د. أحمد حسين يكتب: صدق السيسي.. لكنه لم يُكمل الآية
“معلش يا د.هاله، اسمحيلي الأول أني هقطع قبل ما نعمل الإفتتاحات دي، وأقول إن إحنا من فضلكم، نوجه التحية والتقدير للعاملين في القطاع سواء اللي هم يعني إستشهدوا في أداء هذه المهمة، أو اللي ما زال حتى الآن بيقوموا بدورهم الرائع جدًا والعظيم جدًا في حمايتنا وحماية شعبنا من هذه الجائحة، و ده أمر هبدأ به كلامي”.
“لو عملت المستشفى، المستشفى حاجة وإدارتها وتشغيلها حاجة تانية، مش كده يعني، ما إحنا ممكن نعمل الـ 50 ،60 ألف فصل اللي بيتكلم عنهم، طيب بعد ما نعملهم الناس الي هتبقى موجودة جواهم، مش بتبقض وبتبقى عاوزة تعيش، ونقول بعد كده أن الناس في قطاع الصحة مبيقبضوش كويس ونقول بعد كده أن الناس في قطاع التعليم مبيقبضوش كويس، أيوه وأنا معاكم هخبي ليه مهي دي حقيقة، طيب هيفضل الموضوع كده، لا بنحاول نحسن ولكن القيمة الحقيقية أكثر من كده بكتير، يمكن لسه كنا بنتكلم عن اللي استشهدوا، هو المقابل بتاع ده إيه، المقابل عند ربنا بقى، لكن إحنا كمصر كبشر مش هنقدر نديهم حاجة، راحوا عند ربنا، لكن على الأقل الموجودين يقدروا يأخدوا مقابل جيد، المقابل الجيد مش هقدر أوصله بمعدلات النمو مهما حصل فيها تقدم مع معدلات نمو سكاني بالطريقة دي، أنا طولت عليكي معلش يا د.هاله، ممكن نخش على الإفتتاحات بقى وكفاية كده”.
فقرتان، الأولى في المقدمة والثانية في خاتمة مقاطعة امتدت لأكثر من عشرين دقيقة، لرئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي أثناء إفتتاح عدة مستشفيات بطريقة الفيديو كونفرينس من الإسماعيلية، فضلت أن أكتبها نصًا من حديثه عن نقل مقتطفات وسائل الإعلام المكتوبة، بين هاتين الفقرتين من حديث السيسي تكرار لأحاديث سابقة له عن آفة التعداد السكاني لمصر وإبتلاعها إنجازات النمو الإقتصادي، وعن مطالبات المجتمع بالعمل مع الحكومة ودور الأسرة في متابعة أطفالها، كانت كلمات السيسي من خلال تناوله تفاصيل المبادرات الرئاسية في مجال الصحة.. أما الجديد في حديث الرئيس هو تأكيده على أحقية التعبير عن الرأي والمعارضة البناءة لتحسين أحوال المصريين واستعداده لتقبل المعارضة والنقد شريطة أن يكون صاحبه “فاهم بيقول إيه”، ومن هذا الجديد في حديث السيسي، و لعَّلني أفهم ما أقول، فأوجه النقد البناء أملًا في تحسين أحوالنا، بإهمال العلم والصحة تتَوَهَّن الأمم
تنفق مصر الكثير من ميزانيتها لشراء أسلحتها الحربية، بينما تنفق الدول المصنعة للسلاح أضعاف تلك النسب لدعم البحث العلمي والعاملين به حتى يتسنى لهم الإبتكار وإنتاج أسلحة يصدروها إلينا، وتنفق أيضًا الكثير من ميزانياتها على الصحة، فلا تعليم ولا علم ولا إنتاج بدون صحة.. إن كانت مصر تتطلع فعليًا لتلك الدول التي سلكت مسار التنمية الحقيقية فلتقارن بين نسب ما تنفقه تلك الدول من ميزانيتها على التعليم والصحة وبين ما تنفقه مصر، فسنعلم في أي مرحلة نحن من مسار التنمية أو كنا خارجه.. وبالمناسبة من تلك الدول ما يفوق أضعاف مصر تعدادً سكانيًا.
