توصيات دار الخدمات في تقرير “انتهاكات حقوق العمال”: حق تنظيم النقابات وتوسيع الحوار المجتمعي وتعديل قوانين وتأمين بيئة العمل
الدار: تأسيس المنظمات النقابية محاط بالعقبات وتستغرق سنوات لإيداع أوراقها.. ونصوص القانون تثير الالتباس
لا وجود لحوار مجتمعي جدي خلال إعداد ومناقشة القوانين العمالية رغم ارتباطها بمصائر وأوضاع ملايين المصريين
مشروع قانون العمل الجديد أبقى على القيدين الأسوأ من شروط الإضراب.. والتباس اختصاص المحكمة العمالية مع باب إنهاء علاقة العمل تناقض واضح
عشرات العمال يذهبون ضحية كوارث مخالفات السلامة المهنية.. وضعف آليات الرقابة أبرز الأسباب
كتبت- هناء عبد الدايم
استخلصت دار الخدمات النقابية والعمالية، 4 توصيات في تقريرها السنوي بشأن انتهاكات حقوق العمال عن عام 2021، الصادر في الرابع من فبراير الحالي، تحت عنوان “الحركة العمالية بين الترقي والحذر”.
وأكدت الدار ضرورة التأكيد على الحق في تنظيم النقابات، وفتح الباب للحوار المجتمعي الذي يتسع جميع الأطراف فيما يتعلق بالقضايا والحقوق العمالية، مع تعديل القوانين المنظمة لعلاقات العمل، بما يضمن حقوق العمال داخل أماكن العمل أو حال إنهاء العلاقة.
كما شددت على ضرورة توفير وسائل السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل في أماكن العمل، واتخاذ جميع الاحتياطات والتدابير اللازمة للوقاية من كافة أنواع المخاطر.
وقالت الدار، في تقريرها السنوي، إنه رغم صدور القانون رقم 213 لسنة 2017 وتعديلاته بالقانون رقم 142 لسنة 2019، ما يزال العمال المصريون يعانون من افتقاد منظماتهم النقابية المستقلة التي تتأسس بإراداتهم الحرة، ويضعون دساتيرها، ويديرون شئونها بأنفسهم،.ما تزال عملية تأسيس المنظمات النقابية محاطة بالعقبات.
وأضافت أن المنظمات النقابية التي تتأسس عليها الانتظار شهوراً وربما سنوات لكي تتمكن من إيداع أوراقها وإتمام تسجيلها، لم تزل المنظمات النقابية التي تتشكل في منشآت أو وحدات إدارية تتواجد بها لجان نقابية تابعة للاتحاد العام لنقابات عمال مصر تصادف عقبات مضاعفة – هذا إذا حالفها الحظ ونجحت في إيداع أوراقها – حيث يحرك التابعون للاتحاد الرسمي الدعوات القضائية ضدهم، فتتوقف مديريات القوى العاملة عن إعطائهم الخطابات اللازمة لتسيير أعمالهم، وتتوقف جهة الإدارة في منشآتهم عن الاعتراف بهم –بالمخالفة للقانون-.
وأوضحت الدار أن إدارة الفتوى التابعة لمجلس الدولة ما تزال تصدر فتاواها بعدم شرعية المنظمات النقابية المستقلة، فيترتب على ذلك فصل رئيس منظمة نقابية من عمله (في هيئة تعليم الكبار)، ورفض الإدارة التعامل مع منظمة نقابية (بمكتبة الإسكندرية) تم تسجيلها بعد أكثر من ثلاث سنوات من النضال والمحاولات المتكررة.
ووفقا للتقرير، وتكمن المشكلة من ناحية في نصوص القانون التي تثير الالتباس وأبرزها وضع “ال” التعريف لعبارة “لجنة نقابية”، رغم التأكيدات الحكومية إبان مناقشة القانون في البرلمان أنها لا يُقصد بها “لجنة نقابية واحدة”، ورغم محاولات اللائحة التنفيذية للقانون التأكيد على حرية تأسيس المنظمات النقابية.
ومن الناحية الثانية يتعثر تطبيق القانون على الأرض بين مديريات القوى العاملة التي ترفض- جميعها- إيداع أوراق المنظمات النقابية المستقلة ما لم تتلقَ تعليمات وزارية مباشرة باستلام أوراق منظمة نقابية بعينها.. ليكون على المنظمة اللجوء إلى اللجنة الوزارية المشكلة ومناقشة أوراقها في عملية تستغرق شهوراً أو سنوات عديدة.
فضلاً عن ذلك، ما تزال نصوص القانون المستنسخة من قانون مصادرة الحريات النقابية المُلغى في شأن تنظيم الانتخابات النقابية كما هي تنذر بتجاوزات لا حصر لها أثناء إجراء الانتخابات هذا العام (2022).
