د. إيهاب الطاهر عضو مجلس نقابة الأطباء: 60% من الأطباء هاجروا للخارج.. و«قيمة النوبتجية» لمدة 12 ساعة متواصلة 45 جنيهًا
الطاهر: تدني الأجور رأس عوامل الطرد لأن الطبيب لا يستطيع أن يعيش حياة كريمة إلا إذا عمل بعدة جهات خاصة بجانب عمله الحكومي
كتب: عبد الرحمن بدر
قال الدكتور إيهاب الطاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء: “لاحظنا فى السنوات الأخيرة تزايد معدل هجرة الأطباء من مصر، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد الأطباء الذين هاجروا للخارج، إلا أن التوقعات تشير إلى أن حوالى 60% من الأطباء قد تركوا العمل بمصر وتوجهوا للعمل بالخارج، سواء بالدول العربية أو الأجنبية، مما نتج عنه عجز فى أعداد مقدمى الخدمة الصحية بمصر خاصة ببعض التخصصات التى تحتاج جهدا أكبر وخطورة أعلى فى ممارستها.
وتابع في تصريحات له: “قرأءنا على سبيل المثال ملاحظة لأحد الزملاء الأطباء الذين يعملون بانجلترا وقد كتب بأن الطائرة التى أقلته من القاهرة إلى لندن فى رحلة عودته من إجازته السنوية، كانت مكتظة بشباب الأطباء المسافرين للعمل هناك، حتى أنه قضى بطابور الجوازات عدة ساعات وعندما حان دوره إذا بموظف الجوازات الإنجليزى يسأله من الذى بقى ليعالج المصريين!”.
وأضاف الطاهر: “في الحقيقة هذه الجملة التى قالها موظف الجوازات الإنجليزي يجب أن توقظنا جميعا من غفوتنا، فإذا كنا بالفعل نشعر بخطورة ذلك على الأمن القومى الصحى لمصر، فعلينا دراسة أسباب هذه الظاهرة، وذلك قبل أن نشرع بمحاولات وضع حلول قد تكون عشوائية وضررها أكثر من نفعها، فقد رأينا البعض يبادر باقتراح منع الأطباء من السفر والبعض الآخر يقترح زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب وغيرها من الحلول التى وضعت على عجل دون دراسة أسباب هذه الظاهرة الخطيرة، فهذا يشبه لأن يقوم طبيب بكتابة علاج لمريض قبل أن يشخص حالته المرضية فقد يؤدى العلاج الخاطىء لتفاقم المرض”.
.
وقال عضو مجلس النقابة: “إذا أردنا وضع أيدينا على الأسباب الحقيقة فنحن نعلم أن هناك عوامل طرد من بيئة العمل بمصر مقابل عوامل جذب من الدول الأخرى”.
وتابع: “تدنى الأجور يعتبر على رأس عوامل الطرد من مصر حيث أن الطبيب الشاب لا يستطيع أن يعيش بالحد الأدنى من الحياة الكريمة إلا إذا عمل فى عدة جهات خاصة فى نفس الوقت بجانب عمله الحكومى مما يجد معه صعوبة فى التوفيق بين جهات العمل وبعضها من ناحية، وبين عمله ودراسته العليا وتدريبه فى الوقت ذاته، هذا إذا غضضنا الطرف عن كونه إنسانا ومن حقه أن يقضى بعض الوقت مع أسرته”.
وأضاف: “فلا يعقل مثلا أن يكون إجمالى مرتبه لا يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه وأن تكون قيمة النوبتجية لمدة 12 ساعة متواصلة هى 45 جنيه أي ثلاثة جنيهات وبضعة قروش فى الساعة، وخلال ساعات عمله الشاقة يواجه بالعديد من الأخطار مثل التعرض المباشر للعدوى ناهيك عن الإعتداءات المتكررة وتحميله عبء نقص أى مستلزمات، وحتى أبسط قواعد الإقامة الكريمة غير موجودة بمعظم المستشفيات فلا يخفى علينا الحالة المتردية لمعظم أماكن إقامة الأطباء بالمستشفيات”.
وواصل: “بالطبع فليس التقدير المادى فقط ما يعانيه الطبيب المصرى، بل أيضا الحملات المتكررة التى نراها تنطلق خاصة كلما طالب الأطباء بحق من حقوقهم، فيتم إعلان اتهامهم بالإهمال ويتم وضعهم كبش فداء لجميع أسباب قصور المنظومة الصحية، مما أدى تدريجيا لاستعداء وشحن المجتمع ضدهم وتسبب فى تزايد حالات الإعتداء على الأطباء دون وجود قوانين رادعة لحمايتهم أثناء عملهم، وعلى الرغم من قيام نقابة الأطباء بتقديم مشروع قانون للبرلمان بتشديد عقوبة الإعتداء على المنشآت الطبية والعاملين بها إلا أن هذا المشروع حبيس أدراج البرلمان منذ سنوات!”.
