بعد تصريحات السيسي حول الوزير طارق شوقي وتطوير التعليم.. خبراء: ما هي الخطة وما هي أهدافها وآلياتها وفلسفتها؟

كمال مغيث: هل يعلم الرئيس أن خطة التطوير التي يتحدث عنها الوزير ليست موجودة أصلا ولا مكتوبة في مكان ولم يطلع عليها أحد المهتمين
لا يمكن الحديث عن تطوير التعليم في ظل معلمين هم أفقر معلمي الأرض ولا بمدارس تعاني عجزا في أعداد المعلمين يصل إلى 400 ألف معلم
لا يمكن الحديث عن تطوير التعليم في ظل حلول بائسة لسد عجز المُعلمين كالتدريس بالحصة بعشرين جنيه، أو بالتطوع

كتب – أحمد سلامة
أثارت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، حول ملف “تطوير التعليم” الذي يُشرف عليه الوزير طارق شوقي، تساؤلات عدة طرحها العديد من المتابعين و”الخبراء” الذين تحدثوا عن ماهية التطوير وطبيعة الخطة الموضوعة من قِبل الحكومة وما هي أهدافها وفلسفتها.
وتحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن أوضاع الدولة المصرية،  جاء ذلك خلال كلمته ضمن فعاليات إطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، قائلا: “البلد دى بلدنا كلنا.. مش بتاعتى أنا بس.. وانا دائما أقول الأمن القومي والأمن القومي والأمن القومي في كل حاجة.. الرعاية الصحية أمن قومي.. التعليم أمن القومي.. والدكتور طارق شوقى وزير التعليم خد على دماغه لما مات لما جيه يطور التعليم.. انتوا عاوزين تعليم ولا مش عاوزين.. لقاءاتنا دي توعية حقيقية لواقعنا.. واحنا مش بنكسف.. انتوا قولتوا كلام مرتب هيفهموا ناس كتير.. وفيه ناس كتير تانيين ممكن مش يفهموا الكلام.. زى معدل النمو وغيره”.
الدكتور كمال مغيث الخبير في تطوير التعليم طرح تساؤلا هامًا مفاده “ماذا يعلم الرئيس عن خطة تطوير التعليم؟”.. مشيرًا إلى ما قاله الرئيس حين ردد: “لما دخلنا نطور التعليم بجد الدكتور طارق شوقى خد على دماغه لحد ما مات”.. وهو ما يعنى اننا شعب فقرى ومتخلف وعدو للتطوير بطبعه، حسب تفسير مغيث.
الخبير التعليمي أضاف “هل يعلم الرئيس السيسي أن خطة التطوير التى يتحدث عنها الوزير ليل ونهار ليست موجودة أصلا، ولا مكتوبة في مكان، ولم يطلع عليها أحد من الناس ولا المهتمين، ومن ثم فلا نعرف ما هي أهدافها ولا آلياتها ولا فلسفتها ولا أي شئ عنها؟ولذلك فليست هناك خطة تنتظر تعليمات الوزير يوما بيوم عن المقررات والامتحانات وغيرها”.
واستكمل مغيث “إننا تبعا لذلك لا نعرف من وراء تلك الخطة من خبراء ومن خبرات؟، وأنا أكتب هذا على الملأ منذ أًعلن عن تلك الخطة، ولم يرد علينا أحد، ويعرف هذا المئات من خبراء التعليم في مصر”.. متابعًا في شأن متصل “لعب التابلت دورا محوريا فيما سمى بتطوير التعليم، وتكلف شراؤه المليارات، ورغم مرور أربع سنوات على وجوده مع تلاميذنا وفى الامتحانات، فليس لدينا إحصاء أو دراسة موثقة واحدة عن نجاحاته وإخفاقاته وجدواه، ومعنى التمسك به”.
وشدد الخبير التعليمي على “أننا لا نعلم مدى استفادة الطلاب والعلمين من المنصات الاليكترونية ولا بنوك المعرفة التى تكلفت الكثير من الأموال ولا ما إذا كانت موادها قد أصبحت جزءا من المقررات الدراسية؟”.. مضيفا “أنه لا يمكن الحديث عن تطوير التعليم في ظل معلمين هم أفقر معلمي الأرض، ولا بمدارس تعاني عجزا في أعداد المعلمين يصل إلى 400 ألف معلم، ولا بحلول بائسة لسد هذا العجز كالتدريس بالحصة بعشرين جنيه، أو بالتطوع”.