في يونيو 2019 ناقش مجلس النواب مشروع قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات، ووافق عليه على عجالة في يومين اثنين قبل نهاية دور انعقاد المجلس ليصدر القانون رقم 148 لسنة 2019 في أغسطس 2019، وفي نوفمبر وديسمبر الماضيين (2021) جرت مناقشة مشروع قانون العمل الجديد في لجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشيوخ، ثم أُحيل المشروع إلى الجلسة العامة لمجلس الشيوخ المتوقع انتهاؤها من مناقشته في منتصف فبراير الجاري.
وأوضحت التوصيات أنه رغم أن القانونين من التشريعات الاجتماعية، وتتعلق بهما مصائر وأوضاع ملايين المصريين، إلا أن حواراً مجتمعياً جدياً يتسع لكافة الأطراف المعنية قد غاب أثناء إعدادهما ومناقشتهما، حيث ترتب على ذلك إصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات مشوبةً بعض مواده بعدم الدستورية، ويؤدي البعض الآخر منها إلى الإضرار بمصالح فئات متعددة من العمال.
وتابعت: “أعمال مجلس الشيوخ بشأن مشروع قانون العمل تنذر بالإبقاء على عدد من مواد قانون العمل الحالي التي أثبتت خبرة تسعة عشر عاماً مشاكل تطبيقها على الأخص فيما يتعلق بالأمان الوظيفي، والحق في الإضراب”.
وكان رئيس مجلس الوزراء قد أصدر القرار رقم 799 لسنة 2018 بإنشاء المجلس الأعلى للحوار المجتمعي في مجال العمل برئاسة وزير القوى العاملة، وعضوية ممثلين عن إحدى عشرة وزارة، فضلاً عن ستة أعضاء يمثلون منظمات أصحاب الأعمال المعنية، وستة أعضاء من رؤساء وأعضاء مجالس إدارات اتحادات العمال المعنية (حيث تم استبعاد ممثلي المنظمات النقابية المستقلة).
غير أن الكثير من العاملين لم يعرفوا شيئاً عن هذا المجلس، بل لم يلحظوا وجوده نهائياً، على النحو الذي يقطع بانفصاله عنهم، وصعوبة افتراض الالتفات إلى مصالحهم فيما يبديه من آراء.
ورغم أن قرار تشكيل المجلس ينص على اجتماعه مرة كل 3 أشهر على الأقل، أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك، إلا أننا لم نشهد ما يدل على انتظام هذه الاجتماعات، ولم تُعلن أية تقارير عن أعمالها، اللهم سوى إشارة الحكومة إلى استطلاع رأي المجلس لدى إصدار أو عرض بعض القوانين ذات صلة بأوضاع العمل.
وأشارت الدار إلى أن آلية المجلس القومي للأجور التي عجزت عن الانتظام على امتداد الأعوام السابقة، انتهت مؤخراً إلى مقايضة حق العاملين بالقطاع الخاص بتطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم بتخفيض العلاوة الدورية (التي كانت 7% من الأجر الأساسي إلى 3% من الأجر التأميني)، حيث تستبعد هذه الآلية أيضاً المنظمات النقابية المستقلة وممثلي الأطراف العمالية، فيما عدا الاتحاد العام لنقابات عمال مصر (الاتحاد الرسمي).
وبشأن القوانين التي تنظم علاقات العمل، أكدت الدار أنه رغم اعتراف قانون العمل الحالي رقم 12 لسنة 2003 بحق العمال في الإضراب، إلا أنه قيد هذا الحق بقيود وشروط جعلت ممارسته وفق القانون أمراً شديد الصعوبة، وواقع الحال أن ذلك لم يؤدِ إلى إثناء العمال عن تنظيم الإضرابات التي يضطرون إلى اللجوء إليها ابتداءً بسبب تعذر المفاوضة الجماعية بشأن مطالبهم التي يتلاحظ أنها في كثير من الأحيان تكون مطالبة بتطبيق القانون أو القرارات الصادرة.
وأوضحت أن ذلك قد يؤدي إلى تعرُض العمال لإجراءات تعسفية بدءاً من توقيع الجزاءات المغلظة إلى الفصل من العمل، وانتهاءً بالقبض عليهم وعرضهم على النيابة أو حبسهم احتياطياً لبضعة أيام، أو أسابيع، ومع لجوء العمال الذين يتم فصلهم من عملهم ربما تصدر الأحكام القضائية في غير صالحهم على سند من تنظيمهم إضراب دون إتباع الإجراءات التي رسمها القانون.
