“نيويورك تايمز” تنتقد العاصمة الإدارية: مشروع”مبهرج” ومكلف وسط تباطؤ اقتصادي حاد وموارد مالية متوترة.. والضغوط تزداد على المصريين
التقرير: أوضاع مصر المالية هشة حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا..والحكومة اقترضت بكثافة لتمويل المشاريع العملاقة ومشتريات السلاح
الدين تضاعف 4 مرات خلال عِقد وأنصار النظام قلقون.. واقتصاديون يحذرون: مصر تتعرض لخطر كبير بالتخلف عن سداد الديون
ما لم يتم إدخال تغييرات أكبر على الاستراتيجية الاقتصادية وبدء دعم الصناعات فإن فوائد كل المشاريع الجديدة ستكون قصيرة الأجل
المصريون الذين تعرضوا للضغط بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض مستويات المعيشة تحملوا تكاليف المشروعات الطموحة من قبل على مدى سنوات
اعلان رئيس الوزراء أن الحكومة ستدفع للمطورين 203 ملايين دولار سنويًا لاستئجار المباني الرسمية يضع عبئًا مباشرًا على دافعي الضرائب
كتب – أحمد سلامة
أصدرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تقريرًا مطولا، انتقدت فيه مشروع العاصمة الإدارية المصرية الجديدة، مؤكدة أن هناك شكوك حقيقية حول المقدرة على تحمل “هذه الأحلام العظيمة”.
وذكر التقرير أن مشروع العاصمة الإدارية الجديدة هو الأكبر من حيث ما يضمه من مشروعات عملاقة، لكن “بينما تمر البلاد في خضم أزمة اقتصادية حادة، هناك شكوك حول ما إذا كانت تلك العاصمة قادرة على تحمل هذه الأحلام العظيمة”.وأوضح التقرير “تمتد العاصمة عبر رقعة صحراوية تبلغ مساحتها أربعة أضعاف مساحة واشنطن العاصمة، وهي عاصمة جديدة مبهرجة إمبريالية في الحجم والأسلوب، تجسد الطموحات العظيمة للرئيس عبد الفتاح السيسي وعباءته بصفته الدولة التي لا يمكن منافسة فيها”.
وأضاف التقرير “تضم العاصمة الإدارية الجديدة الواقعة خارج القاهرة أعلى مبنى في إفريقيا وهرمًا بلوريًا وقصرًا واسعًا على شكل قرص للسيسي مستوحى من رموز إله الشمس المصري القديم.. ست سنوات في الإعداد بتكلفة تقدر بـ 59 مليار دولار، وهي الأكبر في عدد كبير من المشاريع العملاقة التي بناها رئيس مصمم على إعادة تشكيل مصر”.
وتابع التقرير “هذه المشاريع، التي شيدها في الغالب الجيش، تجعل من السيسي هو الأحدث في سلسلة طويلة من القادة المصريين، الذين امتدوا إلى قرون، والذين سعوا إلى عكس سلطتهم في فرض الهياكل التي ترتفع من الصحراء، ولكن في الوقت الذي تمر به مصر في حالة من التباطؤ الاقتصادي الحاد، تتعرض مواردها المالية للتوتر بشكل خطير، وتتزايد الشكوك الصاخبة حول ما إذا كانت البلاد قادرة على تحمل أحلام السيسي العظيمة. في السنوات الست الماضية وحدها، منح صندوق النقد الدولي مصر ثلاثة قروض يبلغ مجموعها حوالي 20 مليار دولار، في ظل استمرار تدفق المساعدات الأمريكية.
ومع ذلك، فإن البلاد في مأزق مرة أخرى”.واستشهد التقرير بالمحلل السياسي المصري، ماجد مندور، الذي قال “إن الرئيس يقترض المال من الخارج لبناء مدينة ضخمة للأثرياء”.. لكنه أضاف أن المصريين الفقراء ومن الطبقة المتوسطة يدفعون ثمن المشاريع العملاقة من خلال الضرائب، وانخفاض الاستثمار في الخدمات الاجتماعية وخفض الدعم، حتى لو كان المنطق الاقتصادي للتطورات موضع تساؤل.
وأضاف التقرير “على الرغم من أن تمويل المشاريع الجديدة لا يزال غامضًا، إلا أنه يتم تمويلها جزئيًا من رأس المال الصيني بالإضافة إلى السندات عالية الفائدة التي سيكون سدادها مكلفًا على مصر في السنوات المقبلة.. كما يعمل بعض المطورين الإماراتيين أيضًا في العاصمة الجديدة”.
