا يقدر عليه العامل الذي  يحصل علي قوت يومه يوما بيوم .. فيقرر كتابتها بدون عمل أو لا يعمل .فيُحرم من المنحة .هذا بالإضافة إلي أن عدد منهم اقترض من أصدقائه بعدما استقبل الرسالة التي تأمره بالذهاب لصرف المنحة . وهو ما لم يتم .وعدد غير قليل من الأسر اتفقوا علي الطلاق واستكمال الحياة بعقد عرفي أو بدون زواج . لتسهيل حصول الزوجة علي المنحة . فلماذا يجد العامل صعوبة في إثبات المهنة التي يعمل بها ؟ وصعوبة في إثبات  قياس مستوي مهارته الحقيقي ؟

.أولا- أن التوسع في إثبات المهنة وبالتالي وصرف المنح والاشتراك في التأمينات هو مكلف للحكومة فالأفضل لها أن تظل بطاقتك لا تعمل .

ثانيا – أن آليات امتحان قياس المهارة غير دقيق وقديمة وليس هناك كتب أو منهج يذاكر من خلالها  العامل ليستعد اثر ذالك طبعا علي مستوي مهارة العامل

ثالثا- أن النقابة التابعة للاتحاد الأصفر هي من تتولي عملية التسجيل والكتابة وتصدير معارفها لصرف المنح ..هذه الإجراءات الصعبة تشير علي أن الحكومة هي من ترغب بعدم إحصاء العمال وتسجيلهم . وهذه المحنة أكدت للحكومة أنها تحتاج لمنظمات المجتمع المدني لتساعدها في جمع الأسماء  وفي التوعية وفي المساهمة في إدخالهم المنظومة التامينية  وفي حل جزء من المشكلة وهي التي اخترقت كل النقابات ومنظمات المجتمع المدني وأضعفتها وتعاملت معها بالريبة وبالحزر من نشاطها .

 منشأة ليس لها أرقام وليست  مسجلة  

نعود للنصف الآخر من علاقة العمل وهي منشأت بدون تسجيل تُنتج وتعمل جهارا نهارا تدفع رسوم الطاقة بدون الحصول علي رقم وتضخ داخل الاقتصاد 40% ولا تلتزم بقانون العمل أو التأمينات . ولا احد يعلم لما لا تبادر الدولة التي تعلم دبة النملة باستخدام قدرتها البوليسية الهائلة في جمع معلومات عن هذه الوحدات الإنتاجية وإعطائها رقم منشأة وتسجيلها وبالتالي إدخال العمال الذين يعملون داخلها للمنظومة التأمينية . والوضع الصحيح لها كمنشآت متناهية الصغر أنها تحتاج الي قروض من البنوك أو تحتاج الي دعم الحكومة لها لتقوم بالانتاج والتصدير ولا يخفي علي جميعنا أنها تقوم بضرب أو تزوير المنتجات وإغراق السوق بها ومنها منتجات تضر بصحة المواطن وتضر بسلامته وتضر بسمعة المنتجات الوطنية والمفترض طبعا رفع سقف الإعفاء الضريبي لها وإعطاء مزايا للوحدات التي تؤمن علي عمالها .ومتابعة اشتراطات  حماية المستهلك والسلامة والصحة المهنية والتي بها عجز للمفتشين  لا يمكنها من القيام بمهامها والتي اصبحت مهمة لعدم تفشي الوباء. شئنها شئن التأمينات ومكاتب العمل. فل يخفي علي أحد مقدار المكاسب الهائلة في نقل هذا الاقتصاد للنور

الباعة الجائلون

.تحديد ساعات للبيع ووضع مواصفات للفرشة ومصدر للطاقة وبضاعة معلومة المصدر ومصدر للطاقة وفاتورة للمستهلك ودورة مياه عمومي  وتحديد رسم أجر رمزي يسهم في تطوير الحي وترك المكان نظيف وبالنسبة لباعة الأطعمة شهادة صحية ومظلة لحماية الأطعمة من الشمس ومصدر للمياه وبالتالي إعطائها رقم منشاءة كوحدة تجارية متناهية الصغر.. أهم طلبات الباعة الجائلين ومن الممكن بعد ذالك فتح ملفات تأمينية لهم وإدخالهم منظومة التأمين الاجتماعي والصحي بدل من ملاحقتهم ومصادرة بضائعهم وإجبارهم علي دفع غرامات لا يقدرون عليها ولكن هذا الوضع العشوائي المُمنهج هو مناخ لفساد الأفراد والموظفين بالجهات التنفيذية والتي تحصل علي رشاوى مقابل ترك البياع في الشارع .ووجود قانون ينظم ذالك سيقلل حجم الفساد في الشارع .وتسجيل المنشئات أو الوحدات الإنتاجية أو التجارية سيحل طبعا مشكلة العمالة الغير منتظمة

