د. أحمد حسين يكتب عن تدني رواتب أطباء الامتياز: 10 آلاف طبيب أرخص من مسلسل
منذ قرابة الشهرين وأطباء الامتياز يضجرون بالشكوى بعد أن سبقهم إليها زملاءهم العام الماضي دون مسمع أو إستجابة من أحد،لا يشكون ضعف أجورهم، بل يشكون عدم حصولهم على المستحقات المالية المقررة لهم بالفعل.. فالقانون رقم 153 لسنة 2019 والمعدل للقانون 415 لسنة 1954 قرر لهم مستحقات مالية تقدر بـ80% من إجمالي ما يتقاضاه الطبيب المقيم والذي يتقاضى متوسطًا قدره أربعة آلاف جنيه،أي أنه من المفترض أن يتقاضى طبيب الإمتياز مبلغًا ماليًا قدره 3200 جنيه تقريبًا كل شهر، بعيدًا عن أن أعلى رقم في الأرقام المكتوبة لا تكافيء ما يتقاضاه عامل البوفيه في بنك أو خفير نظامي-وهذا حقهم- فإن ما يتقاضاه طبيب الإمتياز حاليًا لا يتخطى مبلغ 1900 جنيه شهريًا..10 الآف طبيب وطبيبة تقريبًا هذا العام يعيشوا نفس المآساة التي عاشها زملاءهم العام الماضي.
ليعرف القاريء، طبيب الامتياز هو الطبيب الذى أنهى سنوات دراسته الأكاديمية والأكلينيكية ويقوم بقضاء سنة تدريب (تم تعديلها إلى سنتين في الدفعات القادمة) عملي، ولا يحق لطبيب الامتياز أن يعمل خلال فترة التدريب خارج المستشفيات الحكومية، أي أنه لا مورد له سوى هذه المكأفاة الضئيلة المقررة بالقانون والتي استكثرها المسؤولون عليهم فاستقطعوا منها قرابة نصفها.. ففي حين أن الحد الأدنى للأجور طبقًا لقرار رئيس الوزراء لأدنى درجة وظيفية وهي السادسة 2700 جنيه فإن ما تصرفه الحكومة لطبيب الامتياز بعد دراسة 6 سنوات أقل من 1900 جنيه!.
سلم طويل من المسؤولين في الجهات المختلفة، المستشفيات الجامعية، وزارة المالية، بوابة الشكاوى الحكومية خاطبوهم أطباء الامتياز دون مجيب ولم تكن نقابة الأطباء أوفر منهم حظاً عندما خاطبت وزير المالية بمشكلة الأطباء.
نوادر وطرائف في كشوف مستحقات الامتياز
أمضوا نفس سنوات الدراسة ويقضون نفس سنة التدريب والمفترض أنهم سيطببون نفس المرضى وقانون واحد يخاطبهم.. إلا أنه عندما تتفحص كشوف أو مفردات مستحقات أطباء الامتياز ستجد عدة إختلافات من جامعة لأخرى ولم تخل تلك الكشوف من الطرائف، في مستشفى الحسين الجامعي التابعة لجامعة الأزهر يتقاضى طبيب الامتياز 1833 جنيهًا، وفي جامعة المنوفية 1815 جنيهًا، وفي الزقازيق 1805 جنيهًا، أما في طنطا فيتقاضى طبيب الامتياز 1833 جنيهًا، وزادت في المنيا إلى 1942 جنيهًا أما أسيوط فكانت الأعلى لتصل إلى 2047 جنيهًا..استقطاعات كثيرة تتفق في معظمها جميع الجامعات وتزيد بعضها عن الأخرى، تأمين الشيخوخة والعجز، تأمين إصابة العمل، تأمين المرض، ضريبة كادر، الدمغة، مخاطر، نهاية خدمة، صندوق تكريم شهداء وضحايا العمليات الحربية والإرهابية..هل ستضم سنة الامتياز لسنوات العمل للطبيب حتى يتم استقطاع التأمينات والمعاشات،لماذا تخصم ضريبة كادر وهم لا يتقاضون كادر المهن الطبية، ولماذا يتم الخصم منهم لصالح صندوق شهداء الجيش والشرطة، ولما هذه الاختلافات من جامعة لأخرى..تلك أيضًا أسئلة يطرحها أطباء الامتياز دون جواب.
وفي عالم موازي على نفس أرض الوطن، في عالم الدراما المصرية لا شكاوى من ضيق حال أو ضعف أجور أو استفسارات عن استقطاعات.
في تقرير نشرته BBC بالعربي ذكر أنه في رمضان هذا العام أنتج العالم العربي 127 مسلسلًا استحوذت مصر منها على نصيب الأسد، فكانت مصر هي أكثر الدول العربية إنتاجًا لمسلسلات رمضان بعدد 36 مسلسلًا، وتناولت مواقع إعلامية أخرى تكلفة إنتاج المسسلسلات فرصدت بعضها أن أعلى مسلسل تكلفة هذا العام تخطى الـ 100 مليون جنيه تلاه مسلسل بتكلفة 90 مليون جنيه ثم الثالث بتكلفة 80 مليون جنيه، بينما تناولت بعض المواقع أعلى الممثلين أجوراً فذكرت أن نجم أحد المسلسلات تقاضى 30 مليون جنيه والنجم الثاني مرتبة 14 مليون جنيه.
مقدار ما تقتصه الحكومة من مستحقات عشرة الاف طبيب وطبيبة بعد جهد ودراسة لمدة 6 سنوات يبلغ 14 مليون جنيه شهريًا أو 168 مليون جنيه سنويًا تقريبًا، قد تجد الحل سهلًا عند أحدهم، بأن هذه المبالغ لا تكافيء إنتاج مسلسلين كان بالأجدر أن تنتقص الحكومة عدد المسلسلات اثنتين فقط لتوفر مستحقات عشرة الاف طبيب وطبيبة، حل سطحي ومفجع أن يُطرح في زمن تأكد فيه أن المسلسل أفضل تأثيرًا من ألف كتاب فالبديهي أن يكون ممثلًا أفضل للمجتمع من 10 الاف طبيب.
لا أطلب تقشفًا في إنتاج الدراما، أو إقتصادً في مآدب الإفطارات، أوحتى ترشيدًا للزيارات وبالتالي توفيرًا في تكلفة تأمين المواكب..كل ما نطلبه أن يخرج علينا مسؤولاً واحداً ليقنع الأطباء بالبقاء داخل مصر وطرد فكرة الهجرة من أذهانهم.