ريهام الحكيم تكتب: أنا عراقي.. من قتلني؟.. اغتيال إيهاب الوزني
اهتز العراق على وقع جريمة إغتيال أخرى راح ضحيتها أحد الناشطين المطالبين بالتغيير، مقتل الناشط الكربلائي إيهاب الوزني والذي أحدث صدمة وتسبب في موجة استنكار على مواقع التواصل ومظاهرات في مدن عراقية عديدة.
إيهاب الوزني، والذي يمثل أحد أبرز رموز الانتفاضة العراقية في كربلاء، هو آخر ناشط يتم إغتياله ضمن موجة إغتيالات استهدفت دعاة التظاهرات، يُعرف عنه أنه رئيس تنسيقية الإحتجاجات في محافظة كربلاء جنوب العراق، وبأنه من أبرز الأصوات المناهضة للفساد وسوء الإدارة التي تنادي بالحد من نفوذ إيران والجماعات المسلحة في كربلاء. وفي السابق، نجا إيهاب الوزني من محاولة إغتيال في ديسمير 2019 عندما قُتل الناشط اسامة فاهم الطائي بجواره، بهجوم نفذه مسلحون يستقلون دراجة نارية، بأسلحة مزودة بكاتم للصوت. الوزني قتل السبت الثامن من مايو الماضي أمام كاميرات المراقبة في أحد احياء كربلاء، بينما كان الوزني يدخل بسيارته في الشارع الذي يوجد فيه مسكنه والذي يقع في وسط المدينة بشارع الحداد وبإقتراب دراجة نارية يستقلها شخصان، توجه أحدهم نحو الوزني وقام بفتح النار عليه ثم لاذا بالفرار.
وبعد أقل من 24 ساعة على اغتيال الوزني، قام مسلحون مجهولون بإطلاق النار على مراسل قناة “الفرات” الفضائية أحمد حسن، بالقرب من منزله في محافظة الديوانية جنوب بغداد، تعرض فيها لرصاصتين في منطقة الرأس ، نقل على أثرها إلى مستشفى الجملة العصبية في بغداد.
لم تقتصر ردود الأفعال الغاضبة للشارع العراقي بعد تلك الاحداث عند حدود ساحات الاحتجاج ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث تظاهر الآلاف داخل المدينة و أضرم متظاهرون النيران في محيط القنصلية الإيرانية ما أدى لإشتباكات بين متظاهرين والقوات الأمنية التي طوقت القنصلية منعاً من إحرقها.
وتعددت الدعاوى للخروج بموقف سياسي موحد من قبل الحركات المنبثقة عن الانتفاضة العراقية ، ما يطلق عليها “الأحزاب التشرينية” ، ومقاطعة العملية السياسية والانتخابات المقبلة في العراق المقرر عقدها أكتوبر المقبل. ويتهم عدداً من النشطاء السياسيين الجدد الفصائل المسلحة الولائية – تتبع نظام ولاية الفقيه في إيران – التابعة للحشد الشعبي بالوقوف وراء عمليات الإغتيال الممنهجة لتقويض قدرتهم على تنظيم الصفوف.
وبالتزامن مع بيانات المقاطعة، دشن ناشطون وسم ” أنا عراقي … من قتلني؟” على مواقع التواصل الاجتماعي، وهى حملة كبرى تهدف لإيقاف ظاهرة الإفلات من العقاب للجهات التي تنفذ عمليات الإغتيال ضد الصحفيين والنشطاء وأصحاب الرأى، كتبت في هذا السياق آلاف التغريدات التي تحث على الكشف عن قتلة النشطاء السياسيين في حراك تشرين ومقاطعة الانتخابات المقبلة، والتي وصفوها بأنها “لا ترتقي إلى المعايير التي يطالب بها العراقيون” في ظل إنعدام المسألة القانونية لاي من القتلة وعمليات الإختطاف والترهيب.
منذ عام 2003 وحتى اليوم، استمرت ظاهرة الميليشيات والفصائل المسلحة، فالنظام السياسي في العراق لا يعمل بطريقة المؤسسات الشرعية والتنافس الانتخابي. وفي ظل عجز السلطات عن القاء القبض على الخارجين عن القانون من اعضاء تلك الميليشيات. سجل العراق خلال ثمانية عشر عام، العشرات من عمليات القتل والاختطاف والتي فشلت الحكومات المتعاقبة للكشف عن ملابساتها أو الجهة التي تقف ورائها.