وقال الطاهر: “العجيب أيضا أن يتم محاسبة الأطباء فى قضايا أخطاء المهنة بموجب قانون العقوبات فى سابقة لا تحدث فى أى من دول العالم التى تحرص على منظومتها الصحية، ففى دول العالم توجد قوانين خاصة للمحاسبة الطبية للتفريق بين المضاعفات المرضية وبين الخطأ الطبى وبين الإهمال الجسيم أو ما نسميه الجرائم الطبية”.
وتابع: ” قامت نقابة الاطباء بتقديم مشروع قانون للمسئولية الطبية يحفظ حق الطبيب وحق المواطن بطريقة علمية دون الانجرار لحملات التشهير التى لا تؤدى سوى لفقدان الثقة بعموم الأطباء بل والحط من قدر المنظومة الصحية المصرية فى عيون العالم، إلا أن مشروع القانون مازال قيد الدراسة منذ سنوات بمجلس النواب، مما جعل ممارسة العمل الطبى بمصر محفوفة بالمخاطر فكيف سيقبل الطبيب مثلا على علاج حالة معقدة نسبة شفاءها قليلة وهو يرى سيف السجن مسلطا على رقبته!؟”.
وأضاف عضو مجلس النقابة: “يضاف لذلك صعوبة الالتحاق بالدراسات العليا وإرتفاع تكاليفها، ولنا أن نعرف أن قانون رقم 14 لسنة 2014 الذى صدر منذ أكثر من سبع سنوات ينص على تحمل وزارة الصحة لتكاليف الدراسات العليا، ولكن الوزارة فى تحد صارخ للقانون لم تقم بدفع المصاريف لأى طبيب، فلمن يذهب الأطباء للمطالبة بحقهم إذا كانت قوانين الدولة لا تنفذ!؟”.
وقال الطاهر: “وسط كل هذا نجد جولات إعلامية لبعض المسئولين تحاول إلقاء أسباب قصور الخدمة الصحية فى أى جهة على كاهل الأطباء، فى محاولة منهم لإبعاد الأنظار عن أى نقص بالأجهزة أو المستلزمات أو بيئة العمل، ناهيك عن تعرض الأطباء للتعسف الإدارى المتكرر الذى يحول جهة العمل إلى مكان ثقيل على النفس”.
وتابع: “فى الوقت الذى نجد فيه تعرض الأطباء فى مصر لكل هذه المعوقات التى تجعل بيئة العمل طاردة لهم من بلدهم، فإننا فى المقابل نجد أن الدول الأخرى تعرف قدر الطبيب المصرى وأمانته وجديته فتضع له المحفزات وعوامل الجذب، من تسهيلات فى السفر إلى أجر كريم وبيئة عمل لائقة ونظام محاسبة علمية ولوائح عمل دقيقة تحفظ الحقوق والواجبات، مما جعل وتيرة هجرة الأطباء للخارج تتزايد”.
وأضاف الطاهر: “من نافلة القول ان المشكلات التى أدت لتزايد هجرة الأطباء معروفة وحلولها أيضا معروفة وهى ببساطة تكمن فى علاج الأسباب بشكل حقيقى، وليس بدفن الرؤوس بالرمال ومحاولة البحث عن أى حلول غير منطقية، فبالطبع ليس حلا أن يفكر البعض فى محاولة منع سفر الأطباء لأنه من الناحية القانونية غير دستورى أما من الناحية العملية فهو غير ممكن، كما أنه ليس من الحلول زيادة عدد المقبولين بكليات الطب أولا لأننا نحتاج حوالى 14 سنة منذ دخول طالب الطب للكلية حتى يصبح طبيب متخصص، وثانيا وهو الأهم أنه مهما زاد عدد الخريجين فسوف يلحقون بمن سبقهم للخارج طالما بقيت نفس المشكلات موجودة”.
واختتم: “في النهاية لأي مسؤول يعتمد على العلاج بالخارج ويظن أنه بمنأى عن تبعات هذه المشكلة، فإننى أقول له بصراحة بأنه حال وقوع أى حادث لك أو لأفراد أسرتك -لا قدر الله- فسوف يتم علاجك بمصر وسيكون أول من يقابلك بقسم الطوارىء هو هذا الطبيب الشاب الذى تجاهلت أجره العادل وبيئة عمله المناسبة وتدريبه المستحق، وبالطبع فمهما كانت تكلفة الحلول الجذرية فهى تتضائل أمام أهمية الأمن القومى الصحى للشعب”.