سارة حجازي تكتب: في هلاك الطبقة الوسطى تعريف- تحليل ونقد- سرد

بعد هدوء عاصفة الأزمة وحالة الهياج التي انتشرت بين الناس في العالم اجمع على وجه العموم، وفي مصر على وجه الخصوص، تظهر لنا الطبقة الوسطى وتشريحها النفسي.

عندما رأيت خلال الاسابيع الماضية الأرفف الفارغة من الطعام والاحتياجات الأخرى من المتاجر والأسواق؟ اتساءل هل تتعرف الطبقة الوسطى  لأول مرة على الطعام، هل لدى هذه الطبقة جوع لكل شيء وتلك الأزمة أظهرت جوعها النفسي، أم أن شهية المستهلك من الطبقة الوسطى ظهرت في هذا التوقيت للتباهي والشعور بلذة النعمة؟

لكن من هي الطبقة الوسطى المصرية؟

الطبقة الوسطى المصرية والتي انجبت دولة يوليو بكل سلطويتها وقمعها وابويتها- حيث لن يخلو منزل من الطبقة الوسطى من وجود ضابط جيش على المعاش او ضابط جيش حالي – هي طبقة تضم شرائح اجتماعية مختلفة تعيش بشكل اساسي على المرتبات المكتسبة من العمل في الحكومة، والقطاع العام، وفي قطاع الخدمات، والمهن الحرة الخاصة، بمعنى انها تضم من يعملون لحساب الغير او انفسهم، ويوجد من افرادها من يستغل عمل الآخرين، وأهم ما يميز هذه الطبقة هو أن دخل افرادها ناجم عن العمل الذي يغلب عليه الطابع الذهني او التقني، ولهذا يطلق على افرادها ذوي الياقات البيضاء.

وهناك تعريف ل(يولانتزاس) الذي عرف الطبقة الوسطى بأنها تضم كل العاملين غير المنتجين بحجة انهم لا يقدمون او لا ينتزع منهم فائض قيمة او فائض عمل، طالما لا يؤدون عمل منتجا يتيح انتزاع فائضه. الطبقة الوسطى تمثل امتدادا طويلا للبيروقراطية الحكومية وهو ما يضعها في مواقع لمهمات محددة للقيام بها ( مدام عفاف بالدور الثالث فكرة والفكرة لا تموت)، وهذا يختلف عن وضع العامل الذي يجبر على الدخول في تعاقدات عمل حرة، ولا يعبر الراتب الذي يحصل عليه عن الجهد الحقيقي المبذول في العمل في حين لايقاس راتب البيروقراطي بوصفه أجر مقابل عمل اداه بل طبقا لوظيفة يشغلها، لهذا ترى انه من المهم ان يتم استبعادهم من الطبقة العاملة، وفي الوقت نفسه استبعادهم من الطبقة الرأسمالية، فهي طبقة تبني مكانتها الاجتماعية المتميزة على ضوء خصائصها التعليمية والثقافية والمهارية، وكل ما يجذب اهتمامهم الوضع الاجتماعي بين العائلات والمجتمع ككل، والتزاوج والحصول على نسب من أسر ذات مكانه اجتماعية راقية ايضا.

إن الطبقة البروجوازية (الرأسمالية) تملك من الذكاء ما يكفي لتجعل الطبقة الوسطى المصرية تحت سيطرتها دائما، بحيث تقوم برفع جزء من الطبقة الوسطى الى البرجوازية ، وتقوم ايضا بهبوط جزء من الطبقة الوسطى الي البروليتاريا ، ورفع جزء من البروليتاريا الى الطبقة الوسطى ، وبذلك تضمن خضوع الطبقة الوسطى تحت سيطرتها، فالطبقة الوسطى تتقاذفها امال الانضمام الى مصاف الطبقة الغنية، واحيانا تخاف من الهبوط لصفوف البروليتاريا، والذين يعانون من الفقر المدقع، فتلك الطبقة لا تتمرد ولهم ايضا مصلحة في استغلال البروليتاريا ، انهم حفنة من المنتفعين الطفيلين .

ولكن- مع وجود تطرف في سياسات النيوليبرالية يكون موت هذه الطبقة محتوم! حيث ظهر بالفعل انهيار للدخول والمرتبات ، وتناقص فرص العمل، وزيادة معدلات البطالة، وتدهور في الحالات النفسية وشعور بالاغتراب بسبب الخوف من البطالة. الانحيازات السياسية والبنية الثقافية: ومن حيث انحيازاتهم ومواقفهم وفاعليتهم السياسية، فتلك الطبقة الوسطى المصرية المنتفعة الطفيلية لا يظهرون تعاطفا او تأييدا للحركات والتنظيمات العمالية والحركات الثورية، لا يؤيدون الثورة ، انهم دائما في صف النظام (اي نظام) طالما سيحمي وظائفهم ووضعهم الاجتماعي وأبوية وذكورية المجتمع ، لذلك انحيازاتهم السياسية دائما في صف السلطة والنظام الابوي الذكوري المستبد، ولهذا تجد ان الانظمة السياسية تعتمد على تلك الطبقة بصورة كبيرة، فقد تنهار حكومات ومع ذلك يقوم النظام مرة اخرى إذا بقيت الطبقة الوسطى متماسكة بكل ثقافتها وأبويتها ، ونخص بالذكر نظام السيسي الذي خاطب تلك الطبقة دائما ولعب على المشاعر الوطنية المهزومة بخطابات قومية كـ (تحيا مصر) وتبرع (علشان مصر).

فهي طبقة ترفض كل منً هو مختلف عنهم وعن قطيعهم، فدائما ما يميلون الى تبني الخطاب المتطرف الوهابي، فعلى مدى اربع عقود امتد التطرف من السعودية الى مصر عن طريق العمالة المصرية من خلال تحولات اجتماعية واقتصادية فانتقل ما يقرب من ٢٠ مليون مصري للسعودية خلال ٤٠ عاما الاخيرة، وكانت معظم تلك العمالة من الطبقة الوسطى فتبنوا التدين المتشدد المستهلك ، فحولوا مصر الى منبع اليمين المحافظ اجتماعيا والكراهية الدينية المتجذرة لكل ما هو مختلف عن (مسلم – سني) بمصر. –

وعلى صعيد المثلية الجنسية ، كان الوصم المجتمعي والرفض والطرد من المنازل والتنمر والملاحقة الامنية والقتل من نصيب المثليين جنسيا المنتمين للطبقة الوسطى، حيث طبقة الفقراء غير مهتمة بميول الاخر جنسيا – ليس ايمانا منهم بحرية الاخر الجنسية!! بل لسبب اخر وهو انهم يبحثون عن النجاة من الموت  سواء الموت من الجوع او المرض او الفقر المدقع وغير مشغولين بما غير ذلك، وعلى صعيد طبقة الاغنياء فهم لديهم القدرة ان يمنحوا ابنهم او ابنتهم تذكرة السفر لبلاد الغرب حيث البلاد التي تتقبل المثليين جنسيا دون خوف على حياتهم!! اما غالبية الطبقة الوسطى فثقافتها ومرجعيتها الدينية تحتم عليها الكره والرفض والوصم وفي اغلب الاحيان القتل، وبهذا يتم نبذ واعتقال وقتل لكل ما هو مختلف عن (مغاير الجنس) بمصر.

ان الطبقة الوسطى المصرية هي التي تشكل اخلاق المجتمع بل وحمايته ، لتجد انها من اكثر الطبقات تدينا وتراها تستهلك الدين اكثر مما تمارس طقوسه! وتميل الى تقديس النظام الابوي السلطوي الذكوري، وربهم المعبود هو كلام الناس والمظهر الاجتماعي وسط اقاربهم وجيرانهم وزملائهم ،اما الشهادة الاجتماعية فلها مكانة مهمة لدى تلك الطبقة المنتفعة كداعم رئيسي للمكانه الاجتماعية ، فالحصول على الشهادات التعليمية وتراكم المؤهلات والشهادات ليس حبا في العلم والدراسة !! بل من اجل التفاخر والظهور بين الناس والوضع الاجتماعي ، هي ايضا طبقة توهمت وتغذت ونشأت على الشوفينية ووهم عن دور مصر الرائد في المنطقة ، توهمت ونشأت ايضا على ان الذكر المصري جذاب لا يقاوم من نساء الارض. – اما المرأة ووضعها لم يكن يوما موضع احترام ومساواة في المجتمع بين جميع الطبقات وفي الخصوص الطبقة الوسطى – حيث لا يوجد تعميم للمعاناة ،فالمرأة من الطبقات الدنيا والوسطى معاناتهن اكثر تركيبا وتعقيدا.

