د. أحمد حسين يكتب: سامسونج والجنيه.. بضاعتكم ترّد إليكم
مئات المليارات تهدر لإستقطاب لاعبي المستديرة، ومثلها لأبطال المهرجانات، والأفلام والليالي الملاح، بينما يعيش حد الكفاف العلماء والأطباء والمعلمون.. مليارات مثلها يتم صرفها لتنظيم المؤتمرات والدعاية لها بينما تئن المستشفيات والمدارس من سوء حالها، وفي عالم أخر تصبغ دماءٌ حصى الطرق ومياه الترع وتقبض الجدران على ضلوع بشر.
آلة الإعلام التي يديرها مناصفة جهاز سامسونج ورأس المال، شريكان اتفقا على الترويج للعالم الأول، والصدح بعدل وأمانة ورقي ووطنية قاطنيه، الجزء الثاني في الإتفاق هو تجهيل أو إستعباد قاطني العالم الأخر، وإلا قتل أو تخوين من يستعصى عليهم.. بين قانون السماء الذي يحكم برد بضاعة العالم الأول إلى المستفيدين منه، وبين قانون البشر الذي يُخرِس مقهوري العالم الآخر، تحت أحكام القانونيّن توهَّمنا العَيشُ بالأمس ونتوهمه اليوم أملًا في عدلٍ بالغد أو قضاءٍ بالموت.
بالأمس تم وقف مقدم برنامج شهير فقط لأنه سمح بمداخلة أرملة شهيد شرطة، اشتكت فيها سوء أحوالهم المادية، فقد رأى أصحاب آلة الإعلام أنها إهانة لجهاز الشرطة المصرية.. بينما لم تلتفت هذه الآلة إلى صرخات أسر شهداء الفريق الطبي من سوء أحوالهم ونداءاتهم بمعاملتهم معاملة أسر شهداء القوات المسلحة والشرطة.
اربط بين حرفي السين والياء في جملة نقدية، تحدث أو اكتب عن تاريخ تم تشويه وأرواح قتلت وهي تطلب العلاج، عن أراضٍ بيعت ومساكن أُزيلت وأثار هُدّمت، عن سوء معاملة في قسم شرطة أو المرور.. لا أنصحك بخوض إحدى تلك التجارب فالنتيجة محسومة وإن كانت متدرجة بين فقدك عملك وإقامتك إحدى فنادق طرة أو النطرون، دون ذلك فالأمور جميعها متاح، إن كنت معلمًا للغة الفرنسية فلا غضاضة أن تتحدث في الطب، لا مانع أن تكون خريجًا لكلية التربية الرياضية وتصدر نصائح في التغذية الصحية، وعلى غرار وجود مائة مليون مصري يضعون خطط اللعب لمنتخب الكرة، فأيضًا مباح للمائة مليون أن يقدموا النصائح الطبية للمرضى ويصفوا لهم الأدوية، فالنتيجة واحدة خسارة المنتخب وموت المصريين، لكن قد يختلف الأمر عندما يتعلق بأحدهم من محركي آلة الإعلام.
في الثاني من أبريل 2020 استضاف الإعلامي وائل الإبراشي عبر برنامجه على القناة الأولى بالتلفزيون المصري، الطبيب هاني الناظر إستشاري الأمراض الجلدية ليتحدث عن نظريات وتوصيات في أزمة كورونا، ويصدر فتوى بأن إرتفاع درجة الحرارة يؤثر سلبًا على فيروس كورونا، ونصح طبيب الجلدية على الهواء مباشرة المواطنين بعدم إستخدام مكيفات الهواء، قبل هذا اللقاء التلفزيوني وحتى يومنا هذا، تؤكد منظمة الصحة العالمية عدم تأثر نشاط فيروس كورونا بدرجة الحرارة وانتشار الفيروس في المناطق الحارة والباردة على حد سواء.. كم من كبار السن ومرضى السكري والمرضى النفسيين وغيرهم ممن يتأثروا بإرتفاع درجات الحرارة أُضيروا من تنفيذ نصيحة طبيب الجلدية المهداة عبر برنامج الإعلامي، ليس مهمًا فكما قلت لك الصحة وأرواح المصريين خارج دائرة الحظر.
(و. ا)، خريجة تربية رياضية تقدمها شاشات الفضائيات والمواقع الإعلامية على أنها دكتورة جلدية وتجميل وما تزال تمارس الطب وتقوم بتدخلات علاجية للمرضى رغم صدور حكم قضائي بحبسها لتسببها في عاهة مستديمة لإحدى المريضات، (ه. ا) طبيب ممارس عام لم يحصل على دراسات عليا في أحد التخصصات وتم صدور عقوبة تأديبية بوقفه 6 أشهر عن مزاولة المهنة ونشر هذه العقوبة على موقع نقابة الأطباء، وتقدمه وسائل الإعلام المختلفة أنه إستشاري أمراض مخ وأعصاب الأطفال، (أ.ع) وتقدمه وسائل الإعلام أنه إستشاري الصحة النفسية، نماذج لا حصر لها لدجالي الطب سواء ممن لا يحملون أية مؤهلات طبية، أو من أطباء يعملون في غير تخصصهم.. أؤكد لك أنه لا مسئولية عن قتل المصريين، فقط احتاط أن يكون بين المتضررين أحد ألهة آلة الإعلام أو كهنتها.
في النصف الثاني من شهر ديسمبر 2020 أُصيب الإعلامي وائل الإبراشي بفيروس كورونا، وحسب أقوال أسرته فقد استعان بطبيب كبد وجهاز هضمي لعلاجه بالمنزل قبل دخوله مستشفى الشيخ زايد في 28 ديسمبر من نفس العام.. بعد مرور أكثر من عام على تلك الإصابة تُوفي وائل الإبراشي، لتخرج أرملته عبر أحد وسائل الإعلام تصف الأطباء بالقتلة وتتهم الطبيب الذي رافقه بالمنزل بوصف أدوية خاطئة تسببت في وفاة زوجها.
هل الإعلامي وائل الإبراشي بدرجة السطحية وعدم الثقافة، إلى حد أن يستعين بطبيب غير متخصص لعلاجه، عندما استضاف الإبراشي طبيب الجلدية ليتحدث عن فيروس كورونا هل كان يدرك أن تخصص الجلدية هو الأمثل حتى يسدي صاحبه النصائح الطبية للمصريين في هذه الجائحة؟
هل ناقشت وسائل الإعلام وزيرة الصحة التي أصدرت تعليماتها بقيام جميع الأطباء من كل التخصصات الطبية بعلاج مرضى كورونا في مستشفيات الحكومة؟
هل وسائل الإعلام التي نشرت تأكيدات بخطأ الطبيب ونصبت من نفسها قضاة تصدر أحكام قد تحرّت فعلًا صحة وجود خطأ طبي؟
ليست هذه فقط الأسئلة التي قد تطرأ في أذهان قارىء محايد، سألت بعض الزملاء الصحفيين الذين تواصلوا معي للتعليق على الجدل الثائر حول وفاة الإعلامي وائل الإبراشي، هل لو كان وائل الإبراشي مات في سجون مصر أو ردهات المحاكم المزدحمة كان أصحاب وسائل الإعلام ستتناول الواقعة.. بالتأكيد لست محتاج لأخبرك بإجاباتهم.
عالمين في مجتمع واحد، أحدهما يبيع بضاعته للأخر ويرفض أن يبتاع منه.