الطائرات الورقية: بهجة تحلق في السماء وضحايا يسقطون على الأرض.. الحل في الحظر أم التقنين؟

كريم عبدالراضي: الطائرات الورقية وسيلة ترفيهية ولا تخالف القانون.. والقوانين المصرية بها نصوص فضفاضة توسع من نفوذ السلطة التنفيذية في تطبيقها

كتب- إسلام عز الدين

«بيقبضوا على الناس إزاي يعني دي لعبة»، هكذا قال محمد، 16 عاما، من منطقة البساتين، حينما علم بأن السلطات تحظر تصنيع وحيازة الطائرات الورقية وتلاحق المخالفين.

مع حلول فصل الصيف تنتشر الطائرات الورقية في سماء مصر، خاصة في الأحياء الشعبية، لكن تفشي فيروس كورونا المستجد في البلاد دفع السلطات لفرض حظر التجوال كان يمتد قبل نحو شهرين لـ12 ساعة، ما جعل هواية اللعب بالطائرات الورقية تجذب جمهورا أكبر من مختلف الأعمار لمواجهة ملل البقاء في المنزل بسبب كورونا.

لكن الطائرات الورقية باتت من المحظورات في مصر، بعدما بدأت السلطات في محافظتي القاهرة والإسكندرية في منع تصنيع الطائرات الورقية وحيازتها واللعب بها.

الخوف بات يسيطر على ممارسي هواية اللعب بالطائرات الورقية في كثير من الأحياء الشعبية في القاهرة الكبرى، ومنها منطقة الطالبية بالهرم، حيث رفض عدد من الأطفال والشباب الحديث نهائيا، فكانت الوجهة منطقة البساتين، حيث التقى «درب» عددا من حائزي الطائرات الورقية.

صدمة محمد

كان محمد، البالغ من العمر 16 عاما، سعيدا وهو يُمسك بخيط طائرته التي تحلق عاليا ويتحدث معنا عن كيفية تصنيع الطائرات الورقية وأسعارها، حتى سألناه «مش خايف يتقبض عليك؟».

بدت الصدمة واضحة على محمد، الذي قال «بيقبضوا على الناس إزاي يعني دي لعبة»، لافتا إلى أنه لا يعلم أي شيء عن ملاحقة السلطات لمصنعي وحائزي الطائرات الورقية. وأشار إلى أنه يمارس هذه الهواية منذ كان يبلغ من العمر 10 سنوات تقريبا.

وأضاف محمد أن اللعب بالطائرة الورقية مثل أي لعبة أخرى.. «يعني أنا لو روحت العب كورة هيتقبض عليه دلوقتي»، وتابع مؤكدا أنه لن يتوقف عن ممارسة هوايته الصيفية، وأشار وهو يتابع طائرته التي ارتفعت كثيرا إلى أن ذلك «أحسن من القعدة على القهوة».

شوفت طيارتي

«شوفت طيارتي.. هات عشرة جنيه عشان صورتها»، قالها حسن البالغ من العمر 14 عاما، وعلى وجهه ابتسامة عريضة، وذلك من باب الدعابة، وكان حريصا على ألا يظهر وجهه في الصورة.

وقال حسن إنه يستمتع كثيرا باللعب بالطائرة الورقية، ويشعر وكأنه هو من يحلق في السماء.

لا يُطيّر حسن طائرته سوى من أعلى كوبري أو فوق بناية لها سور مرتفع لتجنب السقوط والموت، لافتا إلى أنه يفعل ذلك منذ أن بدأ ممارسة هذه الهواية قبل سنوات.

وعن حظر تصنيع وحيازة الطائرات الورقية، قال حسن «لو اتمسكت بيها هياخدوها؟»، واستطرد قائلا: «لو خدوها هعمل واحدة غيرها»، لافتا إلى أنها لن تكلفه سوى 25 جنيها.