 ففي طبقة الفقراء والعمال تجد ان المرأة تنزل للعمل ولها قدرة على ابداء الرأي – وهذا ايضا ليس من باب ايمان “الرجل” من تلك الطبقة باالمساواة مع المرأة والنسوية! بل لعدم وجود رفاهية ان يعمل الرجل فقط من اجل اطعام اهل بيته ، فتنزل معه المرأة سواء لبيع الخضروات او للعمل بالبيوت او غيرها من تلك الاعمال – لكن العنف المنزلي والضرب والاهانة موجودون بقوة في تلك الطبقة،، وفي طبقة الاغنياء وضع المرأة ليس افضل من اي طبقة اخري، فرغم تعليمهن وحصولهن على شهادات من افضل جامعات العالم إلا ان هذا لا يمنع قمعهن وعدم المساواة في مجال العمل ووجود عنف منزلي من الازواج بنسبة ليست بسيطة في تلك الطبقة “وتحرش الرجال لا يترك اي امرأة من اي طبقة في العموم”،، اما الطبقة الوسطى فحدث ولا حرج ان اهلها يمارسون العنف المنزلي والعنف بالشارع وقبول ثقافة الاغتصاب والتحرش بالمرأة بشكل اعتيادي يومي لا خجل فيه ولا عقاب، بل يتفاخر البعض من رجال الطبقة الوسطى بممارسة العنف ضد زوجته او اخته او ابنته كنوع من انواع الفحولة الذكورية ، وعلى ذكر الفحولة الذكورية – يتحرش الرجل بالمرأة بالشارع يوميا لاثبات رجولته بحيث لا يوجد امرأة او فتاة لم تمر بتجربة تحرش بمصر!! وعمل المرأة غير مرحب به ، لتصبح مصر من اخطر الدول على المرأة بالعالم والدولة رقم ٢ على العالم بعد افغانستان في التحرش بالمرأة.

كل هذا بفضل ابناء الطبقة الوسطى و تبنيهم ثقافة الذكورية والابوية  – انهم يمثلون غالبية المجتمع بالتالي يؤسسون ثقافته الضحلة الحالية، وبهذا يتم انتهاك وقمع كل ما هو مختلف عن “ ذكر” بمصر. اذا اعيد الجملة التي اكررها دائما في معظم مقالاتي او كتاباتي في العموم وهي ان كل ما هو مختلف عن ( ذكر – مسلم – سني – مغاير الجنس – مؤيد للنظام) هو في الاغلب منبوذ او مقموع او موصوم او معتقل او منفي او مقتول. الابوية:

 ان الامر مرتبط بالنظام الابوي ككل، فالدولة لن تستطيع ان تمارس قمعها على المواطنين دون وجود قمع مسبق منذ الصغر على المواطنين في منازلهم من الاسرة الصغيرة، حيث انها تستمد قوتها واستمراريتها وقمعها وبطشها وابويتها من الاسرة، كما قال ارسطو”كي يلائم شكل الحكومة التي يعيش في ظلها”. فالنظام الابوي يعتمد على بطش الاسرة وقمعها وثقافتها الابوية اكثر مما يعتمد على القانون، فالطبقة الوسطى المصرية تجدها اعظم قبولا لرأي جيرانهم وربهم كلام جيرانهم، وهم اشد جنوحا الى العادات والتقاليد، فتجد النظام والسلطة الابوية تسعى الى تكميل هذا الترويض الممنهج للفرد وصبغه بالصبغة الاجتماعية، لتخلق الطبقة الوسطى والنظام الابوي – مواطنون كالقطيع تربوا منذ صغرهم على قبول القمع والاهانة وان الاكبر عمرا والاكثر سلطة ونفوذا لهم كل الحق في ان يمارسوا عليهم كل انواع العنف الجسدي والنفسي بحجة “التربية – وانهم يريدون مصلحة الابن اوالابنة او المواطن”.

ببساطة الطبقة الوسطى تسهل على الانظمة السلطوية الحاكمة على مر ٦٠ عاما مهمتها في القمع والفساد والبطش، يصيغون الفرد ليكون سهل القيادة وحسن السلوك ولا يعرف طريق لكلمة “ لا “ .

