المساواة في تلقي اللقاحات ليس عملا خيريا.. الدول الغنية تستحوذ على لقاح كورونا والفقيرة تعاني: لن ننجو إلا معا
240 مليون جرعة لقاح تنتهي صلاحيتها في الدولة الغنية.. وأكثر من نصف سكان العالم لم يتلقوا جرعة واحدة
قد تحصل دول على 1.2 مليار جرعة لا تحتاجها حتى لو بدأت الجرعات المعززة.. و8 بين كل 10 أشخاص يقعون في الفقر بسبب الجائحة
حنان فكري
الأرض سفينة واحدة تحملنا جميعا، لا يمكن إلا أن ننجو معا من جائحة كورونا، فلا مكان للأنانية هنا، وبغض النظر عن أخلاقية تساوي البشر في فرص تلقي لقاح مضاد للفيروس إلا أن عدم حصول ذلك يجعلنا جميعا بمن حصلوا على جرعتي اللقاح عرضة لتحور أكثر فتكا للفيروس يسفر عن إطالة أمد الجائحة ومزيد من الوفاة للبشر.
يقول الدكتور تيدروس أدهانوم، مدير منظمة الصحة العالمية، إن المساواة في اللقاح “ليست أمرا معقدا، ولا يعد عملا خيريا. إنها مسألة صحة عامة وستكون في مصلحة الجميع”.
بمعنى آخر إذا لم نجعل أفقر المواطنين يتلقى لقاح كورونا سيكون أغنى البشر عرضة للموت بالفيروس.
ورغم اتفاق القادة في المجال الصحي في العالم على أن تحقيق عالم خال من فيروس كورونا لن يكون ممكنا إلا بإعطاء الجميع فرصا متساوية في الحصول على اللقاحات.
إلا أن الدول الغنية بدأت في إعطاء جرعة معززة لمواطنيها بينما أكثر من نصف سكان العالم لم يحصلوا على جرعة واحدة، وهو الأمر الذي سوف يؤدي إلى احتمال إعدام 240 مليون جرعة من اللقاحات بسبب انتهاء صلاحيتها كما يقول تقرير أعدته “بي بي سي”.
تقول شركة “إيرفينيتي”، وهي شركة دراسات علمية تبحث في الإمدادات العالمية، إنها ليست مشكلة إمداد عالمية، فالدول الغنية تعمل على الاحتفاظ بفائض من اللقاحات، وتقوم شركات تصنيع اللقاحات حاليا بإنتاج 1.5 مليار جرعة شهريا، وسيكون هناك ما يقدر بنحو 11 مليار جرعة جاهزة بحلول نهاية العام.
ويقول مات لينلي، الباحث الرئيسي في شركة “إيرفينيتي” إنهم: “ينتجون كميات هائلة من الجرعات، فضلا عن توسيع نطاق الإنتاج بشكل كبير خلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية”.
وقد تحصل أغنى دول العالم على 1.2 مليار جرعة لا تحتاجها، حتى لو بدأت برنامج الجرعات المعززة.
ويقول لينلي إن خُمس هذه الجرعات، 241 مليون جرعة، قد تكون عرضة لخطر الهدر إذا لم تتبرع بها الدول قريبا، ومن المحتمل ألا تتمكن الدول الفقيرة من قبول لقاحات لم يتبق لها سوى شهرين على الأقل قبل انتهاء صلاحيتها.
ومنذ اجتياح فيروس كورونا أسفر بداية 2020، أسفر عن وفاة أكثر من 4.6 مليون إنسان، هذا الرقم من المتوقع أن ينخفض إذا تم تطعيم المزيد من الأشخاص.، ومن المرجح أن تتمكن البلدان المتقدمة من تطعيم مواطنيها، الأمر الذي يخاطر بإطالة أمد الجائحة، واتساع رقعة عدم المساواة العالمية. في ظل عدم تمكن الدول الفقيرة والأقل فقراً من الوصول للجرعات الآمنة من اللقاحات.
في هذا الصدد عقد كبار مسؤولي الأمم المتحدة، حوارا على هامش أعمال الأسبوع رفيع المستوى لاجتماعات الدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة في الأمم المتحدة، ضمن فعالية “الوقفة الخاصة بأهداف التنمية المستدامة”، بهدف مناقشة مسألة المساواة في اللقاحات.
ماذا تعني المساواة في اللقاحات؟
تعني المساواة في إعطاء اللقاحات ضرورة أن يتمتع جميع الناس، أينما كانوا في العالم، بفرص متساوية في الحصول على اللقاح الذي يوفر الحماية ضد عدوى كـوفيد-19.وحددت منظمة الصحة العالمية هدفا عالميا يتمثل في تطعيم 70 في المائة من سكان جميع البلدان، بحلول منتصف عام 2022، ولكن في سبيل تحقيق هذا الهدف، تبرز هناك حاجة إلى الحصول على اللقاحات بشكل أكثر إنصافا.
أهمية الإنصاف في الحصول على اللقاحات
بصرف النظر عن الجدل الأخلاقي القائل إنه ما من بلد أو مواطن يستحق أكثر من آخر، بغض النظر عن مدى ثرائه أو فقره، فإن مرضا معديا مثل كوفيد-19 سيظل يشكل تهديدا عالميا، طالما أنه موجود في أي مكان في العالم.، وبالتالي، فإن التوزيع غير المنصف للقاحات يجعل الملايين أو المليارات من الناس عرضة للفيروس القاتل ويسمح أيضا بظهور المزيد من المتغيرات الفتاكة، وانتشارها في جميع أنحاء العالم.
علاوة على ذلك، فإن التوزيع غير المتكافئ للقاحات سيعمق مسألة عدم المساواة ويزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وسيعكس عقودا من التقدم الذي تم تحقيقه بشق الأنفس في مجال التنمية البشرية.
وفقا للأمم المتحدة، سيكون لعدم المساواة في توزيع اللقاحات تأثير دائم على الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وسيؤدي إلى حدوث انتكاسة في التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، بحلول 2030.
وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن ثمانية من بين كل عشرة أشخاص ممن يُتوقع وقوعهم في براثن الفقر، بصورة مباشرة، في عام 2030، بسبب الجائحة، يعيشون في أفقر دول العالم.
وتشير التقديرات أيضا إلى أن الآثار الاقتصادية لهذه الأزمة الصحية قد تستمر حتى عام 2024، في البلدان منخفضة الدخل، في حين أن البلدان ذات الدخل المرتفع قد تصل إلى معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي للفرد، لفترة ما قبل الجائحة، بحلول نهاية هذا العام.
ووفقا للدكتور تيدروس، الذي قال في أبريل من هذا العام أن “المساواة في اللقاحات هي التحدي الحقيقي في عصرنا الحالي.. وأشار إلى أننا بصدد الفشل في تحقيقها.
وتشير الأبحاث إلى أنه سيتم إنتاج لقاحات كافية في عام 2021، لتغطية 70 % من سكان العالم، البالغ عددهم 7.8 مليار نسمة.
قومية اللقاح
وبالرغم من ذلك، فإن الواقع ييشير إلى أن حجز معظم اللقاحات يتم للدول الغنية، في حين أن الدول الأخرى المنتجة للقاحات تقيد تصدير الجرعات حتى تتمكن من ضمان تطعيم مواطنيها أولا، وهو نهج أطلق عليه اسم “قومية اللقاح”.
ومن الأمثلة على مسألة “قومية اللقاح”، فقد تم تسليط الضوء على قرار بعض الدول بإعطاء جرعات معززة للمواطنين، ممن حصلوا بالفعل على اللقاحات، بدلا من إعطاء الأولوية بشأن الحصول على تلك الجرعات للأشخاص غير المحصنين في البلدان الفقيرة.
ولكن مع ذلك، فإن النبأ السار، الذي حملته بيانات منظمة الصحة العالمية، هو أنه اعتبارا من 15 سبتمبر، تم إعطاء أكثر من 5.5 مليار جرعة، في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أن معظم اللقاحات المتاحة تتطلب جرعتين، وبالتالي فإن عدد الأشخاص المحميين من الفيروس أقل بكثير.
وتحصل البلدان الغنية على غالبية اللقاحات، حيث تكافح العديد من البلدان الفقيرة لتحصين حتى عدد صغير من مواطنيها. ووفقا للوحة القيادة العالمية بشأن المساواة في الحصول على اللقاحات، التي أنشأها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الصحة العالمية، وجامعة أكسفورد، فإنه اعتبارا من 15 سبتمبر، تم تطعيم 3.07 % فقط من الأشخاص في البلدان منخفضة الدخل بجرعة واحدة على الأقل، مقارنة بـ 60.18 % في البلدان ذات الدخل المرتفع.