ربنا يستر

يُمسك منصور بطرف خيط طائرته التي لا تطاوعه في التحليق عاليا ويؤكد لـ«درب» أنه لم يكن يعرف بأن السلطات تمنع حيازة الطائرات الورقية، لكنه قال في الوقت ذاته إنه لن يتوقف عن ممارسة هذه الهواية.. «دي مش جريمة دي طيارة ورق».

وأضاف منصور البالغ من العمر 16 عاما أنه يمارس هواية اللعب بالطائرة الورقية منذ الطفولة، وأشار إلى أن هذه الهواية غير قاصرة على الأطفال.. «فيه ناس 30 سنة و35 سنة بتطير طيارات ورق».

منصور الذي يقول إن «موضوع الطيارات مش جديد»، رأى أن الطائرات الورقية انتشرت كثيرا هذا العام بسبب الحديث عنها على «النت»، بالإضافة إلى أن حالة الملل التي فرضها حظر التجوال دفعت كثيرون ممن لم يمارسوا هذه الهواية من قبل إلى ممارستها.

شراء الطائرات في الخفاء

الإقبال المتزايد على شراء الطيارات الورقية هذا العام خلق سوقا كبيرا لهذه اللعبة، حيث بات تصنيعها وبيعها مصدرا مهما لدخل الكثيرين في وقت تعيش فيه مصر أزمة اقتصادية خانقة؛ ومن هؤلاء حمادة، شاب عشريني، بدأ لأول مرة هذا العام تصنيع الطائرات الورقية.

وتختلف أسعار الطائرات الورقية بحسب الحجم، بحسب حمادة، يقول لـ«درب» إن الطائرة الـ50 سم يبلغ سعرها 10 جنيهات فقط، فيما يبلغ سعر الطائرات الـ 60 سم، والـ70 سم، والـ80 سم، والمتر 15، و20، و25، و40 جنيها على التوالي، ويقل السعر إذا كان البيع بالجملة. 

ورغم أنها تسمى «الطيارات الورق» إلا أنها لا تصنع من الورق الآن، حيث يُستخدم البلاستيك بدلا من الورق لتجنب تحطم الطائرة في الجو. ويقول حمادة إن هيكل الطائرة يُصنع من «الجريد» أو الخشب أو البوص، لافتا إلى أن الأخير عُرضة للكسر بسهولة، فيما يتحمل الأول والثاني الصدمات.. «لو الطيارة عدت عليها عربية مش هيحصلها حاجة».

ويعترف حمادة بأن ملاحقة السلطات المصرية أثر على شراء الطائرات الورقية، حيث يقول «موضوع الحكومة ده أثر.. لما الحكومة بقت تقفش في الناس بقت الناس تاخد الطيارات في الدرا». لكنه رغم ذلك يرى أن هذه الملاحقات لن تُوقف الطائرات الورقية عن التحليق في سماء مصر.

الملاحقات

يذكر أن السلطات الأمنية في القاهرة والإسكندرية ضبطت على مدار الأيام الماضية نحو ألفي طائرة ورقية.

وأصدر اللواء محمد الشريف، محافظ الإسكندرية، في 9 يوليو الجاري، قراراً بحظر اللعب بالطائرات الورقية على كورنيش المدينة الساحلية وتغريم أصحابها 300 جنيه مصري وقد تصل الغرامة إلى 1000 جنيه في حال تكرار المخالفة، وتطبق على المخالف أو ولي أمره إذا كان سن صاحب الطائرة الورقية تقل عن 18 عاماً.

وقال بيان صحفي صادر عن محافظة الإسكندرية، إن الطائرات الورقية تمثل «خطورة داهمة» على سلامة المواطنين ومستخدميها، وتتسبب في وقوع العديد من الحوادث.

وأكد حمادة، أحد مصنعي الطائرات الورقية، إن الطائرة الـ2 متر تشكل بالفعل خطورة على الأطفال، حيث أشار إلى أنها من الممكن أن تسبب في سقوط الأطفال الصغيرة من أعلى أسطح المنازل لأن حركتها بفعل الهواء قد تكون أقوى من قوة الطفل، لذا لا يبيع هذه الطائرات لمن هم أقل من 15 عاما.

تخيل تتمسك ويتعمل لك محضر حيازة طيارة ورق 😂

Geplaatst door ‎العامرية الآن‎ op Vrijdag 10 juli 2020

وانتشرت هواية اللعب بالطائرات الورقية بشكل ملحوظ خلال فترة حظر التجوال الليلي الذي فرضته السلطات لمواجهة وباء كورونا.

وكان خالد أبو طالب، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب المصري، قد طالب الشهر الماضي بإطلاع رئيس الوزراء على مخاطر إطلاق الطائرات الورقية لأنها تشكل «خطراً على الأمن القومي»، حيث حذر أبو طالب من أن الطائرات الورقية يمكن تزويدها بكاميرات مراقبة.

وانتقد مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي من تصريحات أبو طالب. ومن هؤلاء الصحفي حازم حسني، الذي كتب عبر حسابه على موقع فيسبوك: «أنا من حبي في الطيارات الورق اشتريت ٣ طيارات، واحدة كبيرة ليا واتنين وسط للبنات».

وأضاف حسني: «معنديش استعداد أخسر فلوسهم أو ما استمتعش بيهم، فاهم ولا لا يا سيادة النائب».

انا من حبي في الطيارات الورق اشتريت ٣ طيارات واحدة كبيرة ليا واتنين وسط للبنات ومعنديش استعداد أخسر فلوسهم أو ما استمتعش بيهمفاهم ولا لا يا سيادة النائب

Geplaatst door Hazem Hosny op Woensdag 24 juni 2020

أما نشوى الغندور، فكتبت ساخرة: «طيب انا قلبي طياره ورق يبقى قلبي كده خطر ع الأمن القومي؟».

طيب انا قلبي طياره ورق يبقى قلبي كده خطر ع الأمن القومي ؟!! يا حوستي السوده يا انا يامّه !!!!

Geplaatst door Nashwa Elghandoor op Woensdag 24 juni 2020

نص قانوني غير معروف

قال المحامي الحقوقي كريم عبدالراضي، إنه اطلع على قرارات حظر تصنيع وحيازة الطائرات الورقية لكنه لا يعرف النص القانوني الذي اعتمدت عليه السلطات في ذلك الشأن.

وأشار عبدالراضي إلى أن قد يكون هناك بعض الحوادث قد وقعت بسبب اللعب بالطائرات الورقية لكن هذا لا يعني المنع المطلق، مشددا على أنه ضد المنع المطلق لأن هذه وسيلة ترفيهية ولا تخالف القانون والحوادث التي قد حدثت بسببها قد تحدث أثناء لعب كرة القدم أو أي نشاط آخر.

ورأى عبدالراضي أن يُمكن حظر استخدام الطائرات الورقية في أماكن معينة مثل الطرق السريعة وأعلى الكباري، لأنها قد تسبب مشاكل وحوادث «لكن لو في الساحات الفاضية، فهي وسيلة من وسائل الترفيه مفيهاش أي مشكلة ولا مانع قانوني من استخدامها».

ويشار إلى أن أحمد حسام ميدو، لاعب منتخب مصر ونادي الزمالك السابق كان دعا عبر حسابه على موقع تويتر من يلعبون بالطائرات الورقية الابتعاد عن الكباري والطرق السريعة.

وقال عبدالراضي إن القوانين المصرية بها نصوص فضفاضة كثيرة، وهو الأمر الذي كنا نحذر منه مرارا وتكرار، موضحا أنه عند استخدام مصطلحات «واسعة وفضفاضة» هذا يوسع من نفوذ السلطة التنفيذية في تطبيقها.

واستطرد: «يعني قانون العقوبات هتلاقيه بينص كتير على مسائل الأمن القومي والسلم الاجتماعي اللي ممكن السلطة التنفيذية تجيب مادة وتفسرها كده أن الطيارات الورقية بتأثر على السلم الاجتماعي أو الأمن القومي زي ما النائب البرلماني – خالد أبو طالب – ما قال».