في ندوة سابقة بعنوان “هل انتهى عصر التعليم المجاني”، قال الدكتور كمال مغيث إن مجانية التعليم ارتبطت بنظم الحكم الوطنية التي لها مشروع وطني، فالدول القومية التي تسعى إلى ترسيخ المواطنة هي التي سعت إلى مجانية التعليم، مضيفًا أننا نفتقر حاليًا إلى وجود “منظومة تعليمية” ولكن لدينا مشروع لتعليم “نخبة” فحسب، مشددًا على أن ما يحدث في ملف التعليم هو أمر كارثي بكل المقاييس.
ولفت مغيث إلى أنه قبل ذلك كان التعليم المجاني إما شكل من أشكال التلمذة الصناعية أو التعليم ذو التوجهات الدينية، ولكن مع ظهور الدولة القومية ظهرت مجانية التعليم وإلزامه، مضيفا أن محمد علي لم يكن لديه مشروعا شعبيا للتعليم ولكن كان لديه مشروع وطني يوظف التعليم فيه فكان يتميز بالمجانية بداية من التعليم الابتدائي حتى البعثات التي كان يرسلها إلى فرنسا و إيطاليا وما كان يعيب هذا النظام التعليمي أنه لم يكن تعليما شعبيا ولكنه يهدف إلى إعداد عدد محدود من الأطباء والمهندسين كمان كان يعتبر تعليم يتم في إطار المشروع العسكري لمحمد علي وسعيه للاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه من إمبراطورية الرجل العثماني المريض بالإضافة إلى مواجهة الأطماع الأوروبية، فكان التعليم يغلب عليه الطابع العسكري وتسود في المدارس الروح العسكرية.
واستكمل  مغيث في عهد الخديو عباس والذي كان المعروف بالرجعية وأنه لا يحمل همة وطموح جده محمد علي أغلقت المدارس، ولم يترك عباس إلا مدرسة واحدة، بينما عاد التعليم مرة أخرى  في عصر الخديو إسماعيل والذي كان يهدف إلى جعل مصر قطعة من أوروبا وتحققت مصر الكوزموبليتانية وظهرت مدارس الإرساليات المختلفة وفتحت الكنيسة أول مدرسة ثانوية للبنات، كما كان هناك حركة تطوير في الأزهر وإعادة المدارس العليا مرة أخرى والفصل ما بين نظارة الجهادية ونظارة المعارف، كما ظهرت لائحة رجب التي تسعى إلى مشروع قومي للتعليم في مصر والتي طالبت بوجود مدرسة في كل قرية يصل عددها 5000 نسمة على أن يتم توزيع الناس إلى 3 فئات وفقاً لتدرجهم الاجتماعي على أن تدفع كل فئة ما تطلبه الدولة منهم بحيث تدفع الطبقات الأغنى ما يغطي نفقات أبناء الطبقة الفقيرة، ولكن هذا المشروع الذي بدأ في أواخر عصر الخديو إسماعيل فشل بعد الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي الذي لم يسع إلى تنمية التعليم والاكتفاء بالكتاتيب و التعليم الأزهري.
واسترسل أن التعليم كان أحد أهداف الأحزاب التي ظهرت لمواجهة الإنجليز والتي  كانت تهدف إلى تعليم الفقراء وإنشاء المدارس الليلية وإنشاء الجامعة الأهلية لمواجهة النفوذ الإنجليزي.وأضاف أنه بعد ثورة 1919  نص  دستور 1923 لأول مرة على أن يكون التعليم مجانيا في المدارس الأولية والمكاتب العمومية ولكن يظل التعليم الابتدائي بنفقاته، حتى عام 1944 وعندما كان طه حسين مراقب عام الثقافة وفي وزارة الوفد تم توحيد التعليم الابتدائي والتعليم الأولي وجعله بالمجان، وبعد ثورة يوليو ومع قوانين يوليو الاشتراكية أصبح التعليم مجاني من التعليم الأساسي للتعليم ما بعد الجامعي الذي كان  يتسم بكونه تعليم كفء و كان راتب المعلم يزن 22 جرام دهب ومع تفتيت السادات مشروع عبدالناصر تدهور نظام التعليم مرة أخرى وبدأت تظهر الطبقات وظهور المدارس الخاصة، وتم إلغاء تكليف طلاب التربية1998 و تم إلغاء تعيين المعلمين 2014.

