كارم يحيى يكتب: زميلنا شوكان.. من فضلك صور لأجلنا.. (حملة لإعفائه من استكمال فترة المراقبة)
صدمني إعلان زميلنا المصور الصحفي محمود أبو زيد “شوكان” قبل أيام بيع آلة تصويره وعدسته. تألمت لأنني تابعت معاناة الزميل منذ اعتقاله من الميدان خلال مجزرة رابعة العدوية 14 اغسطس 2013 من أجل منعه من التصوير وكشف الحقائق وتوثيقها.
شعرت بالصدمة وتألمت لأنه خلال رحلة معاناته تلك لم نسمع يوما منه أو عنه ولو كلمة اعتذار أو أسف واحدة عن ممارسة التصوير الصحفي. بل تحفظ الأرشيفات الإلكترونية رسالة له أشبه بوصية تسربت من محبسه بعد نحو 700 يوما من الاعتقال. قال فيها لزملائه :” تمسكوا بحلمي .. حاربوا لأجل الصورة.. لا تتركوا الكاميرا أرجوكم مهما كلفكم الأمر .. صوروا لأجلي “.
رحلة معاناة “شوكان” طويلة مؤلمة بين اعتقال وتعذيب وإهمال في علاجه بالمحابس ومحاكمة تفتقد إلى مقومات العدالة. رحلة استمرت لنحو خمس سنوات وسبعة أشهر حتى خرج من السجن في 4 مارس 2019. دخلها وعمره 26 سنة وخرج منها وقد تخطى الثلاثين.
لكن رحلة المعاناة لم تنته مع هذا التاريخ. فكما أشار في تدوينته على “تويتر” بشأن بيع العدسة والكاميرا فهو ما زال رهينة لرقابة يومية لنصف يوم كل يوم في قسم الشرطة. وهذه الرقابة مانعة للحياة ولحق العمل، وقد استكملت معه 9 سنوات حرمان من التصوير الصحفي.
وهنا و فوق كل هذا وذاك مالم تصرح به تدوينه شوكان. هنا والآن ما وصلت اليه الأحوال في بلادنا من إحكام قبضة منع تصوير وتسجيل الحقائق ونشرها. وقد زادت القيود في الصحافة وعلى المصورين الصحفيين بالشوارع والفضاء العام إجمالا سنة تلو أخرى بعد صيف 2013. وهكذا حتى وصل بنا الحال مع تقنين هذا الانتهاك لحرية الصحافة والحق في المعرفة في أكثر من تشريع وعبر فيض من الممارسات البوليسية والرقابية المجتمعية المعادية للكاميرا وللتصوير الصحفي. وهذ إلى ماوصلنا إليه مؤخرا من التمييز السلبي ضد الصحفيين واستثنائهم من حق المواطن في التصوير بدون ترخيص في الشارع عدا الأماكن الممنوعة. ولكن من منا لا يعرف السبب في قرار الحكومة هذا، بعدما تحول ما جرى من مضايقات أمنية مع سائح أجنبي يحمل كاميرا إلى فضيحة دولية تهدد السياحة وعوائدها.
خبر بيع كاميرا “شوكان” وتوقفه عن حلم العودة للتصوير الصحفي بالفعل صادم على نحو خاص، وإلى جانب كل هذه الملابسات والسياقات العامة المعاكسة. هو صادم أيضا لأن زميلنا حصل على جائزة منظمة “اليونسكو” لحرية الصحافة لعام 2018 . وهذا أثناء حبسه. وقد جاء في حيثياتها :” تقديرا لشجاعته ومقاومته والتزامه بحرية التعبير “. والأرجح أنه المصري الوحيد الحاصل على هذه الجائزة العالمية الرفيعة ومن الأمم المتحدة . وأظنه كذلك صادم لزملائه في شعبة المصورين الصحفيين المصريين التي كرمته في نفس العام. و كما كان قبلها بعامين ( وفي 2016) قد حصل على الجائزة الدولية لحرية الصحافة من لجنة حماية الصحفيين بنيويورك.
وهو صادم ومؤلم لزملائه الصحفيين الذين لم ييأسوا من التجمع في مدخل وبهو نقابة الصحفيين بالطابق الأرضي في مناسبات عدة على مدى سنوات مطالبين بحريته وبحرية عدسة تصويره. ولقد كنت من بينهم وقتما أشرف الزميل الأستاذ خالد البلشي مقررا للجنة الحريات بالنقابة على هذه المناسبات. وحينها تعرفنا إلى أسرته الكريمة وبخاصة والده العظيم الطيب، واستمعنا إلى رسائل “شوكان” إلينا من محبسه. ولقد رسخ لدى زملائه تمسكه بالصحافة والتصوير الصحفي طريقا من أجل كشف الحقائق وتوثيقها، وعلى الرغم من معاناته والاتهامات الظالمة أمام النيابات والمحاكم.
وهو مؤلم وصادم بالنسبة لي شخصيا كذلك عندما استرجع ما كتبت في أبريل 2014 بعد زيارتي والزميل الأستاذ أبو المعاطي السندوبي لزميلينا الشابين الصغيرين “عمرو سيد ” و”خالد حسين” بالقصر العيني الفرنساوي حينما كانا مصابين بالرصاص الحي لقوات الأمن اثناء تصويرهما صحفيا لمظاهرة داخل جامعة القاهرة. وكان “عمرو” على نحو خاص قد احتفظ جسده برصاصة قرب الشريان الأورطي لم يجر استخراجها بعد. ولا أدرى هل تم استخراجها بعد أم لا . و حينها كتبت :
” لفت نظرى كيف أن عمرو يحتفظ بالكاميرا فوق ملاءة سريره البيضاء. كائن أسطورى أسود يتحرق لكشف الحقيقة عدوة كل الطغاة. كما لاحظت كيف كانت أصابع يد الشابين تتحرك وكأنها تقوم بتشغيل كاميرا متخيلة . فقد ظلا رغم الإصابة متلهفين للعودة الى الميدان”.
والخروج من دائرة الصدمة والألم إلى ماهو أبعد وأكثر جدوى وتضامنا مع ” شوكان” يتطلب:
ـ إطلاق حملة لإعفائه من استكمال فترة المراقبة غير الآدمية ( 5 سنوات)، والتي تعرقل عمليا استئناف حياته الطبيعية وممارسة حقه في العمل كمصور صحفي.
ـ مبادرة لجمع التبرعات بين الزملاء الصحفيين لشراء كاميرا جديدة لشوكان تليق بمصور صحفي محترف. وإذ اتقدم كأول المتبرعين بمبلغ صغير، وأضع متابعة المبادرة بين يدي شعبة المحررين الصحفيين ورئيسها زميلنا الأستاذ مجدي إبراهيم بالتعاون مع موقع “درب” برئاسة تحرير الزميل الأستاذ خالد البلشي.
.. ببساطة لنقل لزميلنا العزيز الغالي الأستاذ محمود أبو زيد /شوكان ولنثبت له أنه ليس وحده، وأننا معه من أجل التمسك بحلمه، وأننا سنحارب معه لأجل الصورة ،و ندعوه ألا يترك الكاميرا مهما كلفه الأمر.
.. زميلنا “شوكان” :
من فضلك صور لأجلنا .. لأجل الناس ، والحقيقة والتاريخ الذي توثق .