خالد علي يكتب في وداع عبد الغفار شكر: محطات بالقرب من المناضل السياسي الكبير
كان من حظى أن أعمل مع المناضل السياسي الكبير عبدالغفار شكر عن قرب فى بعض الفترات، ولا أنسى العمل معه فى ملفات عدة أذكر منها:
الأولى: محطة توحيد مطلب الطبقة العاملة على رقم واحد بشأن الحد الأدنى للأجور، وكان وقتها عضواً بارزاً فى قيادة حزب التجمع، وطلبنى والعم صابر بركات للقاء معه فى نهايات ٢٠٠٧، وتحدثنا عن الاحتجاجات العمالية وتحليل أسبابها وكيف يمكن مساندة العمال فى مطالبهم المشروعة، وكان من محاور النقاش أن ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور سبب رئيسى يدفع العمال للاحتجاج بحثاً عن أى زيادات فى الأجور فى صورة بدل وجبه أو حافز انتاج أو صرف الارباح …الخ
وكان ملف الحد للأجور يحظى باهتمام الطبقة العاملة، لكن كل مجموعة عمالية كانت تحدد رقم فكان هناك من يطالب ب ٦٠٠ حد أدنى، وهناك من يطالب ب ٣ آلاف جنيه حد أدنى، وبينهما مطالبات بأرقام متعدد من فصائل عمالية ونقابية وسياسية أخرى.
فكان الاقتراح بأهمية عقد سلسلة ورش ولقاءات مع كافة التنظيمات والكيانات المهتمة بهذا الشأن
بهدف تحديد رقم واحد للحد الأدنى للأجور تلتف حوله الطبقة العاملة، وانطلقت تلك الورش مع كل القادة النقابيين والعماليين والتنظيمات الداعمة لهم، وحددت سلة المستهلك للعامل بمعنى أنه حتى يعيش العامل وأسرته المكونه من ٤ أفراد يحتاج إلى غذاء وكساء وأدوية أولية وإيجار سكن بأسعار مرافق الكهرباء والمياه، ومواصلات عامة، ومصروفات تعليم حكومى، وبلغ قيمة هذه السلة ١٩٠٠ جنيه شهرياً لتمثل الحد الأدنى الذى يجب أن يبدأ منه الأجر، لكن طرح البعض ان هذا الرقم كبير نوعاً ما وسيكون صادم للرأى العام، ولن يجد استجابة من الدولة، وسيسهل على رجال الأعمال التحجج بأنه رقم كبير.
فكان اللجوء للمعيار الثانى معيار خط الفقر
كان البنك الدولى قد حدد مبلغ ٢ دولار للفرد حتى يكون على خط الفقر وأن أقل من ذلك يصبح تحت خط الفقر ويسمى ذلك بالفقر المدقع
وجهاز التعبئة العامة والاحصاء كان قد حدد متوسط نسبة الإعالة فى أسر المجتمع المصرى خمسة أفراد (زوج وزوجة وثلاثة أبناء).
فتم الاتفاق على أن نجعل فى حساباتنا متوسط نسبة الإعالة أربعة أفراد فقط يعنى أقل من المتوسط الذى حدده جهاز التعبئة العامة والإحصاء.
وحتى يصل العامل بأسرته لخط الفقر ولا يكون فى الفقر المدقع يحتاج يومياً ٨ دولار لأسرته المكونة من ٤ أفراد، وكان سعر الدولار فى هذا التوقيت خمس جنيهات، أى يحتاج ٤٠ جنيه فى اليوم، وبالتالى يصبح الحد الأدنى ١٢٠٠ جنيه شهرياً
وتم التوافق على ذلك مع كل من حضروا تلك الورش وتم اختيار شعار (عايزين نوصل لخط الفقر)، (حد أدنى للأجور للى عايشين فى القبور وحد أقصى للأجور للى عايشين فى القصور).
ومن هنا توحدت تنظيمات الطبقة العاملة والتنظيمات السياسية الداعمة لها على مبلغ ١٢٠٠ جنيه حد أدنى للأجور.
وعندما حصلنا على حكم قضائى بالحد الأدنى لم نطلب بالطبع من المحكمة تحديد رقم معين تحسباً لتغير القوة الشرائية للجنيه، والمحكمة لم تصدر بحكم بتحديد رقم، ولكن طلبنا وضع حد أدنى للأجور يتناسب مع الأسعار ويتحرك سنوياً وفق نسبة التخضم.
والطبقة العاملة كانت قد توحدت بفضل هذه الورش التى تولى إدارة اجتماعاتها الاستاذ عبد الغفار شكر من قبل صدور الحكم بأكثر من سنة على هذا الرقم، فتمسكت به حتى ظن كل المجتمع أن المحكمة حددت عندما أصدرت حكمها هى التى حددت الرقم.
وكان للأستاذ عبد الغفار قدرة استثنائية على إدارة أشرس الاجتماعات واللقاءات والخروج بها إلى بر الأمان دون أن يشعر أحد بأن مدير الجلسة قد بخسه حقه سواء فى طرح وجهة نظره فى النقاش أو مدة حديثه أو فى الاشارة إليها بالتوصيات الختامية.
المحطة الثانية: فى النصف الثانى من ٢٠١٢ تشرفت بعضوية حزب التحالف الشعبى الاشتراكى، وفى عام ٢٠١٣ انعقدت الجمعية العمومية لعقد الانتخابات على كافة المواقع الحزبية، وفور فتح باب الترشح طلبنى الأستاذ حلمى شعراوى وقال لى الاستاذ عبد الغفار عايز يقعد معاك، وهيكلمك فى موضوع أرجو ألا ترفضه، وأنا موافق على ما سيعرضه عليك، وعقدنا لذلك عدة مناقشات، واستقر الرأى عليه، ولم تتبقى إلا موافقتك.
وتقابلت مع الأستاذ عبد الغفار وفوجئت به يطلب منى أن أتقدم للترشيح على رئاسة الحزب وأنه والاستاذ حلمى شعراوى وقيادات عديدة بالحزب سيدعمونى وأنه لن يترشح لرئاسة الحزب لو أنا وافقت.
لم أتردد فى رفض الفكرة، لاعتبارات عدة لا يسع المجال لذكرها الآن منها على سبيل المثال أننى لست من المؤسسين للحزب وقد يكون هناك من هو أحق منى، وخاصة أن عضويتى بالحزب لم يمضى عليه غير عدة شهور فقط، وكذلك للضغوط المهنية وكثرة القضايا التى كنت أتولاها ومن الصعوبة التفرغ لقيادة الحزب وهذا التوقيت كان يحتاج لتفرغ رئيس الحزب، فاقتنع بوجهة نظرى وترشح هو على موقع رئيس الحزب وأنا على موقع نائب رئيس الحزب وحصلنا على أعلى الأصوات بالجمعية العمومية.
هكذا كان الأستاذ والمُعلم عبد شكر، وأشهد أن المعارك التى عايشتها معه أو كنت قريباً منها منذ نهايات التسعينيات حتى اليوم لم أجد إلا إنسان نبيل، وقائد سياسي استثنائى، ومثقف ومفكر موسوعى، ناضل حتى آخر أيام العمر، ولم يتوقف عن إلهامنا ودعمنا ومساندتنا. ربنا يرحمك ويصبر قلوب محبيك ويدخلك فسيح جناته.