محمد العريان يكتب: عن بلد الأكبر مسجد وأعلى ساري.. وأزحم فصل
صورتان، الأولى: لصديقة نشرت كشف بعدد التلاميذ في إحدى فصول مدرسة السيدة عائشة بالقليوبية 90 تلميذا، والثانية: صورة لتعليمات وزير التربية والتعليم بمقعد لكل تلميذ.
لا يمكن دمج الصورتين أبدا إلا في التخيل.
بحسبة بسيطة جدا وتطبيقا لإجراءات التباعد الاجتماعي التي نصت عليها تعليمات الوزير، سنتخيل أن مقعد التلميذ الواحد مساحته مترا مربعا، وهو أقل مقعد يناسب طفل، وسنتخيل أيضا أن الفصل مكون من ثلاثة صفوف طولية بين كل صف والآخر متر ونصف فراغ للحركة ليصبح عرض الفصل 6 أمتار، كل صف به 30 تلميذا على 30 مقعدا طوله 30 مترا، وسنترك في الخيال مساحة 5 أمتار للمدرس المتخيل في الفصل الخيالي، إذا سنحتاج فصل طوله 35 مترا وعرضه 6 أمتار ومساحته الإجمالية 210 أمتار!!! هيا بنا نبني فصولا عملاقة.
سأترك لكم تخيل فصل به 105 تلاميذ حسب شكوى أولياء الأمور بمدرسة حكومية.
في التخيل أبدا لا يمكن أن نتصور مدرس يشرح في كل تلك المساحة ويسمعه ويراه التلاميذ بوضوح، فسنتخيل سماعات موصولة بشبكة داخلية وشاشات على كل معقد ليرى كل تلميذ ما يكتبه المدرس، أو أن يحمل المدرس ميكروفون بدل العصا والطباشير، وتصبح التعليمات: ميكروفون لكل مدرس لزوم الديسك لكل تلميذ، في الفصل العملاق.
الصور الأخرى التي تصدر الصحف وأرسلتها مديريات التعليم وإدارات الإعلام بدواوين المحافظات غير تلك الصور الحقيقية التي يراها أولياء الأمور في المدارس ديسك لكل 3 تلاميذ في أفضل الأحوال، وأحيانا 4 أو 5، وصف أول على الأرض، ووقوف بالتبادل، ومسخرة في بلد بها أكبر مسجد وأعلى ساري في العالم.
الأزمة أن وزير التعليم الذي أصدر تعليمات ديسك لكل تلميذ اعترف العام الماضي أن كثافة الفصول تصل إلى 60 طالبا في الفصل وهو ما يعني استحالة تطبيق ديسك لكل طالب إلا بإنشاء فصول عملاقة حتى لا يزيد عجز المدرسين.
التعليمات تعليمات.. إذا صدرت يجب التنفيذ وفورا، والحل سهل جدا، السيد المحافظ أو السيد وكيل الوزارة أو أي سيد يحصل على راتبه من الضرائب معه مصور من إدارة الإعلام يتفقد فصول ملتزمة بالديسك لكل طالب بعد إخراج التلاميذ منه أو تأجير تلاميذ تناسب تعليمات البيه، وصور يا جدع، وننشر الصور في الصحف، حتى لو ظهرت في الصور كثافة الفصل 20 تلميذا فقط لتكذب تصريحات الوزير وتكذب الجهاز المركزي للإحصاء الذي أكد أن متوسط كثافة الفصول 49 تلميذا في المرحلة الابتدائية.
نحن نعلم أن الأزمة أكبر من أي وزير، فهي تحتاج إرادة دولة تهتم بالتعليم أكثر قليلا من كباري ورصف وإنشاء طرق رصدت لها الدولة أكثر من ألف مليار جنيه منذ 2014 وحتى 2020 منها 377 مليار جنيه كباري فقط.. تهتم أكثر قليلا بالمدارس من بناء عاصمة جديدة بها مسجد يسع 107 آلاف شخص وتكلف عشرات الملايين.
نعلم أن زيادة الفصول والمدارس معناها زيادة أعداد المدرسين والعاملين في المدارس ما يوسع العجز في المدرسين الذي بلغ 250 ألف مدرس حسب تصريحات الوزير، وتعيين مدرسين يضيف أعباء جديدة على ميزانية الأجور في الدولة لكن يمكن أن نعتبرها ضمن فوائد الديون التي ترهق ميزانية الدولة وتبلغ أكثر من 579 مليار جنيه سنويا.
نحن فقدنا الأمل في أن تحترموا عقولنا، فأنتم تعلمون أننا نعلم أنكم تكذبون، لكنني حتى الآن -بسذاجة- لا أتخيل كيف تصدقون أنفسكم؟