“صالون التحالف” أيضًا ناقش أوضاع التعليم في تقرير التنمية البشرية الصادر عن عام 2021 حيث علّق عددٌ من الخبراء على تعامل التقرير مع التعليم باعتباره “خدمة” وليس “حق” يجب أن يشمل الجميع.. منتقدين عدم وجود سياسات راسخة مستقرة لاستراتيجية التعليم واعتمادها على رؤية كل وزير.
وقال الدكتور شبل بدران أستاذ علم اجتماع التربية إن تقرير التنمية البشرية لعام 2021  يتعامل مع التعليم على أنه خدمة وليس حق، مؤكدًا أن التقارير الدولية والإقليمية والوطنية هي تقارير تتسم بالحياد الكامل وتنحاز لمقولات مبهمة، وبالتالي تكون كل مهمة الباحثين استنتاج قضايا جديدة من هذا الكم من المعلومات، مما يلزم الباحث أن يتسلح بالمنهج النقدي في رؤيته لقضايا المجتمع و قراءة تقارير التنمية.
وأضاف أن كل تلك التقارير هي تقارير كمية وصفية لا تحلل ولا تفسر، كما وصف التقرير في إجماله على أنه خطاب نوايا لا يتحدث عن الواقع إلا من واقع الخطاب الرسمي السائد في التعليم، كما أن البيانات الآتية في التقرير تتحدث عن إنجازات فقط وعند ذكرها للقصور تقول إن ذلك سيُراعى مستقبلاً ولا تقوم بتفسير من أين جاء هذا التقصير.
واستكمل بدران أن وضع التعليم مع الإسكان والصحة هو نوع من التعسف في التعامل مع قضية التعليم، كما أن النظرة إلى التعليم في التقرير على  أنه نوع من أنواع الاستثمار هو أكذوبه و وربط التعليم بفرص العمل هو أمر غير حقيقي في ظل النظم الرأسمالية.
وأشار إلى أن التقرير تعامل مع القطاع الخاص والاستثمار في التعليم على أنهما ميزة، في حين أنهما وسيلتان لتكريس الطبقية في التعليم وتقديم تعليم ذو جودة عالية للأغنياء وميسوري الحال على عكس ما يُقدم من تعليم مجاني للطبقات الفقيرة يتسم بتدني الجودة ويكون في نهاية الأمر تعليم لا قيمة له لا يساهم في توفير فرص العمل ولا يفيد المواطن بأي شكل، خاصة في ظل عدم حل مشكلة كثافة الفصول وتخفيض ميزانية التعليم. وأضاف أن إفساح المجال للقطاع الخاص  للاستثمار في التعليم يأتي من خلال أن الجامعات الخاصة في مصر تجاوزت عدد الجامعات الحكومية فيوجد لدينا 27 جامعة حكومية مقابل 33 جامعة خاصة، وشدد بدران على ضرورة تحديد فلسفة التعليم في مصر وأهدافه هل هي قائمة على إعداد كوادر لتخرج إلى سوق العمل أم هي تهدف إلى بناء الشخصية الوطنية.
وناشد بدران أحزاب المعارضة بوضع وثيقة تعليمية توضح رؤية الحزب وبرنامجه في مجال التعليم وخطتهم في التعامل مع التعليم عند الوصول للسلطة خاصة وأن تلك البرامج الحزبية هي مصدر أساسي لطلاب التربية في البحث.
من جانبه، قال الدكتور إبراهيم نوارالخبير الاقتصادي أن تقرير التنمية البشرية  لعام 2021 غاب عنه وضع منهج وفلسفة مما أدى ألى عدم بلورة القضية الأساسية له وهل التعليم هو مجرد وظيفة تقدمها الدولة للمواطنين، أم حق ومحرك للحراك الاجتماعي، و أضاف نوار أن التقرير أعطى أرقام ولكنه لم يدقق هذه الأرقام ولم يحدد هل هي أرقام صحيحة أم خاطئة.