وأكد عبدالراضي في ختام تصريحاته لدرب، أن النص الذي استخدمته السلطات غير واضح ولكنها يمكن أن تستهدم أي نص من النصوص الفضفاضة في قانون العقوبات.

اللعب مباح ولكن

بدورها، حذرت دار الإفتاء المصرية من اللهو وممارسة ألعاب تشتمل على أخطار قد تهدد الأرواح، بعد تكرر حالات الوفاة المرتبطة بالطائرات الورقية، وقالت في بيان صحفي في وقت سابق إن «اللعب من وسائل الترفيه والترويح عن النفس التي أباحها الإسلام لكونه من متطلبات الفطرة الإنسانية والنفس البشرية».

وأضافت أن «اللعب مباح وجائز إذا كان فيه ما ينفع الناس في عقولهم واستعادة نشاطهم، وهو ممنوع إذا كان مضيعة للوقت وانشغل به الشخص عن مصالحه الدينية والدنيوية أو عاد على صاحبه بالضرر أو التأثير على جسده أو أخلاقه وعقله بشكل سلبي، ما قد يحول اللعب من مصدر للبهجة والسعادة إلى سبب مباشر لحصد الأرواح بطرق متعددة».

حوادث

وخلال الشهرين الماضيين، وقعت عدة حوادث عدة نتيجة اللهو بالطائرات الورقية، نتيجة السقوط من أعلى البنايات.

ففي يونيو الماضي، تلقى مركز شرطة أوسيم بلاغا يفيد مصرع طفل نتيجة سقوطه من أعلى سطح منزله، بمنطقة جزيرة محمد، وبإجراء التحريات تبين أن الطفل يدعى “إ.م” يبلغ من العمر 9 سنوات، وأثناء لعبه أعلى سطح منزله بطائرة ورقية، اختل توازنه وسقط مصابا بكسور وكدمات أدت إلى وفاته، وفقا لصحيفة «اليوم السابع».

كما لقي طفل يبلغ من العمر 12 عاما في مدينة التل الكبير بمحافظة الإسماعيلية حتفه،  بعدما وقع من أعلى المنزل، حيث لم ينتبه إلى حد السطح بينما كان يلاحق طائرته الورقية.

ووفقا لموقع صحيفة الأهرام، تسببت الطائرات الورقية ، ببدايات القرن العشرين، في أزمة لدى الحكومة، فقد كانت الطائرات بأنواعها تؤدي لإتلاف أسلاك التليغراف والتليفون، فرأت الحكومة أنه من الواجب عليها إصدار قانون بتجريم عدد من الألعاب الشعبية في مصر منها الطائرات الورقية.

ونصت المادة رقم 71 و72 بأن على عسكري الدورية في الشوارع ألا يترك الصغار يتجولون في الشوارع بمفردهم ليلا حيث يقوم باحتجازهم في قسم الشرطة، كما أن عليه أن يمنع الأطفال عن تطيير الطائرات في الشوارع والساحات في أي وقت، وإلا يلقى القبض على من يفعل ذلك وتمزق الطائرة في الحال.

صناعة منذ عهود قديمة

وتعود صناعة الطائرات عند العرب إلى عهد نبي الإسلام محمد بن عبد الله، خاصة أن مسيلمة، الذي ادعى النبوة بعد وفاة النبي محمد، حيث سُمي مسيلمة بـ«الكذاب» امتاز بخدعتين استجلبت أنظار الناس له وهما «بيضة القارور» و«راية الشادن» أو الطائرة الورقية، وفقا لموقع «سبوتنيك».

وبحسب كتاب «الحيوان» للجاحظ، فقد سار مسيلمة في أسواق العرب حتى تعلم من الحواة والمشعوذين طرقًا يستجلب بها أنظار الناس كي يأمنوا بنبوته المزعومة، وصنع طائرات ورقية أو كما كانت تسمى وقتها بـ«راية الشادن» وزعم أن الملائكة تنزل عليه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *