عشر سنوات علي ثورة يناير.. إلهامي الميرغني يكتب: ماذا حدث للاقتصاد في مصر؟!.. 3- نتائج التنمية بالمول والكمبوند (ملاك مصر الجدد)
أوضحنا في الحلقات السابقة كيف قادت السياسات الاقتصادية التي تشكل استمرارية نظام مبارك بسياساته وانحيازاته إلى إغراق مصر في المزيد من الديون وزيادة معدلات الفقر وانتشاره بما يؤكد فشل توجهات التنمية المتبعة منذ 25 يناير وحتي الآن. لذلك سنركز في هذه الحلقة الثالثة والأخيرة علي سياسات التنمية بالمول والكمبوند.
خلال عهد مبارك تم احتلال الساحل الشمالي حتي مطروح وساحل البحر الأحمر حتي مرسي علم وتحويلها إلى شاليهات ومنتجعات سياحية للصفوة واختفت الشواطئ العامة. وبعد 2013 دخلنا مرحلة الاستيلاء علي الشواطئ العامة في الإسكندرية ومرسي مطروح وحجب البحر عن المواطنين كما حدث في فندق لسان رأس البر الذي حرم الزوار من مشاهدة نقطة التقاء النيل بالبحر. لكن لم يتوقف الأمر عند هذه المرحلة .
المول والكمبوند
عرفت مصر منذ الثمانينات انشاء المولات التي بدأت متواضعة في السراج مول واريكيديا مول ثم تطورت الظاهرة واتسعت حتي عرفنا مول مصر ومول العرب الذي بلغت تكلفة انشائه 722 مليون دولار، وهو ما يعادل 11.5 مليار جنيه ووفر أربعة الاف فرصة عمل لتصل تكلفة فرصة العمل الي 2.8 مليون جنيه.
أصبحت رموز التنمية بالمول والكمبوند هم أمثال هشام طلعت مصطفي، وعامر جروب، صاحب منتجعات بورتو، وأل ساويرس أصحاب الجونة وبرج الشيخ زايد، والعديد من المشروعات العقارية. وظل هذا هو نمط التنمية السائد بعد ثورة يناير وبعد عزل مرسي وتولي الرئيس السيسي الذي عقد مؤتمرا اقتصاديا ليقدم لنا العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة ومدينة الجلالة والمئات من مشاريع الطريق والكباري.
لم نسمع عن شركات صناعية أو تجارية أو زراعية ولكن امتلئت الاعلانات المسموعة والمرئية برموز التنمية في العصر الجديد مثل الريف الأوروبي ومنتجعات طريق مصر الاسكندرية الصحراوي الذين اشتروا الأرض بسعر مدعم لاستصلاحها ثم حولوها لآراضي بناء وحققوا الأرباح بالمليارات.
عرفنا من رموز هذه المرحلة شركة إعمار مصر، المالكة لكمبوند أب تاون كايرو ، منتجع مراسي الساحل الشمالي، وكمبوند ميفيدا القاهرة الجديدة. تصل إجمالى مساحة الأراضى المملوكة لشركة إعمار حوالى 15.46 مليون متر مربع موزعة على 4 مواقع فى شرق، وغرب، ووسط القاهرة، وكذلك فى الساحل الشمالى. ومن أبرز المشاريع الحالية قيد التنفيذ ضمن محفظة «إعمار مصر» هى مشروع «آب تاون كايرو»، وتبلغ مساحته 4 ملايين متر مربع، ومشروع «ميفيدا» فى القاهرة الجديدة على مساحة 911 فدانا، بالإضافة إلى الأراضى المملوكة للشركة فى منطقة سيدى عبد الرحمن الساحل الشمالى بمحافظة مطروح، وتنقسم إلى قطعة أرض تبلغ مساحتها 6.2 مليون متر مربع لمشروع مراسى، وقطعة أرض بمساحة 68 ألف متر مربع، وقطعة أرض بمساحة 11 ألف متر مربع، وقطعة أرض أخرى على مساحة 50 ألف متر مربع .بالإضافة إلى قطع أرض على طريق مصر الإسكندرية الصحراوى موزعة بين قطعة أرض على مساحة 244 ألف متر مربع، وقطعة أرض بمساحة 327 ألف فدان، وقطعة أرض بمساحة 14 فدانا.
وشركة الشرقيون للتنمية العمرانية مالكة مشروع أزاديروهي الشركة الوحيدة التي بدأت بالاستثمار الصناعي وتحولت للتطوير العقاري، وتتوزع محفظة أراضى الشركة، بين مشروع جنوب على مساحة 50 فدانا بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع بالساحل الشمالى على مساحة 80 فدانا، ومشروع بالقاهرة الجديدة على مساحة 21.5 فدان، ومشروع هليوبوليس هيلز بمدينة العبور بمساحة 18 فداناً، مشروع البارون بمساحة 38 فدانا، مشروع سكنى بالقاهرة الجديدة بمساحة 16 فدانا.
ومعمار المرشدي ملاك كمبوند دجلة لاند مارك، كمبوند قطامية جيت، كمبوند باڤاريا تاون، كمبوند وان قطامية. وشركة سوديك مالكت سوديك إيست ، مالكة كمبوند سوديك فيليت.
تتصدر مجموعة طلعت مصطفى، ترتيب الشركات العقارية فى مصر بإجمالى مساحة تبلغ أكثر من 45 مليون متر مربع، موزعة بين مشروع مدينتي بالقاهرة الجديدة، بمساحة 33.6 مليون متر، ثم مدينة الرحاب وامتدادها بمساحة 4.5 مليون متر مربع، فمشروع «بورت فنيس»، بمدينة مرسى علم بمساحة 3.3 مليون متر مربع، ثم مشروع سيليا بالعاصمة الإدارة الجديدة، بمساحة 2.1 مليون متر مربع، وامتداد فندق فورسيزونز شرم الشيخ بمساحة 957 ألف متر مربع، امتداد مشروع الربوة بمدينة الشيخ زايد بمساحة 819 ألف متر مربع. وقد حققت طلعت مصطفى أرباحاً بلغت 1.7 مليار جنيه خلال الفترة من يناير إلى ديسمبر لعام 2018، مقابل أرباح بلغت 1.3 مليار جنيه فى الفترة المقارنة من 2017.
كذلك شركة بالم هيلز التي تحتل المرتبة الثانية بإجمالى مساحة تعادل 40.6 مليون متر مربع موزعة بين 24 مشروعا مقسمة إلى مشروعات قائمة بمساحة إجمالية 3.2 مليون متر مربع، وهى المراحل من الأولى للخامسة بمشروعات بالم هيلز أكتوبر، كاسكيد، بامبو، جولدن بالم، بمساحة 1.7 مليون متر مربع، مشروع امتداد البامبو بمساحة 168 ألف متر مربع، ذا فيلدج مساحة 105 آلاف متر مربع، فيليج أفينو بمساحة 35 ألف متر مربع، فيليج جيت بمساحة 147 ألف متر مربع، كارا بمساحة 294 ألف متر مربع، فيلج جاردن القطامية بمساحة 298 ألف متر مربع، امتداد بالم هيلز القطامية بمساحة 275 ألف متر مربع، هاسيندا وايت 1 بمساحة 216 ألف متر مربع .وقد حققت بالم هيلز أرباحاً بلغت 906.8 مليون جنيه خلال الفترة من يناير إلى ديسمبر 2018، مقابل أرباح بلغت 936.4 مليون جنيه فى عام 2017.
تمتلك شركة أوراسكوم للتنمية مصر، أكبر محفظة أراضى تقدر بمساحة 50 مليون متر مربع، موزعة بين أراض عقارية وسياحية، وتستحوذ الجونة على النصيب الأكبر من المحفظة بإجمالى مساحة 37 مليون متر مربع، تم استغلال 15 مليون متر منها، تليها مشروع مكادى بالبحر الأحمر بمساحة 3.7 مليون متر، ثم منتجع طابا هايتس بمساحة 2.5 مليون متر، وآخر مشروعاته بالشراكة مع الدولة باسم مشروع «O- West» بمساحة 4.2 مليون متر.كما تمتلك شركة أوراسكوم للتنمية 2,655 غرفة فى الجونة، 2.365 غرفة فى طابا هايتس و 53 غرفة فى الفيوم و 27 غرفة فى الفندق العائم، ليبلغ إجمالى الغرف الفندقية التى تمتلكها 5.100 غرفة.إضافة لمشروع الشيخ زايد .( اليوم السابع – من حيث الأراضى- ترتيب الشركات العقارية فى مصر.. طلعت مصطفى فى الصدارة – 13 مايو 2019 )
الدولة والاستثمار العقاري
لم تشمل رؤية التنمية العقارية شركات القطاع الخاص، والشركات الخليجية بل امتدت إلى الدولة التي راحت تنشئ مدن للصفوة مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة والجلالة. وقد صرح اللواء أحمد زكي عابدين أن تكلفة المرحلة الأولي من العاصمة الإدارية الجديدة تبلغ 800 مليار جنيه وذلك بخلاف 360 مليار جنيه تكلفة قطار المونوريل في دولة يتصاعد فيها عجز الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات وتتراجع عائد السياحة والبترول وتحويلات العاملين في الخارج مع ارتفاع حجم الديون المحلية والخارجية والتي تلتهم الجزء الأكبر من المصروفات العامة والاضطرار للمزيد من الاستدانة مع تصاعد معدلات الفقر والجوع. وأصبحت أهم منجزات المرحلة بناء أعلي برج في إفريقيا وأكبر مسجد وأكبر كنيسة في العاصمة الإدارية الجديدة .