الرئيس اقتطع الآية
بالفعل من استشهدوا من العاملين بالقطاع الصحي وشهداء كل مجال ممن قدموا أرواحهم أثناء عملهم، في أية دولة وفي كل وطن، لن تستطيع مصر أو غيرها و لا أي بشر أن تقدم لهم شيئًا، حقًا هم عند ربهم يوفيهم ما وعدهم.. ولكن على الأرض من نسل هولاء الشهداء من ما زالوا يعيشون كبد الحياة. ولزامًا وواجبًا على الدولة بكل مؤسساتها أن ترد جميل شهداء السماء في ذويهم على الأرض، ما يتحدث عنه الرئيس من مقابل جيد للموجودين مشروط بإنخفاض معدل النمو السكاني، لن يعطي الطمأنينة ويعزز الإنتماء وهم يعايشون معاناة أسر الشهداء من زملائهم.
سنكمل الآية
إثر تصريحات عديدة للرئيس السيسي والحكومة، عن إحتساب من توفاهم الله من العاملين بالصحة أثناء عملهم شهداء، تعالت الكثير من المطالبات والنداءات من أسر الشهداء والمجتمع المدني والنقابات الصحية، بمعاملة شهداء القطاع الصحي كشهداء القوات المسلحة والشرطة، وأيضًا كانت هذه المطالبة مضمون تصريحات ومقترحات برغبات مقدمة من بعض النواب في مجلسهم السابق والحالي، كان أكثرها عمليًا ما تقدم به النائب فريدي البياضي عضو مجلس النواب إلى رئيس المجلس قبل أيام قليلة من حديث السيسي، بمشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون 16 لسنة 2018 الخاص بتكريم شهداء وضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم، وكتب البياضي ضمن المذكرة الإيضاحية لمشروعه “فجائحة كورونا لا تقل خطورة عن العمليات الإرهابية، فكلتاهما تحصد أرواح المواطنين، الأمر الذي يعني بالضرورة حتمية تماثل المراكز القانونية لخطوط المواجهة الأولى، وضرورة تماثل المعاملة ماديًا وأدبيًا،بين كافة شهداء الأطقم الطبية من مصابي فيروس كورونا، وشهداء ضباط الجيش والشرطة جراء العمليات الإرهابية” ويضيف البياضي في المذكرة التوضيحية “فما الفارق بين من يفقد حياته وهو يواجه فيروس قاتل في ميدان طبي، وبين من يفقدها وهو يلاحق إرهابيًا مدججًا بالسلاح يهدد أمن و سلامة وبقاء الدولة؟، فكلاهما شهيد للوطن قائم على مهنته”.
الأكثر من تعليقات المجتمع والوسط الصحي باركت ودعمت مشروع قانون النائب، والبعض من الوسط الطبي كان مصدر إحباطه تعليقًا مجتزء من حديث السيسي”الي استشهدوا حقهم عند ربنا”، قد يكون تفسير خاطيء لكلمات الرئيس ويقصد الشهداء أنفسهم أما أسرهم ذويهم فهو يقر واجب الدولة في تكريمهم ورعايتهم،و قد يكون المُحبطين على صواب.. في كلا الأمرين الرئيس ليس بآله، هو بشر يوخذ ويرد عليه، وهو من طالب بالتعبير والنقد لتحسين أحوال المصريين، وإن كان كاتب المقال لم يحقق شريطة تقبل نقده وهو “الفهم”، فمقدم مشروع تعديل القانون هو عضو مجلس النواب وطبيب، فأغلب الظن أنه قد تحقق معه شرط الفهم..
سواء أخطأ مفسري حديث الرئيس أو أخطأ السيسي الحديث، فواجبنا أن نتكاتف، أعضاء مجلس النواب، والمجتمع بمؤسساته والنقابات المهنية، لنصحح أو أن نكمل الآية التي لم يُكملها الرئيس.