ولعل الفساد وضعف المؤسسات وغياب الإرادة السياسية هما أبرز الأسباب لانتشار تلك الجرائم، ومع إقتراب موعد الانتخابات في أكتوبر المقبل، يرفع مؤشر الإغتيالات وهو ما اجبر عدداً من نشطاء حراك تشرين/ أكتوبر إلى النزوح من مدنهم في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق إلى شمال البلاد أو خارجها، بعد تلقى تهديدات بالإغتيال، بينما لجأ بعض المرشحين للانتخابات المقبلة لإخفاء اسمائهم خشية استهدافهم من قبل جماعات السلاح المنفلت.
عمليات الإغتيال تضيف ضغاطاً على حكومة مصطفى الكاظمي، والتي أصبحت عاجزة عن محاسبة تلك الفصائل عن جرائمها ولكنها تعتقل المحتجون من ساحات الإحتجاج بتهم إشعال الإطارات وتقدم ضدهم عشرات الدعاوي الكيدية، وينتهي الأمر بهم بالمعتقلات.
وبين القوى التقليدية – مجموعة السياسيين ما بعد 2003 – والقوى الجديدة التي افرزتها انتفاضة تشرين/ أكتوبر والتي اتخذت من الخطاب الليبرالي ومعارضة العملية السياسية في البلاد. تلك القوى السياسية الصاعدة التي اتخذت من احتجاجات تشرين منبراً لها للمطالبة بالتغيير واستبدال تلك الطبقة التقليدية من السياسيين وهو ما يجعل من تلك القوى ترى في هؤلاء النشطاء تهديداً لوجودهم. بينما تقف الدولة ومؤسستها في موقف العاجز عن حماية هؤلاء النشطاء من رصاص الفصائل تسعى لتصفيتهم وتشتيت صفوفهم.
النظام السياسي الضعيف في العراق، أنتج صراعاً حول تقاسم الموارد ونزاعاً على السلطة والنفوذ، وحيث أن العراق لا يمكن اعتبار نظامه مؤسساتياً، باتت الفرصة مواتية للقوى التي تعمل بطريق المافيا، سواء على المستوى الاقتصادي أو خارج نطاق عمل الدولة ، تلك القوى تحاول توسيع نفوذها بقوة السلاح، وتسعى إلى الحفاظ على مصادر تمويلها التي غالباً ما تكون غير شرعية، فتحتاج إلى أن تؤمن لنفسها جناحاً يشارك في العملية السياسية، بالتالي فهي تمسك بطرف السلطة من جهة، وتبقى كقوى خارجة عن الدولة من جهة أخرى.
وشهدت العراق منذ عدة أشهرماضية، وتحديداً بعدما أبدت حكومة مصطفى الكاظمي عزمها على مواجهة الميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة، موجة إعلانات عن مجموعات مسلحة جديدة، تقول إنها ستواصل العمل المسلح. وأعلنت إحدى تلك الميليشيات الإنفصالية الجديدة عن انطلاقها في بيان جاء فيه “نحن مجموعة من المجاهدين المضحين المقاومين الرافضين للاحتلال والمستعمر، وبعد أن كنا على مدى الأعوام نقاتل في رحاب جيش الإمام المهدي وتحت لواء آل الصدر الكرام وما لحقه من المسميات الجهادية، نعلن اليوم عن تشكيل لواء الشهيد القائد كريم درعم”. كما ظهرت بيانات لميليشيات جديدة أخرى، حتى بدت وكأنها سلسلة لا تنتهي، منها ميليشيا “أصحاب الكهف” و”عصبة الثائرين”، و”سرايا ثورة العشرين الثانية”، و”قوات ذو الفقار”، و”سرايا المنتقم”، و”أولياء الدم”، و”ثأر المهندس”، و”قاصم الجبارين”، و”الغاشية”.
و منذ قرابة ستة أشهر، تم الإعلان عن 17 فصيلاً ومجموعة مسلحة جديدة، والتوقعات قائمة بولادة ميليشيات جديدة لتشكل محاولةً لخلط الأوراق والتشويش وهوغالباً ما يُفهم من أنها حالة انقسام في القوى التقليدية أوهو انشطار يصب في خدمة هذه القوى، من ناحية إنتاج فصائل بعناوين ومسميات مختلفه للتمويه، وإبعاد الشبهات والإفلات من العقاب، وتنفيذ المطلوب منها إيرانياً بالضغط على الأميركيين باستهداف مصالحهم أينما وجِدت في العراق ، بالإضافة لإستهداف النشطاء السياسيين والمنافسيين الأكبر للقوى التقليدية المهيمنه على العمل السياسي منذ 2003.