واستكمل أن التقرير قارن مصر بنفسها عبر السنين، كما قارنها في بعض العناصر بالدول الأخرى الشبيهة لها في مستوى الدخل، ومجموع المؤشرات التي تم ذكرها توضح أن ترتيب مصر من ناحية مستوى التعليم بالنسبة إلى الدول الآخرى تقريبًا تحت المتوسط، فيأتي ترتيب مصر في  مؤشر التعليم في المركز الـ 99 من أصل 141 دولة.
وأكد نوار أن هناك 29% من قوة العمل ليس لديهم القدرة على الإلمام بالقراءة والكتابة في نفس الوقت الذي يُعرف فيه العالم الأمية بأنها عدم القدرة على استخدام الكمبيوتر، كما أكد نوار على أنه وفقًا تصريحات وزارة التربية والتعليم أن عدد المعلمين يتناقص مقابل ازدياد عمل الطلاب مما يؤدي إلى انخفاض كفاءة التعليم وفقاً لمصطلحات البنك الدولي.
و أشار نوار إلى أن حوالي 75% من ميزانية التعليم يتم دفعها كرواتب للعاملين بالوزارة، ويتبقى حوالي 25% يُخصص 10% منها كمصاريف جارية وتذهب ال15% المتبقية إلى المقاولات.
وأضاف أن تيار العمل في وزارة التربية والتعليم تحول من البحث عن المعارف إلى ما يشبه جهاز التربية السياسية، الذي تصبح فيه العملية التعليمية كلها موجهه إلى بناء ولاء للنظام السياسي الموجود.
من جهتها، قالت الدكتورة سماح جاهين مدير مشروع ICT ببورد المملكة المتحدة أن هناك مشكلة كبيرة في تطوير التعليم الفني، وخاصة في عقم المناهج نظرا لعدم تطويرها منذ سنوات عديدة وبالتالي هناك انعدام مواكبة لسوق العمل، و أضافت أن تقسيم المواد في التعليم الفني إلى مواد ثقافية ومواد تخصصية وتأتي الأزمة هنا في عدم الاهتمام بالمواد الثقافية التي تعتبر هي بنية العملية التعليمية.
واستكملت أن المدارس المطورة في التعليم الفني هي مدارس خاصة تقدم جودة التعليم مقابل مصروفات مما يساهم في ترسيخ الطبقية في التعليم الفني أيضاً، و أشارت إلى أن دمج ذوي الاحتياجات الخاصة مع باقي الطلاب هي مسآلة تتطلب شروط وتدريب المعلمين على التعامل مع هؤلاء الطلاب وتخصيص مناهج تتناسب مع قدراتهم ولا يجب أن يقتصر الأمر على اختلاف الامتحان.
وأكدت أن التابلت هو مجرد أداة يتم استخدامها كوسيلة مساعدة للتحول الرقمي للتعليم ولا يجب أن يتم التعامل معه على أنه هو التحول الرقمي في حد ذاته، فالهدف من التحول الرقمي هو محو الأمية التكنولوجية لدى الطالب من خلال مناهج تجعل السبورة التفاعلية تستحق ما صُف عليها من مبالغ.
وقال الدكتور أحمد حسين رئيس لجنة التعليم في حزب الدستور تقرير التنمية البشرية لعام 2021 تحكمه رؤي مؤسسية للدولة وليست رؤى مؤسسة بحثية غرضها البحث والتوصل إلى حقائق تدعم تطوير التعليم، وأضاف أن التقرير عرض قضايا التعليم بنوع من حرفية العمل المؤسسي الدولي الذي لا يقدم حلول حقيقية أو إجرائية.
وأضاف أن مشكلة التعليم في مصر تكمن في عدم وجود سياسات راسخة مستقرة، ولكنها تعتمد على رؤية كل وزير، و استكمل أن التطوير الحقيقي يأتي من وجود رؤية ثابته تنطلق من الدستور ووضع تشريع قانوني جديد لقانون التعليم يتناسب مع منطق العصر جوهره يعتمد على  مؤسسات منفصله عن بعضها تتبع قانون ولا تتبع أشخاص، بالإضافة إلى الارتكاز على المدرسة كمنظومة لإصلاح التعليم وبالتالي الثقة في المدرسة والذي يأتي من خلال وفرة في عدد المعلمين وتوفير قاعات للأنشطة ووجبات غذائية وتوفير حياة محببة لنفوس الطلاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *