أحمد فوزي يكتب: حكايات عن زياد العليمي.. أشغلك حميد
مع أول تداعيات هزيمة ثورة يناير، التي ظهرت بوادرها فى 2014، قال لى شخص حكيم جدًا رغم أنه مش كبير فى السن، يا أحمد بندول الساعة مش بيقف يا بيروح شمال يا بيجى يمين، طالما الثورة دى انهزمت، حيتنكل بكل شخص شارك فيها وأيدها وكل واحد ونصيبه، بالمناسبة هذا الشخص تولى منصب مهم فى وزارة الببلاوى، و كان من أكثر الناس صراحة واستقامة وتحمل للمسئولية، كنا نمر جميعآ بحالة نفسية سيئة، وتداعياتها تظهر علينا كلنا كل واحد بطريقته، يومها اقترح علي زياد العليمى وخالد على آجى جنبهم في المقطم: “أنت قاعد وحدك ليه يا ابنى ما تيجى تتلم معانا”.
ولأن البدايات لها دائما نهايات، في هذا الوقت كان الحزب الديمقراطي الاجتماعي بينهار، والناس بتتخانق وهى متصورة أن الخناقة لها فايدة رغم أن الموضوع بعد سنوات من التفكير بسيط، حزب انشأ وتأسس واتعمل فى ظروف محدد فيها شبهة انفتاح ديمقراطى، الانفتاح ده قفل، خلص الموضوع، أي ثورة أو انقلاب أو أي حدث عنيف بيحصل به تغيير خارج الأطر الطبيعية، (التفاوض الجماعى والضغط وصناديق الاقتراع وكل ما تمارسه البشرية تفاوض) هو ضربة لجميع الاشكال السابقة، فالثورة او الانقلاب او الانتفاضات، لا تقوم على السلطة الحاكمة فقط بل تقوم على معارضتها فى الأصل، وفي هذا الوقت كان ما حدث اعلان أن القوى الديمقراطية المعارضة للاخوان، ولا ترغب فى عودة نظام مبارك أو بالأحرى نظام 54، فشلت هى الأخرى فى أنها تقنع الناس بها، او قصرت فى أداء دور العاقل أو أو أو، هذا كان رأيي وهو لا يعنى الاستسلام بل التفكير بهذه الروح.
بعد الانتقال للمقطم كانت هذه روح مناقشتنا، ‘حنا ضد الاخوان المسلمين، وضد عودة الاستبداد ، الوضع خطير نعمل ايه، كان لكل منا طريقته في التفكير والاختيار (خالد ، انا ، زياد، مالك، ياسر، البلشى، يوسف، كل من كانوا يتجمعون افراد او جماعة فى بيت زياد فى المقطم)، و لكن لانه كان لي علاقة خاصة وانسانية بزياد، وأعرفه منذ أن كان طفلا، معرفش هو كان طفل ولا لأ، ولا تقريبا هو لحد دلوقتى طفل، لأني أول مرة قابلت زياد فيها، كنا عند أحمد سيف الله يرحمه، وقتها كنت فى آخر سنة فى الجامعة او كنا قد تخرجنا، وبنتلكك ونروح الجامعة، وفي هذا الوقت كان فى واحد صاحبنا مقبوض عليه، وفيه ناس تانية مطلوب القبض عليها، روحنا عند سيف، واثناء مناقشتنا سويآ، كان هناك اطفال بتلعب على الأرض ومشغولة، هؤلاء الاطفال كانوا زياد العليمى وعلاء احمد سيف (علاء عبد الفتاح)، وهم من يدفعون الآن فاتورة قيم سيف الله يرحمه، والتي أشار لها لما قال “سامحونا يا ولاد كان نفسنا نورثكم حاجة غير السجون”.
وقت المناقشة فط طفل شديد المراس، قال رأي، رديت عليه وأنا بضحك ومبسوط، طبعا قلت له “انت مالك انت”، قالي لو سمحت يا زميل أنا حقي أقول رأيي، و من يومها صارت بينا علاقة انسانية صداقة ورفاقة وزمالة، تزاملنا فى مشروعات سياسية كثيرة، محطات منها لم يحن وقت الكتابة عنها بشكل متكامل، أبرزها تأسيس ما أطلق عليه اليسار الديمقراطى، الذي لم ينصفه فى الأصل مؤسسيه، حتى ينصفه من اختلفوا معه، وقتها قرر 15 مواطنا، منهم من انتقل إلى رحمة الله و منهم من بقي، إعادة تقييم ونقد مرجعيتهم التاريخية، وإلاصرار على ما يظنه مؤسسيه، انه قطع مع تراث غرق فيه اليسار في الشعبوية، والتأثر بخطابات قومية وإسلامية.
وكان اجتهاد هذا التيار مؤثر فى انشاء التيار الديمقراطى الإجتماعى فى مصر، و كان زياد من أبرز الناس الموجودين بالتيار لانه كان أصغرهم سنآ، ورغم ذلك فإن هذا الشاب الصغير، اخد قرار السير عكس التيار، لأنه يملك الشجاعة ولا يخضع لابتزاز، في نقس الوقت مرت تجاربنا السياسية مهما اختلفنا، دون أن تؤثر على صداقتنا فهى من نوع خاص جدآ جدآ، فعلاقات الصداقة بين البشر اللي من نوعنا غريبة، ممكن يكون عندك رفاقة أصدقاء جدعان، بتقدر بتحترم بتحب، بس البوح بالأسرار وكشف المستور، والفضفضة مع حد كأنك نفسك دى مش سهلة، كمان الاعتراف بالاخطاء، وكشف العيوب أصعب.
(آباء اعتراف) مثل هؤلاء فى حياتى قليلين جدآ، ومع الزمن بيقلوا جدآ كل أصحابى القدام هاجروا من بلدنا السعيدة، واتفضل ناس قليلة، ورغم فرق السن بينى وبين زياد، الا انه كان أحدهم ، ومع ذلك شجعنى كمان انى ابطل حاجة غلط كنت بعملها إني ما صاحبش حد اصغر مني، لكن علاقتى بزياد مش بس خلتنى انفتح على جيله اللي زى الورد واللي اصغر منهم كمان .
قليل من يعى جيدآ معنى ان يكون ليك صحاب تعترف لهم، فى مرة وبعد نقاش عاصف داخل الحزب، و وصل بى الحال أنا وزياد أن اتهمنا بعض بالمراهقة والانتهازية، وكملت بـ “أنت مش فاهم حاجة.. والله يا عم انت الى نايم”، انتهت المناقشة على المغرب، وفى الساعة 10 مساء عديت الشارع اتميشت ورحت له البيت، أول ما دخلت لقيت كل الوشوش اللي كانوا في الطرف التاني في المناقشة قاعدين، أول ما دخلت نزل عليهم سهم الله، اخدت جنب وقعدت على بار المطبخ وجالى زياد، وقعدنا نتكلم فى مشاكل انسانية، قالى مالك متضايق ليه حكيتله وقعدنا نحكي، وضحكنا جامد أوي، لما شاورتله على اللي قاعدين وقلت له همه دول التيار الراديكالى اللي معاك، وقتها تصور البعض، ومنهم الصديقة الغالية هالة فودة اننا كنا بنمثل فى الحزب. لأن بعضهم لم يدرك طبيعة علاقتنا.
لقاءات أسبوعية أو شبه يومية من ساعة ما نقلت المقطم، والازمة وقتها بتزيد علينا كلنا، كنا بنقعد وحدنا آخر اليوم، يقولى أشغلك حميد، واقعد أحكي وهو بيطبخ وبعدين يحكى هو عن نديم أبنه، عن الصور اللي متعلقة على الحيطان عنده، عن قصص كتير انسانية، وفجأة يفصلني ويقولى نجيب صاروخين من أبو ليلة، ناكلهم، ونتفق اننا بكرة لازم نعمل تحاليل، ولازم نروح لدكتور سوا. كان كل واحد منا عنده أمراضه الخاصة، بعضها مشتركة، وبعضها حصري عند كل واحد.
لما أبويا مات، زياد كان عارف علاقتى به قوية قد ايه، و تقريبا أنا فضلت متماسك فترة وبعد كده عيطت كتير، بالمناسبة أنا بستغلس جدآ البنى آدمين الى بتقول الرجالة مش بتعيط، فى أول ليلة عيد، زياد كان عارف أني بروح بيت أبويا وأمى وأسيب العيال، وأروح نسهر وأرجعلهم تانى، قعد يكلمنى 10 مرات، وأقوله انا مش حسهر يا زياد، مش عايز اشوف حد يقولى انا عارف انك متضايق، اقوله يا أبنى هو انا يتيم، انا زى الشحط ابويا مات على كبر، قعد يزن عليا، لحد ما روحتله، و قعدت أحكي أحكي أحكي، قالي اشغلك حميد وقعدت افتكر أبويا وأعيط كأنه مات امبارح، وزياد يعيط ومنعرفش كنا بنعيط على ايه و لا على مين.
*****
دون الدخول فى تفاصيل اليوم المشئوم بالقبض على زياد وأصدقاء زي حسام وهشام وغيرهم وتفاصيل القضية اللي مفيهاش قضية، و تفاصيل ما قبل القضية، يومها فوجئت ان مراتى بتصحينى الصبح، تقولى فلانة وفلان وفلانة بيتصلوا يطمنوا عليك، قوم تليفونك مقفول، وزياد اتقبض عليه، حطيت إيدى على راسي، و قعدت ربع ساعة مش عارف اتحرك، كنت باتصور ان الموضوع حياخد شهر أو اثنين أو ستة أو سنة، انما نخش فى سنتين ليه يعنى، وعشان إيه ده كله، وإيه الجريمة اللي عملها زياد وحسام وهشام وحسن وتمام، مش هما بس غيرهم فى قضايا تانية كتير، علشان يتحرموا من أهلهم وأصحابهم ويتحرموا من شغلهم.. كتير اوي أوي قصاص، وعمرو امام، واسراء، وباقر، وعلاء، ودومة، وعبد الناصر اسماعيل، وكمال البلشى و و و و و افتح القوس.
اتمنى حد يقفل القوس ويخرج زياد و كل اللي لم يمارس عنف أو يحرض عليه، وكل اللي تهمته انه بيحلم ويفكر وبيسمع حميد.