..ذالك الوضع العشوائي وكيف أنه مسؤولية الحكومة . بدخول أزمة كورونا في الوقت الذي قررنا أن نصادر أموال التأمينات ونقوم بتغير فلسفته بدلا من التكافل والتضامن ليتحول إلي استثمار بشكل فج وتنتشر فجاءة شركات التأمين الخاصة وتوقع الحكومة مع شركات رعاية صحية ودفع تعاقدها  من أموال المشتركين في التأمينات وهو يشبه (من لا يملك أعطي من لا يستحق ). للتحول مدخرات المشتركين إلى كعكة يتقاسمها رجال الأعمال دون النظر إلي ظرف استثنائي مثل وقت كورونا .حيث كان من المفترض أن يتم صرف بدل بطالة من أموال المشتركين وعلاجهم من النسبة التي يدفعوها كاشتراك .حتي أنها أي الحكومة ألغت  قانون رقم ١١٢ لسنه ١٩٨٠ والذي كان به ثغرة يستطيع بها العامل أن يؤمن علي نفسه بدون صاحب العمل .فقررت غلق الثغرة في القانون الجديد رقم ١٤٨لسنة ٢٠١٩ .والذي يجد تعثر في إصدار لائحته ومشوب بعدم الدستورية . كل ذالك كان ممكن أن يساهم في حل مشكلة العمالة الغير منتظمة

اقتراح

.نحتاج إلي تعريفات للعمالة غير المنتظمة ونؤكد علي أن صغار ملاك الأراضي والمنشآت متناهية الصغر والتي لا تتجاوز، ارباحها السنوية الحد الأدنى للأجور تعتبر ضمن العمالة غير المنتظمة ويحتاج الحد الأدنى أن يرتفع ليصل إلي ٧٠الف جنيه سنويا . منح تراخيص للباعة الجائلين وتسوية أوضاعهم . إطلاق منظمات المجتمع المدني للمساعدة في تقوية المجتمع  وهناك اقتراح لمشكلة العاملين في المعاونة المنزلية مثل جليسات الأطفال أو مدبرات المنازل أو السائقين الخصوصي للأسر .أن يكون رقم التأميني هو نفسه الرقم القومي ولكن بإضافة حرف في أخر الرقم (مثل ا ب ج د) .وحرف أخر ليميز رقم المنشأة عن الرقم التأميني والرقم القومي وبالتالي يستطيع مواطن عادي أن يدفع حصة تأمينية لمواطن أخر أدي له خدمات . ونستطيع أن نفعل ذالك من خلال تطبيق الكتروني وعندما يكون الأجر يوما أو يومين تكون مبالغ صغيرة لا تتجاوز 50 جنيه . لصعوبة عملة دفع الاشتراك والأوراق المطلوبة تعوق عملية جمعه .ويحتاج التهرب من التأمينات إلي تجريم مثل التهرب من الضرائب وإدخال ذالك في مناهج الحكومة وبرامج التليفزيون ففي النهاية الدولة هي من تتحمل كل هذه الأعباء .

والغريب انك تسمع أن الحكومة ستدفع اشتراك صاحب العمل أي أنها تصر علي وضعه الغير قانوني بل وتدعمه بدفع حصته في اشتراك التأمينات بدلا عنه  وكأنه هو من يحتاج الي الدعم وليس العامل

المصادر

تم الاعتماد علي ندوة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي

وأبحاث دار الخدمات النقابية

ومداخلات لنقابين وباحثين في ندوة حزب التحالف الشعبي الاشتراكي

ومقابلات شخصية مع نقابيين للعمالة الغير منتظمة

وندوة للمحامي خالد علي

وندوة للنقابي والمحامي  صابر بركات

ومحاضرة للأستاذة رحمة رفعت المستشارة القانونية لدار الخدمات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *