إفلاسات وفصل وإيقافات عن العمل.. مخاطر كورونا الاقتصادية أكبر بكثير من تداعياته الصحية

بات من المؤكد أن يؤدي فيروس كورونا الوبائي إلى مزيد من المخاطر الاجتماعية أكثر من مخاطره الصحية، فالخطر الاقتصادي للفيروس أكبر بشكل كبير من المخاطر الصحية التي يتعرض لها البشر، فإذا كان يؤثر بشكل مباشر على الحياة، فمن المحتمل أن يكون ذلك من خلال تزايد حالات الإيقاف عن العمل، أو إجبار صاحب العمل على فصل الكثيرين بدعوى أنهم عمالة زائدة عن الحاجة، أو حتى قد يؤدي إلى إفلاس مكان العمل ذاته.

وستكون تريليونات الدولارات التي تم محوها من الأسواق المالية هذا الأسبوع مجرد بداية، في ظل أزمات أخرى تهدد مناطق عدة بالعالم، بامتدادا الحرب في سوريا وليبيا، وانهيار البورصات، وحرب النفط بين روسيا والسعودية، وغيرها، ما قد يشل الملايين اقتصاديا، بحسب صحيفة “إندبندنت” البريطانية.

وقد ننظر إلى الوراء على فيروس كورونا باعتباره اللحظة التي تتعطل فيها الخيوط التي تحافظ على الاقتصاد العالمي؛ والشركات الناشئة والشركات المتنامية، ولا تقل أهمية تطعيم اقتصاداتنا ضد وباء الذعر القادم عن مكافحة الفيروس صحيا – إن لم يكن أكثر أهمية ، حيث يمكن أن تأتي المعاناة الإنسانية في شكل مرض وموت، ولكن يمكن أيضًا أن تكون غير قادر على دفع الفواتير أو فقدان منزلك.

وتكافح الشركات الصغيرة على وجه الخصوص مع جفاف سلاسل الإمداد، ما يتركها بدون منتجات أو مواد أساسية، حيث أدى إغلاق المصانع في الصين إلى انخفاض قياسي في مؤشر مديري المشتريات في البلاد، والذي يقيس إنتاج الصناعات التحويلية، خاضة أن الصين هي أكبر مصدر في العالم ومسؤولة عن ثلث التصنيع العالمي، لذا فإن مشكلة الصين هي مشكلة الجميع – حتى في خضم حرب تجارية بين البيت الأبيض وبكين.

كل هذا يجعل الأمر أكثر إثارة للقلق من استمرار الحكومات في اعتبار هذه الأزمة أزمة صحية وليست أزمة اقتصادية، لذا قد حان الوقت لتسلم خبراء الاقتصاد من الأطباء ، قبل أن ينتشر الوباء الحقيقي.

وبحسب الصحيفة، من الصعب أن نتخيل أن إيطاليا لا تدخل في حالة ركود (أصبح الاقتصاد التاسع في العالم الآن في مأزق)، كما من الصعب أيضًا تخيل أن الفشل في التأثير على أوروبا وشريكها التجاري الأكبر، الولايات المتحدة. ومن المستحيل أن نرى كيف أن أي من هذا لن يضيف إلى الانكماش العالمي، ما لم تتقدم الحكومات بشكل أسرع وأصعب مما كانت عليه قبل 12 عامًا خلال الأزمة المالية الأخيرة.

وشددت على أن المخاطر أكبر هذه المرة، لأنه يبدو أن هناك جهدًا منسقًا لإلحاق الأذى اقتصاديًا بالعديد من الدول الغربية، وتحذيرهم من سياسات التجارة العدوانية التي تبناها ترامب بحماس شديد.

وعلى الرغم من أن الصين تتحمل العبء الأكبر من التكلفة الاقتصادية والبشرية للفيروس، سيرى الكثيرون في بكين جانبًا فضيًا في ضعف الاقتصاد الأمريكي، وإلهاءً عن حروب ترامب التجارية التي بدت وكأنها تتصاعد دون أن تلوح نهاية في الأفق.

وتزامنا مع انتشار الفيروس التاجي، اندلعت حرب النفط الروسية السعودية، حيث تستطيع كل من موسكو والرياض تحمل انخفاض أسعار النفط بنسبة 30% بين عشية وضحاها، لكن أعمال الغاز الصخري في أمريكا لا يمكنها ذلك لأن عملية التكسير الأكثر تكلفة تعني أن جزءًا كبيرًا من قطاع النفط الأمريكي لن يكون موجودًا ببساطة إذا بقيت أسعار النفط عند أدنى مستوياتها التاريخية، ما يؤدي إلى عمليات الإغلاق وفقدان الوظائف وربما حتى حالات الركود على مستوى الدولة.

وخفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الضرائب على الرواتب المتأخرة ومساعدة العمال كل ساعة – وهي إجراءات من شأنها أن تساعد كل من أرباب العمل والموظفين على البقاء.

أما في المملكة المتحدة ، كشفت المستشارة ريشي سناك اليوم عن “ميزانية فيروس كورونا”، لكن الجميع بحاجة إلى التفكير بشكل أكبر إذا أرادوا التعامل بشكل صحيح مع كيفية تغيير هذا العامل الجديد للوضع الراهن.

الأمر أكبر بكثير من مجرد فيروس كورونا، وأسعار النفط، أو حتى الاقتصاد العالمي، فهو يتطرق لميزان القوى بين الشرق والغرب،  ، على مدى السنوات العشر الماضية، كانت سوريا كان مركز هذا النزاع، بعد عقد من الصراع على الأرض، ويبدو أن المواجهة تصاعدت الآن من الحرب بالوكالة إلى الصراع الاقتصادي.

وشهدت القوى العظمى الناشئة في روسيا والصين ما اعتبره الكثيرون غير ذي أهمية أمريكية في سوريا. وهم يحاولون الآن تعزيز رؤيتهم لعالم متعدد الأقطاب حقًا، وبدلاً من السماح للسعودية حليفة الولايات المتحدة بقيادة أسواق النفط من خلال كارتل أوبك، تريد روسيا والصين إعادة تشكيل الأسواق العالمية – وموازين القوى – لصالحها.

وللبقاء على قيد الحياة في هذه التحولات، ستحتاج الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرها إلى حماية مستقبل أعمالهم، كبيرها وصغيرها، والبحث عن فرص للاستفادة من النظام الاقتصادي العالمي الجديد ، وليس إنكاره، لأن تجاهل هذه التغييرات سيكون أكثر ضررا من أي وباء إنفلونزا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *