مع مرور عام على إطلاقها.. “المؤسسة العربية”: حصيلة “استراتيجية حقوق الإنسان” صفرية.. ونتخوف من العدول عن “التحسينات الجزئية” بجرة قلم
المؤسسة تطالب بتعديل قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية وإلغاء قوانين التظاهر والإرهاب ووقف الحبس الاحتياطي المطول والتهجير القسري ونزع ملكية المساكن الخاصة
مطالبات بإلغاء قانون 2017 للجمعيات الأهلية وإغلاق قضية المنظمات ووقف جرائم التعذيب واستخدام القسوة داخل مقار الاحتجاز وإلغاء حجب المواقع الإعلامية والصحفية المستقلة
قالت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الأنسان إنه رغم مرور عام على الذكرى الأولى لصدور “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” تلك التي احتفت بها الدولة في احتفال كبير، وسط ظن الكثيرين في هذا الوقت بأن مرحلة جديدة من حقوق الإنسان قد بدأت للتو، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ما يزال تتدهور أوضاع حقوق الإنسان من سئ إلى أسوأ، باستثناء بعض الخطوات الجزئية التي لم تعالج الجوانب الهيكلية في ملف حقوق الإنسان.
وطالبت المؤسسة العربية، في بيان لها اليوم الأربعاء، بتفعيل الاستراتيجية، فضلا عن تنفيذ التوصيات التي وافقت عليها الحكومة المصرية أمام مجلس حقوق الإنسان عام 2019، مطالبة تعديل شامل لقانون العقوبات فيما يتضمنه من المواد العقابية التي تتسم بالعمومية وبصعوبة تحديدها في الأبواب الخاصة بالجرائم الموجهة إلى أمن الدولة من الداخل والخارج، والجرائم التي تتعلق بحرية الرأي والتعبير واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
كما دعت إلى التأكيد على ضمانات المحاكمة العادلة بنصوص قانون الاجراءات الجنائية، وتعديل المواد الخاصة بالحبس الاحتياطي، مع إلغاء التشريعات سيئة السمعة مثل قانون التظاهر وقانون الإرهاب، وقانون الإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية.
وأكدت ضرورة إلغاء قانوني التظاهر 107 لسنة 2013 وقانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914، ووضع قانون جديد يحترم الحق في التجمع والحق في الإضراب وكافة أشكال التجمع السلمي.
وطالبت المؤسسة باحترام حق المنظمات الأهلية في العمل بعيدا عن وصاية أجهزة الدولة، وهو ما يتطلبه إلغاء قانون 2017 الخاص بالجمعيات والمؤسسات الأهلية، وإغلاق القضية رقم 173 لسنة 2011 والسماح لمنظمات حقوق الإنسان بالعمل في مناخ حر وآمن.
وشددت على ضرورة احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين بما يتضمنه من وقف أشكال التهجير القسري ونزع ملكية المساكن الخاصة، ووضع قانون جديد لنزع الملكية يحترم الحق في الملكية الخاصة ويعطي القضاء حق إقرار “المنفعة العامة” من عدمها ووقف أي إجراءات من جانب الدولة بمجرد لجوء الأهالي للقضاء.
كما دعا للتأكيد على الحق في الرعاية الصحية لكافة الموطنين بشكل عام خاصة في المستشفيات الحكومية، بما تطلبه من زيادة الميزانية المخصصة لهذه المستشفيات، وإقرار كادر مالي كافي للأطباء في هذه المستشفيات، وإصدار قانون عادل للتأمين الصحي.
وقال شريف هلالي المدير التنفيذي للمؤسسة العربية إن حصيلة تنفيذ الاستراتيجية باتت صفرية، وإن الخطوات الجزئية التي لم تعالج الجوانب الهيكلية في ملف حقوق الإنسان شملت وقف حالة الطوارئ، وهي التي يمكن أن يعاد تفعيلها بجرة قلم، ثم إعادة تفعيل ما يسمى بلجنة العفو الرئاسي مرة أخرى في أبريل الماضي بعد تجميدها لسنوات، والدعوة لحوار “وطني ” بين القوى السياسية المختلفة، مع استثناء جماعة الإخوان المسلمين وهو الحوار الذي لم يلازم محطة الترتيبات الإدارية والفنية منذ 5 أشهر.
