“العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” تطالبان بالإفراج الفوري عن لاجيء جزائري معاد قسرا من تونس: من الاختطاف للسجن
بيان: بوحفص ناشط أمازيغي أطلق سراحه بعفو رئاسي في 2018 بعد اتهامه بالإساءة للنبي.. والسلطات أعادت حبسه في 10 تهم بينها “الإشادة بالإرهاب”
طالبت منظمة “العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” السلطات الجزائرية بالإفراج فورا عن سليمان بوحفص، الناشط الجزائري الذي اختفى قبل عام في تونس، والمحتجز الآن قيد التحقيق من محكمة جزائرية، مع ضمان حريته في مغادرة البلاد.
وقالت المنظمتان، في بيان مشترك أمس، إن بوحفص كان يعيش في تونس كلاجئ، ثم ظهر وهو محتجز لدى الشرطة الجزائرية في ظروف غامضة، ودعتا السلطات التونسية للتحقيق فيما بدا أنه اختطاف وإعادة قسرية إلى الجزائر، ومحاسبة كل من تورط في ذلك.
وحسب بيان مشترك أمس، قالت آمنة القلالي، نائبة مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن سليمان بوحفص فر من الجزائر بعد اضطهاد السلطات، فمنحته مفوضية شؤون اللاجئين الأممية حماية دولية في تونس، وإن آخر مكان يجب أن يكون فيه بوحفص هو السجن الجزائري، لمواجهة محاكمة محتملة.
في 25 أغسطس 2021، ظهر رجال مجهولون في ملابس مدنيّة أمام منزل بوحفص في تونس العاصمة، وأجبروه على الركوب في سيارة، واقتادوه بعيدا، بحسب ما قالته عائلته نقلا عن شهود.
وفي 1 سبتمبر 2021، ظهر بوحفص في محكمة جزائرية، حيث فتح قاضٍ تحقيقا جنائيا ضدّه بسبب صلاته المزعومة بـ” الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل”، التي تعتبرها الجزائر منظمة إرهابية، وبسبب منشوراته المزعومة على “فيسبوك”، في سياق من التجريم المتصاعد للنشاط السلمي، وكانت السلطات الجزائرية قد سجنته في السابق لمدة عامين بسبب تعليقات نشرها على فيسبوك واعتبرتها مسيئة للإسلام.
وبوحفص (55 عاما) ناشط أمازيغي ومعتنق للمسيحية، في 2016، حكمت عليه محكمة جزائرية بالسجن ثلاث سنوات بموجب المادة 144 مكرر من قانون العقوبات، التي تجرّم الإساءة العلنية للنبي محمد والاستهزاء بالإسلام، وقالت عائلته إنه تعرّض إلى سوء المعاملة في السجن، وفي 2018، أطلق سراحه بعفو رئاسي، وانتقل إلى تونس، وتقدّم بطلب لجوء لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ورد في رسالة دعم من مجموعة حقوقية جزائرية، أطلعت عائلة بوحفص هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية عليها أنّ بوحفص كان يخشى أن يُحاكم مجددا من المحاكم الجزائرية انتقاما من نشاطه، حيث منحته المفوضية حق اللجوء في 2020 بموجب اتفاق لها مع السلطات التونسية.
وقالت عائلة بوحفص، نقلا عنه، إنّ الرجال الذين اختطفوه وضعوا له كيسا على رأسه، ثم نُقل بسيارة إلى الحدود الجزائرية ومنها إلى منشأة تابعة للشرطة في الجزائر العاصمة، وكان خاطفوه يهدّدونه أثناء الرحلة.
ولم تعرف أسرة بوحفص مكانه طيلة أربعة أيام، في 29 أغسطس سمعوا من خلال اتصالات غير رسمية أنه محتجز في مركز للشرطة في الجزائر العاصمة.
وفي 1 سبتمبر، أعاد قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية في سيدي محمد في الجزائر العاصمة، بوحفص إلى السجن على ذمة التحقيق في 10 تهم بموجب قانون العقوبات الجزائري، تشمل هذه التهم الانتماء إلى منظمة إرهابية (المادة 87 مكرر 3)، والإشادة بالإرهاب (المادة 87 مكرر 4)، و”المساس بسلامة وحدة الوطن” (المادة 79)، و”الإساءة إلى الرسول” (المادة 144 مكرر 2)، ونشر أخبار كاذبة (المادة 196 مكرر)، والتحريض على الكراهية والتفرقة والتمييز بسبب الانتماء العرقي أو الإثني (المادة 295 مكرر)، و”الحصول على تمويل أجنبي” (المادة 95 مكرر)، بحسب معلومات حصلت عليها أسرة بوحفص من محاميه ونقلتها إلى هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
وفي 20 سبتمبر 2021، طلب خبراء حقوقيون أمميون مستقلون من الحكومتين الجزائرية والتونسية شرح أي خطوات التي اتخذتها لنقل بوحفص من تونس إلى الجزائر، والأسس القانونية للتحقيق الجنائي ضدّه في الجزائر.
