خالد البلشي يكتب عن الكبير صاحب الفضل في ذكراه: أستاذي حسين عبدالرازق
في صيف 1996دخل شاب صغير مكتب الصحفي الكبير رئيس تحرير أهم جريدة سياسية تربى عليها.. كان المكتب غير المكتب فوق سطوح مبنى الحزب الذي كان عريقا.. لكن صاحب المكتب بقي بهيلمان القدرة على المواجهة وقوة القول الحر .. لم يكن يجمعهما أي معرفة غير حلم هذا الشاب بآن يكون صحفيا وحلمه بعدل على قدر الجميع وحرية تتسع لكل إنسان وفلسطين عربية.. هكذا كان حلمه الذي تطور بتطور خبرته وتوحش المستبدين.
10 دقائق خرج بعدها الشاب بأول تكليف في حياته و أول تحدي مهني له.. وعاد وسط تشكيكات مغرضة غ ما كتب لن ينشر وآن نشر فلن يحمل اسمه.. أيام وكان ما كتب يشغل 5صفحات كاملة باهم مجلة سياسية مع حروف اسمه في مكان مميز
6شهور أخرى و عدة موضوعات.. ثم عرض من الأستاذ الكبير لتلميذه الذي يخطو أول خطواته ربما بجدية وصرامة من يخشى الخطأ، وينتظر إشارة رضا استاذه عنه.. كان العرض المفاجئ أن يعمل معه سكرتيرا للتحرير…قبل التلميذ وكان رد الأستاذ هو أرحب مساحة للتحليق والإبداع.. كتابة بلا سقف وملاحظات خجلة من أستاذ ومكافأة 50 جنيه على مجمل ما كتب كانت أول مبلغ يكسبه من الصحافة واكبر تقدير حظي به..
يفتح الكبير المدي لتلميذه بلا سقف ليقفز فوق كل الحواجز ويكسر الأسقف المنخفضة ويكتب عن دولة تشيخ بمستبديها.. لعبة الخصخصة.. الاعيب الفساد.. حملة لا تتوقف ضد تعذيب ممنهج لا يرحم أحد.. ومواجهة مباشرة مع الديكتاتور تتعدى كل الحدود وقتها عن الديكتاتور والملكية الجديدة والأحزاب الهشة وأحلام وأوجاع شباب لا يجد مساحة تضمه، وتقتل أحلامه البطالة.. عن الكشح والتأمين الصحي و16 عاما من التعذيب والطوارئ والديكتاتورية، صارت 20 عاما، قبل أن تغلق النافذة التي صارت طريقهما للحياة وبوابته للمهنة.. لكن باب الكبير لم يغلق وحلمه بابنه الذي رعى تطوره المهني كما رعى تجربة حبه وارتباطه ..
كان التلميذ يشعر بعيني كبيره تتابع خطواته يخشى ان يفقد ثقة أستاذه ولا ينسى ابدا زيارة لا تنقطع لمكتبه يوم 4 نوفمبر من كل عام.. كانت عينه دائما على رجل اختلفا في السياسة كثيرا لكنهما اتفقا دائما على المهنة ولم يفقدا أبدآ احترامهما لبعضهما، حتى كانت فرحة الأستاذ اكبر من فرحة تلميذه حينما جلسا سويا ليضعا سويا ملامح قانون ينتصر للمهنة وحريتها ويمنع الحبس في قضايا النشر لكن السلطة أبت أن يكتمل حلمهما معا..
عن الأستاذ الذي أدين له بالفضل في ذكراه..
عن الكبير الذي فتح لي أبواب المهنة بلا حدود أو قيود.. عن صانع التجارب الصحفية المهمة، الذي تعلمت منه وأورثني عدم اليأس.. عن رجل عــلا صوته حدود السحاب، دون صياح وظل حتى يومه الأخير مدافعا عن الصحافة وحريتها، ووطن حر بلا قيود، مهما أحاطت به الحسابات..
عن صانع الأهالي في مجدها، واليسار في تألقها، وخائض المعارك الصعبة مهما كان الثمن .. عمن فتح لي بوابة حكايات لا تنضب عن المهنة، والمحبة، وتعلم الاختلاف والدفاع عن الحقوق بلا تزيد أو مزايدة ..
عن الأستاذ الكبير وتلميذ لازال يقف على عتبات رضاه وثقته..
عن رجل بقيت ارتجي محبته، وانتظر تقييمه وتقديره مهما كان اختلافنا.. عن الحاضر دوما في ذاكرة الدفاع عن وطن يتسع للجميع..
عن استاذي حسين عبد الرازق.. لم و لن أنسى موعدنا وعهدنا معا .