وأضاف أن هذه الخطوات شملت عددا من قرارات إخلاءات السبيل من النيابة العامة، التي لم تتعد 500 قرار منذ عمل اللجنة، بالإضافة إلى 5 قرارات عفو رئاسي لمحكوم عليهم في قضايا سياسية ضمت 12 سجين رأي في قضايا مختلفة.
وأوضح أنه باستثناء تلك الخطوات المحدودة والقاصرة لم تشهد الساحة الحقوقية المصرية تغييرا إيجابيا يذكر خاصة على ساحة احترام الحقوق والحريات الأساسية الواردة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ومنها الحق في حرية الرأي والتعبير، وحقوق السجناء، حيث استمرت نفس البنية المقيدة لحقوق السجناء والمحبوسين احتياطيا وبشكل خاص الحق في الرعاية الصحية واحترام حقوق المنصوص عليها في قواعد نيلسون مانديلا للسجناء، ولم تشهد وضع السجون إلا تغيرا شكليا في مسميات السجون المركزية والعامة ومصلحة السجون بموجب القانون 14 لسنة 2022.
ولم ترصد المؤسسة العربية خطات جدية تتعلق بتغييرات تشريعية فيما يتعلق بقانون الإجراءات الجنائية والعقوبات، وقانون التظاهر 107 لسنة 2013، والقانون 149 لسنة 2019 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية.
فعلى صعيد الحقوق السياسية والمدنية، استمرت نفس الانتهاكات الخاصة بالحق في الحرية الشخصية والحق في سلامة الجسد، من خلال استمرار الحبس الاحتياطي المطول وسياسة التدوير على قضايا مختلفة بنفس الاتهامات تقريبا، واستمرار القبض على ناشطين جدد باتهامات نشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية واساءة استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، لمجرد إبدائهم آراءهم أو بث فيديوهات خاصة بأوضاعهم الإنسانية والاقتصادية.
ووفقا للبيان، تواصل انتهاك حقوق السجناء، بالرغم من إنشاء سجون جديدة باسمها الجديدى”مراكز تأهيل” في وادي النطرون، ومع ذلك لم يؤثر ذلك على تغيير إيجابي باحترام حقوق السجناء، وهو ما أدى إلى وفاة عشرات السجناء بتأثير تردي الحالة الصحية داخل أقسام الشرطة والسجون المختلفة.
وأشارت المؤسسة إلى أنه تم رصد وفاة 25 سجينا حتى شهر أغسطس الماضي، كما استمرت شكاوى السجناء المحبوسين احتياطيا فيما يتعلق بحقوقهم في الرعاية الصحية والتعليم والتريض والاتصال بالعالم الخارجي.
كما لفتت إلى استمرار جرائم التعذيب واستخدام القسوة داخل مقار الاحتجاز “أقسام الشرطة والسجون”، ما أدى لعدد من الوفيات تحت تأثير التعذيب، ولم يتم التحقيق فيها بشكل جاد من النيابة العامة.
واستمر حبس صحفيين وإعلاميين والقبض على آخرين جدد، منهم هالة فهمي وصفاء الكوربيجي بمبني ماسبيرو، والصحفية دنيا سمير، كما تواصل حبس عدد من المحامين ونشطاء حقوق الإنسان بسبب عملهم المهني ونشاطهم الحقوقي، ومنهم المحامي محمد الباقر، وعمرو نوهان وزياد العليمي، يوسف منصور، وإبراهيم متولى، وهدى عبدالمنعم، على سبيل المثال.
