عيد بأي حال عدت يا عيد.. العمال بين أحكام بالسجن واحتجاجات وتشريد ومطاردات شبح الخصخصة والتصفية
كتب – أحمد سلامة
في وقت اعتاد فيه المصريون أن تعمهم مشاعر البهجة احتفاءً بشهر رمضان “الكريم”، واعتاد فيه العمال أن يحتفلوا بعيدهم الذي يحل في الأول من مايو من كل عام.. يعاني قطاع كبير من العمال من محاولات التصفية، ليس تصفية مصانعهم فحسب ولكن ما يبدو أنه رغبة في تصفية وجودهم كطبقة لازمة لبقاء المجتمع، أو على استغلالهم بشكل ينافي كل ما هو إنساني.. يرى البعض أن تلك الطبقة تحولت إلى عبء على الدولة وعلى القطاع الخاص، فبات واضحًا توجه الحكومة نحو خصخصة بعض الشركات بينما اتجهت مصانع القطاع الخاص نفسها صوب التصفية، وبين هذا وذلك انزوى العامل وأسرته في ركن بارد مظلم رغم “بهجة” الأيام “الكريمة” ليحل عليهم “عيد العمال” وهم على وشك الإبعاد عن أعمالهم.
“مُرتبي كان بيوصل لحوالي 6 آلاف جنيه دلوقتي لو أخدت 2700 جنيه يبقى كويس قوي”، أحد العاملين بالشركة الوطنية للصناعات الحديدية فرع العين السخنة بمحافظة السويس -إحدى شركات أوراسكوم للإنشاء والتعمير- تحدث لـ “درب” عن معاناته وأسرته خلال الآونة الأخيرة.
“دا أول رمضان يعدي عليا بالشكل دا، قللت كل مصاريف بيتي لكن مفيش فايدة”، يقول العامل الذي فضل عدم ذكر اسمه، ويضيف “شهر رمضان اللي فات كان صعب برضو، لكن كنا لسه في بدايات الأزمة فمكنتش واخد بالي قوي، لكن دلوقتي انا مش قادر أوفي متطلبات بيتي”.
كيف تراجع دخلك بهذا الشكل في أقل من عام؟!، هكذا سألت “درب”، ليجيب العامل “كنت بقبض حوالي 4 آلاف جنيه، وكنت باخد حوالي 2000 جنيه حوافز ومبيت وما إلى ذلك، لكن تم تحويلي لنظام (اليومية) ويا إما اشتغلت يا إما مشتغلتش على حسب”.
في مايو 2020، وفي أيام ليست بعيدة عن عيدالعمال الماضي، بدأت أزمة عمال الشركة الوطنية للصناعات الحديدية، بسبب عدم صرف الحوافز ومستحقات الصندوق التكميلي، وإحالة أعضاء النقابة إلى التحقيق بعد مطالبتهم بمستحقات العمال، وتم حل النقابة العمالية وحينها التقى مدير مديرية القوى العاملة مع مجدي خليل رئيس مجلس الإدارة في مكتبه، وبعد فترة خرج على العمال ليقولإن “كبرياء الشركة لا يسمح بعودة النقابة”.
ولم يتوقف الأمر عند حد حل اللجنة النقابية، وإنما تجاوز ذلك إلى حد صدور أحكام ضدهم بالسجن، ففي أكتوبر الماضي، قضت محكمة طواريء أمن الدولة في السويس، قضت بسجنه ضمن 6 من أعضاء النقابة بالشركة و20 عاملا، لمدة عام، مع غرامة قدرها 30 ألف جنيه وكفالة ألف جنيه على كل منهم، وذلك بعد بلاغ تقدم به محامي الشركة ماركو عاطف، يتهمهم فيه بالتحريض على الإضراب ومخالفة أوامر العمل وتعليمات المديرين، بالإضافة إلى تعطيل مشاريع قومية.
أحد أعضاء اللجنة النقابية بالمصنع قال لـ”درب”: إحنا استقبلنا رمضان وعيد العمال السنة دي بخوف، صادر ضدنا أحكام بالسجن، والأمر متوقف فقط على تصديق الحاكم العسكري.. ويضيف “ممكن أضيع أنا وأسرتي ونتشرد كلنا لأني في يوم طالبت بحقي”.
وحول الأوضاع الاقتصادية خاصة في ظل شهر رمضان قال “مش محتاج أوصف الوضع، إحنا عندنا فرع كامل تم إغلاقه وتشريد عماله، بعض العمال حصلوا على مكافأة نهاية الخدمة، وبعضهم متشحطط في المحاكم.. الفرع دا كان فيه أكتر من ألف عامل -في إشارة إلى فرع مدينة السادس من أكتوبر-.. أما هنا في السويس ففي حوالي 300 عامل تم تحويلهم إلى نظام اليومية”.
ويستكمل “الناس مضطرة تشتغل وتقبل بالوضع دا، لأن العامل اللي عنده 40 أو 50 سنة مثلا مش هينفع يقعد في البيت بسبب التزامات أسرته، وكمان مش هينفع يدّور على شغل جديد علشان كدا بعض العاملين وافق على نظام اليومية بالإجبار.. أجبرته الظروف أو أجبرته الإدارة”.
الربُع الأول من عام 2021 شهد نحو 31 احتجاجا واعتصامًا مهنيًا وعماليًا حسب “مرصد الاحتجاجات العمالية”، بعضها بسبب تدني الأجور وخصم الحوافز، وبعضها بسبب الخصخصة أو التصفية.
حسب المرصد، فقد شهدت مصر 6 إضرابات خلال تلك الفترة، أبرزهم إضراب عمال شركة غزل الاسكندرية بالمنوفية بسبب فصل عدد منهم تعسفيا، كذلك إضراب عمال النظافة بدمياط الجديدة بسبب تدني الأجور، وإضراب بعض الأطقم الطبية بمحافظة سوهاج بسبب عدم صرف الحوافز.
كما اعتصم خلال الفترة نفسها عمال مصنع الألومونيوم بنجع حمادي بسبب عدم صرف رواتبهم المتأخرة، كذلك اعتصم عمال شركة الدلتا للأسمدة بالدقهلية ضد القرار الحكومية بتصفية الشركة، فيما اعتصم عمال مصنع منسوجات بالشرقية بسبب عدم صرف الحوافز، وللسبب ذاته رصد “المرصد” اعتصام عمال شركة “ليوني” للأدوات الكهربائية.
حسب المرصد أيضًا، فقد نظم عمال مصنع الكرتون بالعاشر من رمضان وقفة احتجاجية للمطالبة بعدم تسريح العمال، بينما حرر عمال شركة نيو ناجح التجارية محضرًا بسبب فصل عدد منهم، فيما قام عمال شركة سيجوارت بتوقيع شكوى جماعية اعتراضا على قرار تخفيض الحوافز السنوية.
تلك بعض من معاناة العمال التي رصدها “مرصد الاحتجاجات العمالية”، لكن يشير القيادي العمالي كمال عباس إلى أنه مع حلول عيد العمال وخلال شهر رمضان فإن الأوضاع باتت شبه مستقرة في بعض المناطق التي شهدت احتجاجات سابقة، ضاربًا المثال بـ”توقف الحديث” عن تصفية شركة الحديد والصلب “ولو مؤقتًا”، كذلك العدول عن قرار نقل شركة الدلتا للأسمدة إلى محافظة السويس.
تواصلنا مع محمد موافي، أحد العاملين بشركة الدلتا للأسمدة، الذي أكد أن أوضاع العمال مستقرة خاصة بعد القرار الصادر مؤخرًا بعدم نقل المصنع وتطويره على أرض الشركة.. موافي أكد أن الأجور منتظمة والحوافز تصرف في مواعيدها.
في 28 مارس الماضي، قالت دار الخدمات النقابية إن عمال شركة ليونى وايرنج سيستمز لإنتاج الضفائر الكهربائية للسيارات، علقوا إضرابهم عن العمل والذي كانوا قد بدأوه يوم الخميس 25 مارس، احتجاجا على نسبة الزيادة السنوية التي أقرتها الإدارة بنسبة 7% من أساسي الأجر.
وذكرت أن الإدارة كانت قد أصدرت قرارا بنسبة الزيادة السنوية بنسب تتراوح من 7% إلى 13% من أساسي الأجر وفقا لسنوات الخدمة وهو ما يعني أن أصحاب الرواتب الكبيرة سيحصلون على النسبة الأكبر من الزيادة بينما سيحصل العاملين الذين تبلغ متوسطات أجورهم 2500ج على النسبة الأقل في الزيادة وهي نسبة الـ7%، وهو ما دفع العمال البالغ عددهم 4000 عامل/ة إلى الإضراب عن العمل معلنين احتجاجهم على قرار الإدارة، ومطالبين الإدارة بالوفاء بوعدها وزيادة الحد الأدنى للأجر بالشركة لـ 3000ج، لمواكبة الزيادات في الأسعار المتلاحقة ومواجهة أعباء المعيشة المتزايدة، وتحديد الزيادة السنوية بقيمة 15% لكل العاملين بالشركة دون تفرقة.
البيان تابع أنه بعد مفاوضات دامت يومين اتفق الطرفان على تعليق الإضراب ووعدهم بنقل مطالب العمال ووجهة نظرهم إلى إدارة الشركة الأم في ألمانيا وانتظار ردها على المطالب في موعد أقصاه يوم الخميس القادم واستجاب العاملين لإدارة فرع الشركة، وقاموا بتعليق الإضراب والعودة إلى العمل صباح اليوم الأحد 28 مارس.
لكن، وإن كانت بعض المناطق قد استقرت فيها أوضاع العاملين إلى حد ما إلا أن شبح الشك مازال يلقي بظلاله على العاملين خاصة في ظل “الغيوم” التي تحيط كثير منهم حول نظرتهم للمستقبل القريب أو البعيد.. أحد العاملين بشركة الحديد والصلب أكد ذلك لـ”درب” حين قال: مازالت الرؤية غير واضحة، نحن نخشى من تجدد الحديث عن الخصخصة والتصفية مرة أخرى.. ساعتها هنكون في الشارع.
العامل أضاف “إحنا أجورنا زي ما هي، ويتم صرف الحوافز دون خصومات وبالتالي مستلزمات بيوتنا وأوضاعنا الأسرية كويسة قبل دخول شهر رمضان، لكن المختلف السنة دي هو الخوف، شهر رمضان داخل علينا وإحنا خايفين من التصفية”.
الأمر ذاته أشارت إليه “دار الخدمات”، لكنها زادت على ذلك بالتأكيد على أن شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية التي أنشئت خصيصًا لكي تتكامل مع شركة الحديد والصلب المصرية وتمدها بالفحم اللازم لها باتت مهددة هي الأخرى بالتوقف والتصفية.
دار الخدمات النقابية والعمالية رحبت في بيان أصدرته بتصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، في اجتماعه مع عدد من أعضاء الحكومة مطلع أبريل الحالي، بشأن توفير المناخ الداعم لقطاعات الصناعات الوطنية والثقيلة، مجددة مطالبتها بإلغاء قرار تصفية شركة الحديد والصلب المصرية والوقف الفوري لكافة إجراءات تصفيتها، مع بحث العروض المقدمة لإنقاذ الشركة وتطويرها.
وجددت الدار، رفضها القاطع لقرار تصفية الشركة الحديد بعد تقسيمها وفصل المناجم والمحاجر عنها، مؤكدة أنه يعد تعارضاً تاماً مع التوجه نحو الاهتمام بالصناعات الوطنية والثقيلة وتوفير المناخ الداعم لها.
وأضافت أن الاختيار بين تصفية شركة الحديد والصلب المصرية أو استمرارها وتطويرها هو في المحل الأول قرار سياسي: هل نرغب في أن تكون لدينا صناعة الحديد والصلب الاستراتيجية أم أننا يعوزنا الطموح إلى ذلك؟
وتابعت: “ليس خافياً على أحد أن الحديد والصلب صناعة مغذية لصناعات كثيرة تتكامل معها، وليس هناك من ينكر أن الشركة الكبيرة كانت ولم تزل صرحاً من صروح الصناعة الوطنية ، وقلعة من قلاعها، وأنها لبت احتياجات بالغة الأهمية في لحظات فارقة بدءاً من الصناعات الحربية، وانتهاءً باسطوانات الأكسجين في ظل أزمة كورونا الخانقة”.