وقال نشطاء حقوقيون تونسيون إنّ الرئيس سعيّد قدّم التزامًا شفهيًا بالتحقيق في الاختطاف المزعوم لبوحفص يوم 3 سبتمبر 2021، لم تعلّق السلطات التونسية رسميًا على الأمر.
وردّت الجزائر على خبراء الأمم المتحدة برسالة مؤرخة في 7 أكتوبر، زعمت فيها أنّ قوات الأمن الجزائرية في تبسّة، قرب الحدود التونسية، اعتقلت بوحفص يوم 27 أغسطس، بعد أن حاول الدخول إلى فندق من دون إظهار بطاقة هويته.
وقال المسؤولون الجزائريون في الرسالة إنّهم نقلوه بعدها إلى السلطات في الجزائر العاصمة بعد اكتشاف أدلة تربطه بالحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل، المعروفة بالمختصر الفرنسي بـ “MAK” (’ماك‘).
وصنّفت الجزائر هذه الجماعة كمنظمة إرهابية منذ ماي/أيار 2021. في الرسالة نفسها، ذكرت السلطات الجزائرية بالتفصيل التهم الموجهة إلى بوحفص بموجب القانون الجزائري، استنادًا إلى رسائل قالت إنه نشرها على فيسبوك. قالت السلطات إنها تضمنت رسائل تهاجم الدولة الجزائرية ورموزها ومؤسساتها، وأخرى تشيد بـ ماك وتتعلق باتصالاته المزعومة مع أعضاء الجماعة.
مع ذلك، لم تصرّح الجزائر علنًا بكيفية دخول بوحفص إلى الجزائر، ومتى تم ذلك وتحت أي ظرف، وقالت بلقيس جراح، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “مرّ عام على اختفاء بوحفص من البلد الذي حصل فيه على اللجوء ثم ظهر محتجزًا في البلد الذي فرّ منه، من دون أي كلمة من كلتا الحكومتين عمّا إذا نُقل إلى هناك ضدّ رغبته، محملة السلطات التونسية مسؤولية بموجب القانون الدولي لحماية بوحفص، لكن لا يوجد دليل على أنها سعت إلى التحقيق في المسألة ومحاسبة كل من انتهك حقوقه”.
وبحسب أسرته وأحد محاميه، رفضت السلطات الجزائرية طلبات الإفراج المؤقت عن بوحفص أربع مرات على الأقل، وقالت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية إنّ السلطات الجزائرية استخدمت على نحو متزايد التعريف الفضفاض للإرهاب في قانون العقوبات – والذي وسّعه الرئيس تبون بموجب مرسوم في 2021 – لملاحقة النشطاء والمدافعين الحقوقيين. كما استهدفت السلطات مؤخرًا منتقدين آخرين في المهجر بحظر السفر وتسليم المطلوبين.
وانضمّت كل من الجزائر وتونس إلى “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” (العهد الدولي)، الذي تضمن المادة 19 منه الحق في حرية التعبير. أيّ قيود على هذا الحق يجب أن تكون متناسبة وضرورية للغاية لتحقيق غاية مشروعة.
وبصفتها طرف في اتفاقية الأمم المتحدة والاتفاقية الإفريقية للاجئين، و”اتفاقية مناهضة التعذيب”، تُعتبر تونس ملزمة باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، الذي يحظر إعادة اللاجئين قسرًا أو طردهم أو ترحيلهم نحو البلدان التي قد يواجهون فيها تهديدات لحياتهم أو حريتهم، وكذلك جميع الأشخاص نحو البلدان التي قد يتعرضون فيها للتعذيب.
وتحظر “الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين” لعام 1951 طرد اللاجئين المتواجدين بشكل قانوني في أرض دولة طرف في الاتفاقية، إلا إذا كانت الأسباب تتعلق بالأمن القومي أو النظام العام، وحتى في هذه الحالات، يجب اتخاذ القرارات وفق الإجراءات القانونية الواجبة، إلا لـ “أسباب ملحة تتعلق بالأمن الوطني”.
وتضع المادتان 6 و9 من العهد الدولي، اللتان تضمنان الحق في الحياة والأمن، على الحكومات واجب حماية الأشخاص الضعفاء الخاضعين لولايتها، ومنهم اللاجئون. يتعين على الحكومات التحقيق في أي حالات اختفاء قسري ومحاسبة كل من يثبت تورطه فيها، بحسب التوجيه الرسمي بشأن تنفيذ العهد الصادر عن “لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان”، كما تنصّ المادة 12 من العهد على حق كل شخص في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده.