عبد المجيد المهيلمي يكتب عن تغييرات البنك المركزي: الاختيار الخطأ للمحافظ واختياره الخاطئ لمستشاريه

إن دور البنك المركزي مختلف تمام الاختلاف عن دور بنك تجاري أو استثماري في اقتصاد أي دولة. وبالتالي فالمعارف والمؤهلات والخبرات المطلوبة لمن يشغل منصب محافظ البنك المركزي ليست الخبرات التي أكتسبها من ترأس بنك تجاري أو استثماري. وذلك ما نلمسه في كبرى اقتصاديات العالم أجمع. فالبنوك التجارية والاستثمارية هدفها الأساسي تحقيق الأرباح، أما البنوك المركزية فدورها الأساسي هو الحفاظ على استقرار الأسعار وإدارة السياسة الاقتصادية والنقدية للدولة والحفاظ على قيمة عملتها. وشتان بين الاثنين. والجدير بالذكر أيضًا، أن معظم الدول تمنح البنك المركزي درجة من الاستقلالية، وذلك لمنع السياسيين من استخدام البنك في التلاعب بالاقتصاد لتحقيق مآربهم.

يتضح بجلاء من دراسة السير الذاتية لمحافظين البنك المركزي الأوروبي الأربعة منذ تأسيسه، إن المؤهلات العلمية والخبرات العملية المطلوبة فيمن يشغل منصب محافظ البنك المركزي لا يمتلكها من ترأس بنك تجاري أو استثماري مهما بلغ من نجاح وحقق من نتائج في مناصبه السابقة، وإلا كانت الدول الاوروبية (صاحبة أقوى اقتصاديات في العالم) عينت أحد رؤساء البنوك التجارية أو الاستثمارية الكبرى بأوروبا كمحافظ للبنك المركزي الاوروبي.

فلنراجع معًا مؤهلات وخبرات رؤساء البنك المركزي الاوروبي:

– فيم دويسنبيرج (هولندي) – أول رئيس للبنك من 1 يونيو 1998 وحتى نهاية أكتوبر 2003 سياسي واقتصادي وأستاذ جامعي. دكتوراة في الاقتصاد. عمل كمحلل مالي بصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الهولندي. رئيس البنك المركزي الهولندي، وعضو بالبرلمان ووزير مالية من 1973 إلى 1977. من المهم أن نلاحظ أن دويسنبيرج لم يعمل يومًا واحدًا في بنك تجاري أو استثماري.

– جون كلود تريشيه (فرنسي) – ترأس البنك من 2003 إلى 2011 اقتصادي وسياسي. درس في كل من المدرسة الوطنية للإدارةENA ، ومعهد الدراسات السياسية في باريس (من أفضل جامعات فرنسا التي تخرج فيها كبار الساسة والاقتصاديين الفرنسيين). عمل كرئيس الخزانة العامة من 1987 ورئيس نادي باريس للدول الدائنة. ومحافظ للبنك المركزي الفرنسي من 1993 لمدة عشر سنوات. من المهم أن نلاحظ أن تريشيه لم يعمل يومًا واحدًا في بنك تجاري أو استثماري.

– ماريو دراجي (إيطالي) – ترأس البنك من 2011 إلى 2019 سياسي واقتصادي وأكاديمي. تخرج بمرتبة شرف من جامعة سابينزا بروما بأطروحة عنوانها “التكامل الاقتصادي وتغير أسعار الصرف”. ثم حصل على دكتوراه في الاقتصاد من معهد ماساتسوستس للتكنولوجيا بأطروحة عنوانها “مقالات عن النظرية الاقتصادية وتطبيقاتها. وعمل كمحافظ البنك المركزي الإيطالي من 2006 إلى 2011، وقبلها عمل بالبنك الدولي في واشنطن. رئيس وعضو منتدب بنك جولدمان ساكس انترناشيونال من 2002 إلى 2005. من المهم أن نلاحظ أن دراجي لم يعمل يومًا واحدًا ببنك تجاري، ولكنه أمضى أقل من ثلاث سنوات ببنك استثمار دولي.

– كريستين لاجارد (فرنسية) رئيسة منذ 1 نوفمبر 2019 حتى تاريخه. سياسية ومحامية. ماجستير في قانون التجاري والعمل والقانون الاجتماعي وماجستير من معهد الدراسات السياسية. شغلت منصب رئيس صندوق النقد الدولي، وقبلها عدة مناصب وزارية بحكومات فرنسا (المالية، الزراعة، التجارة والصناعة). صنفتها الفاينانشال تايمز كأفضل وزيرة للمالية في منطقة اليورو. من المهم أن نلاحظ أن لاجارد لم تعمل يومًا واحدًا في بنك تجاري أو استثماري.

بعد كل ما سبق، أعتقد أنه سيكون من الملل التدقيق في السير الذاتية لرؤساء البنك المركزي الفيدرالي الأمريكي، لأن الحديث سيمتد ويطول بأكثر مما يحتمله هذا المقال. لكن الشيء الذي أستطيع التأكيد عليه للقارئ العزير أن الأمر لن يختلف عما سبق ملاحظته في سير رؤساء البنك المركزي الأوروبي.

لكنني قبل أن أنهي المقال، أود أن ألقي نظرة على السيرة الذاتية للمصرية التي يفخر بها كل مصري بارونس/ نعمت (مينوش) طلعت شفيق مواليد الإسكندرية 1962 التي شغلت منصب نائبة محافظ البنك المركزي الإنجليزي من أغسطس 2014 إلى فبراير 2017. درست الاقتصاد في كل من جامعة ماساتشوستش أمهرست، وكلية لندن للاقتصاد، وجامعة لندن. وحصلت على الدكتوراه من جامعة أكسفورد.

هل عملت مينوش ببنك تجاري أو استثماري قبل تعيينها بأعرق بنك مركزي في العالم؟
الإجابة بالنفي.

فكل خبرتها تنحصر إنها كانت أصغر نائب رئيس بالبنك الدولي وعمرها 36 سنة، وعملت بإدارة التنمية الدولية للحكومة البريطانية، وبصندوق النقد الدولي من أبريل 2011 إلى مارس 2014.

فلماذا لا نحذو حذو كبرى الدول المتقدمة اقتصاديًا؟
ولماذا الإصرار على تعيين مصرفيين – مهما علت كفاءتهم في مجالهم – ثبت في السنوات الماضية بما لا يدع أي مجال للشك أنها تجربة فاشلة من جميع المقاييس؟!