“هيومن رايتس” تتهم تركيا بترحيل مئات اللاجئين السوريين قسرا لبلادهم: أُجبروا على التوقيع على استمارات مراكز الترحيل وعلى الحدود
أصدرت “هيومن رايتس ووتش”، الاثنين 24 أكتوبر، تقريرا بعنوان “تركيا: ترحيل مئات اللاجئين إلى سوريا”، تناول عمليات الإبعاد القسرية للاجئين السوريين من تركيا إلى بلادهم، واستند التقرير إلى شهادات العشرات من اللاجئين ممن تم إبعادهم مؤخرا، حيث وصفوا ظروف توقيفهم واحتجازهم وإعادتهم عبر الحدود
وأوضح التقرير أن المسؤولين الأتراك رحلوا 37 من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم إلى شمال سوريا، وقال المستجوبون إنه تم ترحيلهم مع عشرات أو حتى مئات آخرين، وإنهم أُجبروا على التوقيع على استمارات إما في مراكز الترحيل أو على الحدود مع سوريا، لم يسمحوا (المسؤولين) لهم بقراءتها ولم يوضحوا ما ورد فيها، لكنهم جميعا أوردوا أنهم فهموا أنها موافقة من قبلهم على العودة الطوعية للوطن. وذكر بعضهم أن المسؤولين الأتراك غطوا بأيديهم الأجزاء المكتوبة بالعربية”.
ما سبق جزء من تقرير لـ”هيومن رايتس ووتش” نشر صباح الاثنين، يتحدث عن عمليات الإعادة “الطوعية” للمهاجرين السوريين من تركيا إلى بلادهم، التي يبدو أن وتيرتها ارتفعت مؤخرا.
ووفقا لتقرير المنظمة الحقوقية، قامت السلطات التركية باعتقال واحتجاز وترحيل المئات من الرجال والقاصرين السوريين إلى سوريا بشكل تعسفي، بين فبراير ويوليو 2022.
التقرير استند إلى شهادات العشرات من اللاجئين، الذين قالوا إنه تم اعتقالهم من منازلهم أو أماكن عملهم أو في الشارع، واحتجازهم في ظروف سيئة تخللها ضرب وإساءة لمعظمهم، قبل أن يجبروهم على التوقيع على استمارات العودة الطوعية، واقتيادهم إلى نقاط العبور الحدودية مع شمال سوريا.
وقال كثيرون إنهم رأوا رجال أمن أتراك يضربون لاجئين رفضوا التوقيع في البداية، فشعروا أن لا خيار آخر أمامهم إلا التوقيع. قال رجلان احتجزا في مركز ترحيل في أضنة إنهما خُيرا إما التوقيع على استمارة العودة إلى سوريا أو أن يتم احتجازهما لمدة عام. اختار كلاهما المغادرة خوفا من قضاء عام في الاحتجاز، كما أنهما يعيلان عائلاتهما، وبالتالي لا يمكنهما المخاطرة بهكذا قرار.
ووفقا للتقرير، تم نقل المبعدين، الذين كانوا محتجزين في مراكز ترحيل، إلى الحدود، في رحلات تصل إلى 21 ساعة، مكبلي الأيدي طوال الوقت. وحسب شهاداتهم، قال المستجوبون إنهم أُجبروا على عبور نقطتي باب السلامة وباب الهوى، باتجاه المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية. أحد الشهود، وهو من حلب ويبلغ من العمر 26 عاما، قال إن مسؤولا تركيا توجه له بالحديث قائلا “سنطلق النار على أي شخص يحاول العودة”.
في حزيران\يونيو 2022، قالت مفوضية اللاجئين إن “15,149 لاجئا سوريا عادوا طوعا إلى سوريا حتى الآن”. من جهتها، نشرت السلطات المشرفة على معبري باب الهوى وباب السلامة أعداد الأشخاص الذين يعبرون من خلالهما من تركيا إلى سوريا، وأظهرت البيانات أنه بين فبراير وأغسطس 2022، أعيد 11,645 شخصا عبر باب الهوى و8,404 عبر باب السلامة.
وقالت نادية هاردمان، باحثة في مجال حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش، “في انتهاك للقانون الدولي، اعتقلت السلطات التركية مئات اللاجئين السوريين، بينهم أطفال غير مصحوبين بذويهم، وأجبرتهم على العودة إلى شمال سوريا… على الرغم من أن تركيا قدمت حماية مؤقتة إلى 3,6 مليون لاجئ سوري، يبدو الآن أنها تحاول تحويل شمال سوريا إلى مكب للاجئين”.
وأضافت “تلتزم تركيا بموجب المعاهدة والقانون الدولي باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى مكان يواجه فيه خطر الاضطهاد أو التعذيب أو غيره. يجب ألا تجبر تركيا الناس على العودة إلى الأماكن التي يواجهون فيها أضرارا جسيمة. على تركيا حماية الحقوق الأساسية لجميع السوريين، بغض النظر عن مكان تسجيلهم، ويجب ألا تقوم بترحيل اللاجئين الذين يعيشون ويعملون في مدينة غير تلك التي تم تسجيل هوية وعنوان الحماية المؤقتة الخاصة بهم فيها”.
