يحيى حسين عبد الهادى يكتب: كلمة السر.. فؤاد حداد
كان من حظى أن القضية التى حُبـستُ على ذمتها ليلة ٢٩ يناير ٢٠١٩ كان مسموحاً فيها بزيارة أقارب الدرجة الأولى (كان معى كثيرون ممنوعين من الزيارة منذ حوالى ٨ سنوات .. لم يروا أحداً طوال هذه الفترة إلا زملاء السجن .. وهم رغم هذا أحسن حالاً من المحبوسين انفرادياً الذين لا يرون إلا جدران زنازينهم) ..
كانت الزيارة للمسموح لهم بالزيارة مثلى تُضاعـفُ الحزنَ لا البهجة.. نصطف حوالى ١٥ سجيناً متلاصقين خلف حاجزٍ من الحديد المثقوب لا نرى منه إلا بصعوبة .. وبعده بحوالي متر حاجزٌ مماثل يصطف خلفه الزوار متلاصقين أيضاً (معظم الزوار نساء .. أمهات، زوجات، بنات، أخوات .. تركن بيوتهن قبل الفجر ليحجزن دوراً قبل الظهر وقد لا يأتي دورهن إلا مع أذان المغرب) .. مدة الزيارة لا تزيد عن ربع ساعة .. بمجرد أن تبدأ يأخذ الجميع فى التصايح فى وقتٍ واحدٍ بأعلى صوت فلا يمكن تفسير كلمة واحدة مما يقال .. (لا تَسَلْ أصلاً عما يمكن أن يقال بين زوج وزوجته أمام ٣٠ فرداً) ..
تنتهى الزيارة وقد تَضَاعَفَ حزنُ السجناء وزوارهم .. اتفقت مع زوجتى مبكراً على كيفية تجاوز هذه المأساة .. بمجرد أن نفشل فى سماع بعضنا البعض (وهو ما كان يحدث دائماً) أهتف بأعلى صوتى: فؤاد حداد .. وهى كلمة السر التى تعنى لكلٍ مـنّا بيتَ فؤاد حداد الشهير (الابتسام اللى أجمل من السلام بالإيد) .. فنتوقف عن الصياح ونكمل فترة الزيارة مبتسميْن .. وتكون الابتسامة هى آخر ما يراه كلٌ مـنّا من الآخر .. يعيش عليها حتى موعد الزيارة التالية بعد شهر .. وانتصرنا.
٢٩ يونيو ٢٠٢٢