يبلغ معدل التطعيم في المملكة المتحدة بالنسبة للأشخاص الذين تلقوا جرعة واحدة، على الأقل، حوالي 70.92 في المائة، بينما يبلغ هذا المعدل في الولايات المتحدة حاليا 65.2 في المائة.
ولكن معدل التطعيم في البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع والمتوسط لا يسير بشكل جيد؛ فقد قامت نيوزيلندا بتطعيم 31.97 % فقط من عدد سكانها الصغير نسبيا، البالغ حوالي خمسة ملايين نسمة، على الرغم من أن معدل التطعيم في البرازيل وصل حاليا إلى 63.31 %، مع ذلك، فإن الإحصائيات في بعض أفقر بلدان العالم تعطي صورة قاتمة. ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، تلقى 0.09 % فقط من السكان جرعة واحدة؛ في بابوا غينيا الجديدة وفنزويلا، يبلغ معدل التطعيم 1.15 % و20.45 % على التوالي.
تُظهر البيانات الواردة من منظمة اليونيسف أن متوسط تكلفة اللقاح الواحد يتراوح بين دولارين و37 دولارا (هناك 24 لقاحا تمت الموافقة عليها من قبل هيئة تنظيمية وطنية واحدة على الأقل) وتبلغ تكلفة التوزيع المقدرة بالنسبة للفرد 3.70 $. ويمثل هذا عبئا ماليا كبيرا على عاتق البلدان منخفضة الدخل، حيث يبلغ متوسط الإنفاق الصحي السنوي للفرد، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 41 دولارا.
وتُظهر لوحة قياس الإنصاف في الحصول على اللقاحات أنه بدون دعم مالي عالمي فوري، سيتعين على البلدان منخفضة الدخل زيادة إنفاقها على الرعاية الصحية، بنسبة تتراوح بين 30 و60 في المائة، في سبيل تحقيق هدف تطعيم 70 في المائة من مواطنيها.
في ذات السياق عملت منظمتا الصحة العالمية واليونيسف مع منظمات أخرى لإنشاء وإدارة مرفق الوصول العالمي للقاح كوفيد-19، المعروف باسم كوفاكس. وقد وصفت منظمة الصحة العالمية المبادرة، التي تم إطلاقها في أبريل 2020، بأنه “تعاون عالمي رائد لتسريع استحداث وتصنيع لقاحات مضادة لمرض كوفيد-19، وضمان إتاحتها بشكل عادل ومنصف لكل بلدٍ من بلدان العالم”.
وتواجه “كوفاكس” مشكلة إمدادات كبيرة، وكانت تعتزم توزيع ملياري جرعة في عام 2021 معظمها قادم من منشأة في الهند، ولكن عندما عصفت موجة ثانية من الإصابات بكوفيد في الهند في مايو الماضي، فرضت الحكومة حظرا على التصدير.
ومنذ ذلك الوقت اعتمد “كوفاكس” على الجرعات التي تبرعت بها الدول الغنية، وكان العرض بطيئا، فبعض الدول التي استلمت الجرعات لم تقم بعد بتلقيح 2 % من سكانها.
والوضع في البلدان الأقل نموا أكثر صعوبة. فبينما يتم الترحيب بتوفير اللقاحات، المقدمة في إطار مرفق كوفاكس، في جميع أنحاء العالم، فإن النظم الصحية الضعيفة، بما في ذلك نقص العاملين الصحيين، تساهم في تفاقم التحديات بشأن الوصول والتوزيع على أرض الواقع.ولا تختفي قضايا الإنصاف بمجرد تسليم اللقاحات في البلد؛ ففي بعض الدول، الغنية منها والفقيرة، قد يستمر عدم المساواة في التوزيع.
أن حتمية توفير المساواة في الحصول على الرعاية الصحية ليست بالطبع مشكلة جديدة، ولكنها أساسية بالنسبة لأهداف التنمية المستدامة، وبشكل أكثر دقة، الهدف 3 بشأن الصحة الجيدة، والذي يدعو إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة وتوفير الأدوية الأساسية واللقاحات، بأسعار معقولة، لجميع الناس.