كما نوهت إلى أن مشروع قانون العمل الجديد أبقى على القيدين الأسوأ من شروط الإضراب وهما عدم تنظيمه فى المنشآت الإستراتيجية والحيوية التي كان قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1185 لسنة 2003 قد صدر بتحديدها لتشمل جميع المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات وجميع وسائل نقل الأشخاص والبضائع، ومنشآت مياه الشرب والغاز والكهرباء والصرف الصحي، والاتصالات، والمؤسسات التعليمية، وإلزام العمال بإخطار كلٍ من صاحب العمل والجهة الإدارية على أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب ومدته الزمنية – حيث غني عن الذكر أن الإضراب عادةً ما يستمر حتى تحقيق المطالب أو بدء المفاوضة بشأنها أو الوصول إلى حل مرضي للطرفين-.
ومن ناحية أخرى، أبقى مشروع القانون على ما ينطوي عليه قانون العمل الحالي من التناقض والالتباس اللذين عانى منهما العمال طوال السنوات السابقة، حيث ينص القانون في الباب الخامس منه على أن يكون الاختصاص بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة للمحكمة العمالية.
ويحدد القانون على سبيل الحصر الحالات التى لا يجوز فصل العامل فى غيرها، بينما ينص في الباب السابع (انقضاء علاقة العمل) على أنه “إذا كان عقد العمل غير محدد المدة، جاز لكلٍ من طرفيه إنهاؤه بشرط أن يخطر الطرف الآخر كتابةً قبل الإنهاء”.
وكانت النتيجة العملية لهذا الالتباس تتبدى بوضوح أمام المحاكم العمالية، حيث يتمسك الطرف العمالى بمخالفة قرار فصل العامل لنصوص القانون، بينما يدفع صاحب العمل باستخدامه حقه فى إنهاء علاقة العمل وأحياناً تحكم المحكمة بمخالفة قرار الفصل للقانون، بينما يصدر الحكم أحياناً معتبراً الأمر إنهاء لعقد العمل من جانب صاحب العمل ولا يستحق العامل فى هذه الحال أكثر من التعويض عن عدم الإخطار قبل الإنهاء (ما يعادل أجر شهرين أو ثلاثة أشهر فى أفضل الأحوال).
وبشأن ضحايا مخالفات قواعد السلامة والصحة المهنية، شدد التقرير على أنه رغم ما ينص عليه قانون العمل في الكتاب الخامس منه من إلزام المنشآت بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل في أماكن العمل، واتخاذ جميع الاحتياطات والتدابير اللازمة للوقاية من كافة أنواع المخاطر، والتزام المنشآت بإجراء تقييم وتحليل للمخاطر والكوارث الصناعية والطبيعية المتوقعة وإعداد خطة طوارئ لحماية المنشأة والعمال بها عند وقوع الكارثة، على أن يتم اختبار فاعلية هذه الخطة وإجراء بيانات عملية عليها للتأكد من كفاءتها وتدريب العمال عليها.
كما ينص القانون على أنه في حالة امتناع المنشأة عن تنفيذ أحكام القانون والقرارات المنفذة لها في المواعيد التي تحددها الجهة الإدارية المختصة، وكذلك في حالة وجود خطر داهم على صحة العاملين أو سلامتهم، يجوز لهذه الجهة أن تأمر بإغلاق المنشأة كلياً أو جزئياً أو إيقاف آلة أو أكثر حتى تزول أسباب الخطر، ولها كذلك إزالة أسباب الخطر بطريق التنفيذ المباشر على نفقة المنشأة.
وواصل التقرير: “رغم ذلك، تتكرر الكوارث التي يروح ضحيتها عشرات العمال، والتي ربما كان آخرها حريق مصنع الملابس الجاهزة بالعبور، وانهيار سقف أحد العنابر فوق العمال أثناء العمل في شركة النصر للصباغة والتجهيز بالمحلة الكبرى (قطاع أعمال عام !!)، فضلاً عن الأمراض المهنية التي تنتشر في صفوف العمال”.
واستكملت: “يعود ذلك إلى أمرين، الأول: الضعف الشديد لآليات الرقابة الذي يكاد يصل إلى انعدام الفاعلية، ربما يعود ذلك إلى قلة عدد مفتشي العمل أو انخفاض كفاءتهم، أو بيروقراطية الأداء والاكتفاء باستيفاء الأوراق دون اتخاذ إجراءات عملية، ولا يمكن في هذا الصدد أيضاً استبعاد احتمالات الفساد مع انعدام الشفافية، والثاني: غياب المنظمات النقابية الفاعلة كممثل للعمال رقيب وشريك في متابعة إجراءات السلامة والصحة المهنية”.