وتواصلت سياسة حجب المواقع الإعلامية والصحفية المستقلة، وحتى الآن لم تتوقف هذه الظاهرة والتي صلت إلى 500 موقع.
كما تواصلت القيود على منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، وفي هذا الشأن استمرار القضية 173 لسنة 2011 والتي تم بموجبها التحقيق مع مع عشرات النشطاء الحقوقيين ومنعهم من السفر ولتحفظ على أموالهم، وعلى الرغم من صدور قرارات النيابة العامة بأنه لا وجه لإقامة الدعوى مع بعض ممثلي هذه المنظمات التي لم تتجاوز العشرات، إلا أنه ما يزال أغلب الحقوقيين ممنوعين من السفر بقرارات إدارية.
وأوضح البيان أنه على صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تواصلت السياسات الاقتصادية الخاصة باللجوء إلى القروض، والتخلي عن دعم السلع الأساسية وتعويم الجنيه ورفع سر الدولار، وهو ما أدى إلى خفض مستوى المعيشة لملايين الأسر المصرية، فضلا عن دخولهم في دائرة الحد الأدنى للفقر.
كما تواصلت الانتهاكات المتواصلة لحقوق العمال واستشراء ممارسات الفصل التعسفي والتأخر في إعطائهم أجورهم، وقيام أجهزة الأمن بدعم أصحاب العمل، وهو ما حدث مع عمال مصنع بشاي للصلب، وشركة يونيفرسال، وغيرها.
وأشارت المؤسسة إلى ما وصفتها بالأجواء السلبية التي أحاطت بالانتخابات العمالية التي أشرفت عليها وزارة القوى العاملة، واستخدمت فيها الأجهزة الأمنية الضغوط واستدعاءات وحبس العشرات من المرشحين المستقلين في هذه الانتخابات وممارسة الضغوط عليهم للانسحاب ومنعهم من الترشح.
كما تطرقت إلى استمرار انتهاك حق المواطنين في السكن، وإصرار أجهزة الدولة على تبني منهج الاخلاءغ القسري لآلاف المواطنين في جزيرة الوراق، ونزلة السمان، والحي السادس والسابع بمدينة نصر، ومساكن الماظة بمصر الجديدة، ومنطقتي المرج وعزبة النخل، ومصر القديمة بالقاهرة، فضل عن آلاف المساكن على الطريق الدائري بالقاهرة والجيزة، ومنطقة عزبة الصيد بالإسكندرية.
كما أكدت تردي الخدمات الصحية بالمستشفيات العامة والحكومية، وسط أنباء على بيع عدد من المستشفيات الحكومية لمستثمرين خليجيين.
وتحفظت المؤسسة العربية على صياغة الاستراتيجية بما تضمنته من مستوى الحماية الضعيف الوارد في عدد من نصوصها، وإلقائها اللوم على المواطنين في افتقاد الثقافة المؤهلة لممارسة هذه الحقوق دون الحديث عن أي مسئولية لأجهزة الدولة في عدم احترام حقوق الإنسان، مشددة على أن المسئولية الأكبر في تطبيق الاستراتيجية تقع على أجهزة الدولة، وفي الكثير منها لا تحتاج لموارد مالية تخصص لتفعيلها.
وتغطي الاستراتيجية عددا من المحاور أبرزها الحقوق المدنية والسياسية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المرأة والطفل وبناء القدرات في مجال بحقوق الانسان، ويضم كل محور من هؤلاء الفرص ونقاط القوة، والتحديات، والنتائج المتوقعة أو الالتزامات التي ستبقى على كاهل الإدارة المصرية .
وأكدت الوثيقة إلى الحاجة إلى تعزيز ثقافة حقوق الانسان، وضعف هذه الثقافة وبعض الموروثات الثقافية الي تتعارض مع فهمها ومبادئها، والحاجة إلى تعزيز المشاركة في إدارة الشأن العام واهمية معالجة ضعف مستوى المشاركة بما يعني القاء المسئولية على المواطنين دون الحديث عن دور أجهزة الدولة.