 تجربة شخصية: من خلال تجربتي كأمرأة مثلية الجنس من ثقافة اسلامية تربت في كنف المجتمع المصري ومن اهل ميسورين الحال ينتمون للطبقة الوسطى ومتدينون التدين المستهلك “الوسطي” ، حين قررت خلع”الحجاب” وجدت الضرب والاهانة من جانب احد افراد اسرتي حيث كان كل ما يهابونه هو “كلام الناس” – ووجدت الوصم والتنمر والرفض من معظم افراد عائلتي كأعمام وعمات وابناءهم وبناتهم، ولم اسمع من الاسرة والعائلة من كلمات سوى رفض الله لي وان كل حدث سيء يحدث للبيت والاسرة فهو بسبب عقاب الله لنا لخلعي “الحجاب”.

وكأمرأة كان العنف الجسدي والنفسي يمارس ضدي إذا رفض الزواج بهذا او بذاك – لانه بالفعل لا يجرؤ امثالي من المثليين جنسيا ان يعلنوا عن ميولهم بين عائلاتهم او حتى اصدقائهم – فإذا كان لدي القدرة والشجاعة على التمرد وعدم الخضوع للمنظومة الابوية والثقافة الذكورية فغيري لم تنجو من حضيض الاستبداد ضدها كأمرأة سواء مثلية الجنس او مغايرة الجنس.

وبجانب ثورة يناير واحداث محمد محمود ومظاهرات اخرى، كان ذكور الطبقة الوسطى من “الثوار” يمارسون ذكوريتهم المعهودة والموروثة حيث انهم لا يسمحون بالنساء بالتظاهر في الصفوف الأولى – ايمانا منهم بأننا كائنات ضعيفة لا نستطيع حماية انفسنا وننتظرهم كذكور لحمايتنا من بطش رجال الداخلية – فأجد حالي مشتته! كيف سأتصدى لقمع الحكم العسكري وحكم الذكورية المجتمعية في آن واحد؟! 

وعلى جانب اعتقالي في موقعة علم قوس قزح في اكتوبر ٢٠١٧ ، ما ان وجدت من جانب الضابط المنوط باعتقالي من منزلي فجرا اسئلة عن هل لازلت “بعذريتي” ام لا ولماذا خلعت حجابي ومن ثم تعذيب بالكهرباء دون طرح اي اسئلة او حتى توجيه اهانات خلال فترة الصدمة بالكهرباء- انه فقط مؤمن اني استحق هذا العقاب!! ثم تحريض النساء بتخشيبة قسم السيدة زينب “بالتحرش الجنسي بي “ ايمانا ايضا من مسئولين وضباط وامناء شرطة قسم السيدة زينب بأني استحق ذلك العقاب!

وبعدما اطلق سراحي استقبلت الوصم المجتمعي ليس فقط من الاهل والجيران بل ومن المجتمع والذي يمثل اغلبيته الطبقة الوسطى، حيث رحب الجميع على قتلي معنويا ووصمي واعتقالي – كأمرأة مثلية الجنس.

 خاتمة: ان الطبقة الوسطى المصرية تميل الى الجناح اليميني المحافظ دينيا واجتماعيا دائما ، فتجدها داعمة لقرارات الدولة في فرض الوصاية على المجتمع وفرض الوصاية والرقابة على الفن وغيره ، لانها ببساطة تضع الاساس الاجتماعي والثقافي البنيوي للمجتمع ككل، ويمارسون الوصم المجتمعي إذا ما تمرد احدهم على تلك الثقافة القمعية الابوية القائمة على قهر المرأة والعمال والاقليات الدينية والجنسانية.

الامر ليس فقط مرتبط بالدين والثقافة المحافظة! بل اعمق من هذا بكثير! انها طبقة أسست للكره والعنف النفسي والجسدي والتحرش الجنسي والتنمر بجعلهم ثقافة تتوارث من جيل لجيل ضد كل من يختلف عن قطيعهم ، انها الطبقة الأعلى صوتا في المجتمع، ولهذا تعريتها ونقدها واجب.

  مصادر:

-رمزي زكي، من كتاب “وداعا الطبقة الوسطى” تأملات في الثورة الصناعية الثالثة واليبرالية الجديدة.

-احمد حسين حسن، من كتاب “الطبقة الوسطى في المجتمع” قراءة نقدية في الاعمال الفكرية المعاصرة.

-ول ديورانت، من كتاب”مباهج الفلسفة “ الكتاب الثاني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *