فيلم ريش والفقر العابر للأزمنة.. سيدة في مواجهة القبح والبيروقراطية ومهمشون يخرجون من الكادر(قراءة شخصية)
كتب: عبد الرحمن بدر
يبدأ فيلم ريش بمشهد انتحار شخص حرقًا، بينما حوله المصانع والدخان والقذارة والفراغ، لتدخل مباشرة إلى أسرة فقيرة تعيش في مكان غير آدمي، مظاهر الفقر واضحة من ملابس البطل وأطفاله وزوجته والتشققات في قدمه والأحذية البالية التي يرتديها، يحلم الأب بصالة بلياردوا مثل التي شاهدها في التليفزيون لكن طفله لا يعرف البلياردو، ويسأل والده في براءة عنه.
الزوجة صامته أغلب المشاهد، لا تشارك زوجها حتى الحديث، وكأنها خلقت فقط لتلبية احتياجات أسرتها، بعد يوم شاق تنام واضعة وسادة فوق رأسها وكأنها تحمل الهموم الثقيلة التي تقوم بها يوميًا، بينما يظهر زوجها في الكادر ممسك بسيجارة مشتعلة للدلالة على رغبته في ممارسة الجنس معها.
بحوار قليل، وصور معبرة، نتعرف على أبطال العمل دون مقدمات أو حوارات مطولة، الفقر يطل برأسه في كل التفاصيل ودخان المصانع لا يتوقف، ويفسد على الأسرة كثير من أوقاتها حين يدخل من النافذة بكثافة وتحاول الزوجة كل مرة أن تصده، تتسلم الزوجة المصروف لتعد البتنجان لأسرتها بينما يطالبها الزوج بالاقتصاد.
الفيلم تجاهل المكان والزمان، لكنه استخدم الجنيهات ليدل على أنه مصري وكذلك اللهجة، وكأنه يريد أن يؤكد على أن الفقر ميراث الأنظمة المتعاقبة، لايهم في زمن أو عصر أي حاكم، لكن الأهم هو أن المشكلة موجودة والحلول غائبة والسيدات عادة ما يدفعن الثمن.
في عيد ميلاد ابنه يحضر رب الأسرة ساحرًا لإسعاد عائلته، يمارس الساحر ألعابه وسط سعادة الحضور، وفي إحدى الفقرات يطلب من الأب أن يجلس في الصندوق ويحوله إلى فرخة ويفشل في استعادته مرة أخرى.
هنا تجد زوجته فجأة أمام مهمة رعاية أسرتها واستعادة زوجها وتقديم العلاج والرعاية له، وتبحث عن الساحر الذي هرب بعد أن فشل في مهمته، وتفشل كل محاولات استعادته، ويظل الرجل عبارة عن دجاجة عالة على الزوجة، فهي تأكل وتخرج فضلاتها فوق السرير بينما الزوجة تكافح من أجل أسرتها.
تخرج بطلة العمل للحياة، لتواجه واقعًا صعبًا، بين التحرش والبيروقراطية وعمالة الأطفال والمعاقين، وأزمات المرأة المعيلة.
استخدم المخرج اللغة السينمائية بشكل جيد، ووظف الديكور بشكل جميل ليخدم فكرته، في مشهد التحرش لم يقدم مشهدًا تقليدًا لكن صديق زوج البطلة يغني مع فيروز بصوت أجش، في حين نشاهد (قطعة الغيار) بالسيارة للتعبير عن فوران الشهوة الجنسية.
حين تذهب الزوجة إلى شراء قطعتي جاتوه من أجل طفليها، نجد أن المخرج استخدم في العرض قطع غير منظمة وزهيدة السعر ليدل على التهميش، وكأن حالها مثل حالة بطلة العمل على هامش الحياة.
لم يهتم المخرج بصنع كادرات جمالية، وجاءت الكادرات مثل أبطال العمل وحياتهم رتيبة ومملة أحيانًا.
يخرج أبطال العمل من الكادر دون أن تهتم حركة الكاميرا بتتبعهم، حتى مشهد السقوط في حمام السباحة في الفيلا التي كانت تعمل بها البطلة، توقفت الكاميرا عن متابعة البطلة وهي تقع، ورأيناها فقط وهي مبتلة بالماء وتطرد من عملها بعد واقعة السرقة.
البطلة تواجه العقبات بردود فعل تبدو خالية من الانفعال، وربما أراد المخرج أن يظهرها بذلك للتأكيد على أنها تشعر بعدم القدرة على التغيير وأنها ترس في آلة كبيرة، وأن الفقر يطحن أصحابه ويسلبهم حتى القدرة على الاحتجاج العنيف في وجه مغتصبي حقوقهم.
في ظل انهماكها في مشكلة زوجها، تشاهد ربة الأسرة التليفزيون وهو يعرض أسماك تسبح في الماء، وكأن المخرج يريد أن يقول أن الزوجة مثل السمك لا تستطيع أن تعيش خارج الماء، وأنها اضطرت أن تعيش خارج بيئتها بعدما وجدت نفسها فيها فجأة دون مقدمات.
ترفض الشركة عودة الزوجة للعمل بدلا من زوجها، وترفض صرف معاش لها، لأن زوجها في نظرهم متغيب عن العمل وليس متوفي، وفي المقابل يوافقون على عمل ابنها الطفل الصغير.
كما نجد عامل معاق بساق واحدة ضمن عمال المصنع، وكأن المخرج أراد أن يعبر عن تهميش المرأة وانتهاك حقوق الأطفال والمعاقين والبيروقراطية في مشاهد قليلة، خلت من الحوارات الطويلة لكنها كانت واضحة الدلالة.
وظف المخرج بعض الأغاني في فيلمه لكسر الملل والرتابة بين المشاهد، ولإظهار المفارقة سواء من حيث شاعرية الأغاني وبؤس الواقع، أو رومانسية أغنية فيروز وشهوة صديق زوج البطلة الطامع فيها.
تتفتح الورود على الشاشة بشكل جميل، بينما الرضيع موضوع فوق كرسي وحوله مناظر قذرة وشديدة القبح، لعقد مقارنة بين نمو الزهور والطفل.
هرب رب الأسرة من مسؤولياته واختبأ في ريش دجاجة، بينما واجهت زوجته الحياة بكل خشونتها لتلبي احتياجات أولادها، وكأن المخرج أراد أن يدين القبح والفقر كل مواطن تحول لدجاجه، ويرسل تحيته لكل سيدة تواجه الصعوبات وسط القذارة والقبح في محاولة للنجاة.