دينا توفيق تكتب: ذاكرة العطر.. نوستالجيا الأبناء عن الآباء والأمهات (المسكوت عنه.. على درب الحرية)!
فاجئني أولادي الثلاثة منذ زمن بأن لى رائحة مرتبطة فى أذهانهم بوجودي ..
ظننت أنها رائحة الأمومة وسعدت ..
ولكن المدهش اللافت أن للأبناء، ذاكرة أخرى، بالإضافة لذاكرتهم عن الأم الفطرية الطبيعية والتى تخص دفء الحضن، وتلك الذاكرة أخرى بعيدة لن اقول ضبابية بل اظنها مموهة عن ثدي الأم ورائحة اللبن العتيق والرضاعة قبل الوعي؛ فلا أعرف ما قاله علماء النفس عن تلك الذاكرة البعيدة،..
ولكن ما عرفته واختبرته جيدا أن لدينا كأبناء ذاكرة أخرى هى ” ذاكرة الإعجاب”.. وكنت أظن أنني وحدي من امتلكت تلك الذاكرة عن أمها.. فهناك عطور كانت أمي تستخدمها ولم أكن أعرف أسماءها ولكنها تتشارك مع عطور أخرى في اثنين أو أكثر من مكوناتها.. حين أشمها ولو بشكل عابر، أعرفها بل يتوقد ذهنى وأنتبه وربما أقع فى حب رائحة عطر لانها تذكرني بأمي ..
ولعلني أتذكر الآن أن هناك رائحة لنوع من القطيفة الزرقاء المعطرة كانت أمي في طفولتي قد حاكت منها ثوبا رائعا وقامت بتفصيل آخر يشبهه تماما لي..
تعرفون؟.. مازالت رائحة القماشة عالقة بذاكرة أنفي أجدها فى بعض الملابس الراقية وبخاصة الفرنسية الصنع ومنها، “لانجيري” أو ثوب داخلي يلبس تحت الهدوم، اشتريته منذ بضعة أعوام .. كنت قد اقتنيته فقط ليس لجماله ولكن لأننى وضعته على أنفي فذكرني بتلك القماشة القطيفة الكحلية التى صنعت منها أمي لنا هذا ال “كابا” الذى يشبه رداء ذات المعطف الأحمر.. الحرام الذى كان موضة للغاية فى السبعينيات ورأيت مرفت أمين وهند رستم يرتدون ما يشبهه فى أفلامهما.. منذ أعوام أخبرني أبنائي أن حضني وملابسي منطبعين بنوستالجيا عطر البربري “ويك اند” ..
اليوم ساعة العصرية، وبعد أن فرغ عمر ابنى من إعداد طعام شهي لنا جاء إلى حجرتي نرغي ويرش من زجاجة الكحول الخاصة بى بجوار سريري .. وتطرق حديثنا عن الكحول الذى يحرص ان يرشه دائما وانه أشطر واحد فى البيت فى تطهير نفسه… فأخبرته أنني أضفت قطرة من ويك اند إلى كحولي..
أخذ عمر يشم يديه وفاجئني أنه مازال يتذكر شكل علبة البربري التى تمثل رائحتى عنده.. وكذلك “إسبراى أو ديودرنت” آخر كنت أضعه وقال لي إنه “بورجوا” العلبة النبيذي والأخرى البيج ..
شىء فاتن الحقيقة لم أتوقعه
فعلا أبهجني أن أبني لازالت عالقة بعينه وأنفه رائحة قديمة لم يعد المصنع ينتجها .. وإن كنت مازلت أتعطر بويك إند القديمة وأبحث عنها واقتنيها مهما استخدمت وتعطرت بأخر وأجمل صرعات العطور ..
ياااااه الابناء يشعروننا احيانا بمشاعر تفوق اعظم حكايات الغرام ..
وربما كانت النوستالجيا شريكة لي يوما حين حدث فى الماضي، حوالي ٣٥ عاما، أن شعرت بميل لوالد أبنائي وقررت الزواج منه، وربما تكون الذكرى طيشا أفضى إلى ثلاثة أبناء.. أضحك الآن من قلبي..
هل تعرفون لماذا؟
لان رائحته أعجبتني ..!!
كانت رائحته تشبه رائحة أبي البعيدة، رائحة بها خليط بين رائحة سجائره وعطر “أوبسس” الذي عشقته ..
صدقوني إنها المرة الأولى التى اعترف فيها هذا الإعتراف الخطير الذي يشي بتهوري وحماقتي فلتلك الذاكرة العطرة محلها كتابة أخرى ..
المهم
أصارحكم أننى مهما شعرت بالضيق وربما تحدث مشادات متعددة بيني وبين أبنائى “ونقار كالديوك” وبخاصة عمر حبة القلب من جوة إلا أنهم ثلاثتهم غرامي الأول والأخير ..
انها نوستالجيات الأبناء عن آبائهم التى تنحفر فى الذاكرة .. وسأحدثكم يوما عن نوستالجياتى البديعة والمضحكة عن وجودهم وروائحهم فى ذهني ههههههه .