ودعت هاردمان الاتحاد الأوروبي “للاعتراف بأن تركيا لا تفي بمعاييرها الخاصة بدولة ثالثة آمنة، وأن يتم تعليق تمويل برامج احتجاز المهاجرين ومراقبة الحدود حتى تتوقف عمليات الترحيل القسري. إن إعلان تركيا دولة ثالثة آمنة يتعارض مع حجم ترحيل اللاجئين السوريين إلى شمال سوريا”.
ووفقا للقانون التركي، لا يمنح السوريون وغيرهم من القادمين من دول تقع جنوب وشرق حدود تركيا وضع اللاجئ الكامل. بالنسبة للسوريين، يتم تسجيلهم ضمن لوائح “الحماية المؤقتة”، والتي تقول السلطات التركية إنها تنطبق تلقائيًا على جميع السوريين الذين يطلبون اللجوء.
ويمنح قانون الحماية المؤقتة في تركيا اللاجئين السوريين إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية. في الوقت نفسه، يطلب منهم العيش في المقاطعة التي تم تسجيلهم فيها، وللانتقال إلى محافظة أخرى، عليهم الحصول على تصريح سفر.
وجميع اللاجئين السوريين الـ47 الذين وردت شهاداتهم في التقرير كانوا يعيشون ويعملون في مدن في أنحاء تركيا. معظمهم في إسطنبول عند احتجازهم اعتقالهم وترحيلهم. وكان لديهم جميعا، باستثناء اثنين، تصريح حماية تركي مؤقت، كيمليك، الذي يحمي اللاجئين السوريين من الإعادة القسرية إلى سوريا، كما أن العديد منهم ذكروا أن لديهم إضافة للكيمليك تصريح عمل.
يذكر أنه في أواخر عام 2017 وأوائل 2018، علقت إسطنبول وتسع محافظات على الحدود مع سوريا تسجيل طالبي لجوء وافدين حديثا، وفي فبراير الماضي، قال نائب وزير الداخلية التركي إسماعيل جاتاكلي إن 16 مقاطعة ستتوقف عن استقبال طلبات الحماية المؤقتة والدولية، هي أنقرة وأنطاليا وأيدين وبورصا وجاناكالي ودوزجي وأدرنة وهاتاي وإسطنبول وإزمير وكيركلاريلي وكوجالي وموغلا وسكاريا وتكيرداغ ويالوفا.
من جهته، أعلن وزير الداخلية سليمان صويلو في تموز\يوليو الماضي عن تبني سياسة تخفيض الأجانب في أحياء معينة في المدن التركية، بحيث تصبح لا تتجاوز نسبة الـ25%، وهذه بطبيعة الحال، وفقا لمتابعين، سيجعل من الصعب على اللاجئين السكن والتحرك بحرية في عدد كبير من المناطق التركية.
إضافة إلى ذلك، يأتي التقرير على إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أيار\مايو الماضي عزمه إعادة توطين مليون لاجئ في شمال سوريا، في مناطق لا تسيطر عليها الحكومة، “على الرغم من أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين”.
وقال المستجوبون إن السلطات التركية احتجزتهم في غرف ضيقة وغير صحية في مراكز مختلفة، أعداد الأسرة كانت محدودة، وفي كثير من الأحيان اضطروا لمشاركتها مع آخرين. كما أفادوا عن احتجاز فتيان دون سن 18 مع رجال بالغين، وأوردوا أن الطعام لم يكن كافيا والوصول إلى دورات المياه كان محدودا.
أحمد وصف الظروف في مركز توزلا للترحيل، حيث تم احتجازه مع أطفال (غير مصحوبين) في حاويات معدنية مكتظة، “كان هناك ستة أسرة في زنزانتي وكان على شخصين أو ثلاثة أن يتشاركوا كل سرير، وكان هناك طفلان، الأول يبلغ من العمر 16 عاما والآخر يبلغ 17. في البداية كنا 15 شخصا (في الزنزانة) وجاؤوا بالمزيد من الأشخاص. مكثنا 12 يوما دون استحمام”.
أما فهد، وهو من حلب ويبلغ 22 عاما، وصف الضرب في مركز الإزالة في توزلا، “تعرضت للضرب في توزلا… وقع الخبز مني، هممت بالتقاطه عن الأرض فقام ضابط بركلي. سقطت على الأرض وبدأ يضربني بعصا خشبية. لم أستطع الدفاع عن نفسي. شاهدت ضرب أشخاص آخرين. في المساء، إذا كان الناس يدخنون يتعرضون للضرب. كانوا (الحراس) يهينوننا دائما. كان أحد الرجال يدخن، وبدأ خمسة حراس في ضربه بشدة… وكل من حاول التدخل تعرض للضرب”.
وتحدث التقرير عن كون تركيا طرف في كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وكلاهما يحظر الاعتقال والاحتجاز التعسفيين والمعاملة اللاإنسانية.
وطالب السلطات التركية دعم مبدأ عدم الإعادة القسرية، انطلاقا من التزاماتها بالاتفاقيات والمواثيق الأوروبية والدولية. وعدم استخدام العنف أو التهديد بالعنف أو الاحتجاز لإكراه الناس على العودة إلى الأماكن التي قد يواجهون فيها أذى.