وشددت على أن إن الاختيار بين تصفية شركة الحديد والصلب المصرية أو استمرارها لا يمكن أن يستند فقط إلى حسابات الربح والخسارة الآنية الضيقة، بمعزل عن دورها وموقعها في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وفي يناء صناعة وطنية متكاملة على أسس قوية من الصناعات الثقيلة.
وأكدت دار الخدمات أن تصريحات الرئيس وتوجيهاته تبعث على الأمل في التراجع عن القرار الصادم الذي قوبل باستنكار شعبي واسع لا تخطئه العين، لما يمثله من تحد للمشاعر والطموحات الوطنية التي ارتبطت بإنشاء شركة الحديد والصلب التي كانت حلماً منذ أوائل الثلاثينيات ثم أضحت حقيقة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي.
وتابعت: “نعم .. نقر ونكرر أن الشعب المصري مرتبط عاطفياً بشركة الحديد والصلب مثلما هو مرتبط بقناة السويس، والسد العالي.. ليس فقط كونها صروحه الوطنية، وإنما أيضاً لأنها رموز لكفاحه التاريخي من أجل وطن حر مستقل”.
واستدركت: “رغم ذلك، وحتى بحسابات الربح والخسارة، تعالوا إلى حساب خسائر قرار التصفية : شركة المناجم والمحاجر التي تم فصلها عن الشركة الأم وتأسيسها تستند فقط إلى امكانية تصنيع مكورات الحديد، غير أن الأبحاث الكثيرة التي سبق إجراؤها اثبتت أنه يكاد يكون مستحيلاً صناعة مكورات الحديد من الخام المصري، وأن الطريقة الوحيدة لتصنيع هذا الخام هي أفران شركة الحديد والصلب المصرية التي تم بناؤها وإعدادها خصيصاً لكي تناسب هذا الخام، نحن إذاً أمام مخاطر إغلاق هذه الشركة المنقسمة وإهدار الخام المصري “.
ولفتت الدار أيضا إلى أن شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية التي أنشئت خصيصاً لكي تتكامل مع شركة الحديد والصلب المصرية وتمدها بالفحم اللازم لها، مهددة هي الأخرى بالتوقف والتصفية، وأن إيقاف الفرن الرابع الذي يعمل في الشركة الآن يعني خسارة مباشرة قدرها نصف مليار جنيه تقريباً.
وواصلت: “تصفية البنية التحتية لشركة الحديد والصلب المصرية بما تحتويه من محطات غاز وكهرباء مياه وسكك حديدية، والوحدات الإنتاجية المساعدة (محطات انتاج الأكسجين والغازات الصناعية وورش إنتاج قطع الغيار والهياكل المعدنية وورش الصيانة المركزية) يمثل أيضاً خسارة كبيرة، كما أن الكثير من هذه المحطات والشبكات يمتد إلى أعماق بعيدة تحت الأرض الأمر الذي يجعل الاستفادة من هذه الأرض لغير الغرض الذي أُعدت له أمراً شديد الصعوبة، فضلاً عن الصناعات التي تتكامل مع شركة الحديد والصلب والتي تتضرر بالقطع من تصفية هذه الشركة”.
مازال شبح “الخصخصة” و”التصفية” يطارد طبقة العمال، تلك الطبقة التي تُعد دُعامة أساسية من دعائم المجتمع، مازالت أوضاعهم متردية يعانون ظروفًا قاسية.. ليس من اختلاف يشهده العمال خلال عيدهم في هذا العام عن سابقيه إلا من تعميق مخاوفهم وزيادة أوجاعهم المادية وترقبهم للقادم علّ الأيام تحمل لهم خيرًا انتظروه طويلا.