واستكملت نيويورك تايمز “كانت الأوضاع المالية لمصر بشكل عام هشة حتى قبل أن تغزو روسيا أوكرانيا في فبراير. لقد اقترض السيسي بكثافة لتمويل المشاريع العملاقة، بالإضافة إلى مليارات الدولارات من مشتريات الأسلحة الدولية، مما ساعد على مضاعفة الدين الوطني أربع مرات على مدى عقد من الزمان”.
واسترسل التقرير “ابتعد المستثمرون الأجانب في الغالب عن مصر، بسبب قبضة الجيش الشديدة على الاقتصاد. هذا، إلى جانب عدم التركيز على تطوير الصناعات المحلية، ولذا فقد انكمش القطاع الخاص -خارج النفط والغاز- كل شهر منذ ما يقرب من عامين”.وحسب نيويورك تايمز فقد قدر بنك الاستثمار Goldman Sachs مؤخرًا أن مصر بحاجة إلى خطة إنقاذ بقيمة 15 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لصد دائنيها.
ونبه التقرير إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى ترنح شركات الأوراق المالية المصرية، ومع ارتفاع أسعار الفائدة وأسعار المواد الغذائية هذا الصيف، فقد أصبحت المالية العامة متوترة للغاية لدرجة أن الحكومة أمرت مراكز التسوق والملاعب والمرافق العامة الأخرى بتقنين تكييف الهواء وإطفاء الأنوار حتى تتمكن من بيع المزيد من الطاقة في الخارج.
وأردف “الآن، يحذر الاقتصاديون: مصر هي واحدة من عدد قليل من البلدان التي تتعرض لخطر كبير بالتخلف عن سداد الديون، وحتى أنصار النظام قلقون بشأن الألم الاقتصادي في المستقبل”.. ونقل التقرير عن الإعلامي عمرو أديب -المحسوب على النظام- قوله مؤخرًا: “سيكون عام 2023 مظلماً ومرعبًا”.
وحسب خبراء، فقد ذكر التقرير أنه “ما لم يُدخل السيسي تغييرات أكبر، مثل تخفيف القبضة الاقتصادية للجيش وبدء الصناعة الخاصة، فإنهم يقولون إن فوائد المشاريع الجديدة ستكون قصيرة الأجل”، خاصة وأنه في حين وعدت الحكومة بأن المدن الجديدة ستوفر ملايين الوظائف والمساكن يؤكد الاقتصاديون أن غالبية الوظائف التي تم إنشاؤها حتى الآن هي وظائف قليلة في قطاع البناء كما أنها منخفضة الأجر، حسب التقرير.
ولفت التقرير إلى أنه “على الرغم من أن السيسي واجه انتقادات نادرة من بعض مؤيديه بشأن المشاريع العملاقة المبهرة، إلا أنه أصر على المضي قدمًا”.
وشدد التقرير على أن المصريين -الذين تعرضوا للضغط بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض مستويات المعيشة- تحملوا تكاليف مشروعات السيسي الطموحة من قبل.. ففي عام 2015، سارع بتمديد قناة السويس بقيمة 8 مليارات دولار والتي بشرت الحكومة بأنها “ولادة جديدة لمصر”.. لكن عائداتها لم تكن هي العائدات المرجوة.
واستكمل “حققت قناة السويس إيرادات بقيمة 6.3 مليار دولار العام الماضي، أقل بكثير من التوقعات الحكومية الأصلية البالغة 13 مليار دولار بحلول عام 2023”.
وقالت نيويورك تايمز “كان السيسي قد وعد أصلاً بتمويل العاصمة الجديدة من قبل المستثمرين الأجانب والمحليين وبيع الأراضي الحكومية في وسط القاهرة.
وتعرض المطورون المصريون لضغوط من الحكومة للمساعدة في البناء، ولكن مع تراجع اهتمام المستثمرين، أعلن الرئيس أن الحكومة ستدفع للمطورين حوالي 203 ملايين دولار سنويًا لاستئجار الوزارات والمباني الرسمية الأخرى في منطقة المكاتب الجديدة، مما يضع عبئًا مباشرًا على دافعي الضرائب”.
ويلفت التقرير النظر إلى أن المدن الجديدة المتعطشة تهدد بامتصاص المياه الثمينة من نهر النيل المنضب بالفعل، إضافة إلى أن الحكومة اضطرت من أجل إفساح المجال للطرق السريعة الجديدة التي تمر عبر القاهرة -المؤدية إلى المدينة الجديدة- إلى تجريف مساحات شاسعة من الأشجار في الحي القديم الأنيق لمصر الجديدة.واختتم التقرير “مع ارتفاع تكلفة العاصمة الجديدة إلى جانب المباني ذات الواجهات الزجاجية، سيتعين على السيسي مواجهة استياء المصريين الذين يشعرون بالغضب من الفجوة بين وعوده الكاسحة والواقع المؤسف لحياتهم”.