أوضاع الصناعة والزراعة في ظل التنمية بالمول والكمبوند
أقرت مصر في خطة 2030 أنها تسعي ليكون نصيب الخدمات من الناتج المحلي الاجمالي 70% وبذلك توجت مرحلة أهمال الزراعة والصناعة وصمتت علي هجرة الزراعة وتدمير نمط الانتاج الفلاحي وضياع السيادة الغذائية المصرية.
يمكن قياس التطور الزراعي بمقياسيين الأول هو نسب الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية والحيوانية والثاني هو متوسط نصيب الفرد سنوياً من هذه المواد وكيف تطور .
كان الاكتفاء الذاتي من القمح في 2008/2009 بحدود 74.9% ووصل بفضل هذه السياسات الي 42.7% عام 2017 والأرز كان لدينا فائض يصل الي 110.3% انخفض الي 91.5% خلال نفس الفترة ، الفول كان 67.3% وصل الي 20.1% والعدس كان 1.1% وصل الي 1.9%. الزيوت النباتية كانت نسبة الاكتفاء الذاتي منها 56.9% عام 2013 ووصلت الي 8.8% فقط في 2017.
اللحوم الحمراء انخفضت من 89% عام 2008/2009 إلي 65.9%، لحوم الدواجن من 97.8% الي 92.9% والاسماك من 87.8% الي 80.4% واللبن الحليب من 100% الي 91%.
انعكس ذلك على مؤشر متوسط نصيب الفرد السنوي من الاستهلاك حيث انخفض متوسط النصيب السنوي للفرد من الحبوب من 303.6 كيلو جرام الي 63.8 كجم ، البقوليات من 6.9 كجم الي 5.5 كجم ، اللحوم الحمراء من 14.8 كجم إلي 4.5 كجم واللحوم البيضاء من 11.7 كيلو جرام إلي 5.2 كجم ، الألبان من 73.2 كجم إلي 5.8 كجم . ( مصادر الأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء – كتاب مصر في ارقام ، معهد التخطيط القومي – تقرير أوضاع الأمن الغذائي في مصر 2019 )
علي مستوي الصناعة تقدر بعض الدراسات وجود ما بين خمسة آلاف وثمانية آلاف مصنع متوقف عن العمل، إضافة إلى الطاقات العاطلة المتزايدة في المصانع التي لازالت تعمل، ومن واقع دراسات مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، ووفقاً لبيانات الكتاب الإحصائي السنوي تراجع انتاج مصر في العديد من المنتجات الصناعية منها الفوسفات من 4.8 مليون طن عام 2013/2014 إلى 2.5 مليون طن في 2015/2016 وهي البينات المنشورة في الكتاب الاحصائي لعام 2019 ، كما تراجع انتاج خام الحديد من 3.9 مليون طن عام 2010/2011 إلي 509 ألف طن عام 2015/2016 .
ما بين عامي 2009/2010 و 2015/2016 تراجع انتاج مصر من الجرانيت من 9.9 الف متر مكعب إلى 916 متر مكعب، الحجر الجيري من 428.3 الف طن الي 14.2 الف طن، الجبس من 966.2 الف طن الي 68.6 الف طن.أما علي مستوي الصناعات الغذائية فقد تراجع الانتاج من المسلي الصناعي من 630.7 الف طن الي 120.5 ألف طن ، الدهون والزيوت النباتية المهدرجة من 626.7 الف طن الي 120.5 ألف طن .
علي مستوي متوسط نصيب الفرد من بعض السلع الغذائية فقد كان علي النحو التالي : تراجع نصيب الفرد من دقيق القمح الكامل من 27.2 كيلو جرام سنوياً إلى 21.7 كيلو جرام سنوياً، المسلي الصناعي من 7.6 كجم إلى 1 كجم، المكرونة من 11.2 كجم إلى 4.3 كجم .
أما علي مستوي المنتجات البترولية، فقد تراجع انتاج البوتاجاز من 1.7 ألف طن عام 2010/2011 إلى 1.6 ألف طن عام 2016/2017، الغاز الطبيعي من 46.3 مليون طن إلى 34.7 مليون طن . كل ذلك وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وبدلاً من وضع سياسة صناعية تزيد الإنتاجية لتصل إلى معدلاتها في 2010 وتتجاوزها بخطط للتطوير والتحديث مع نمو السكان ما بين 2010 و 2021 يتم اتخاذ قرارات بتصفية المصانع المنتجة من القومية للأسمنت إلى الدلتا للأسمدة ومصر كفر الدوار للغزل والنسيج وأخيراً الحديد والصلب .
ويتفاقم عجز الموازنة وميزان المدفوعات مع تفاقم المديونية، وارتفاع معدلات الفقر بما يعكس فشل سياسة التنمية بالمول والكمبوند، والآن وبعد عشر سنوات من يناير وعلي مستوي التطور الاقتصادي ومن واقع البيانات الحكومية والمصادر الرسمية المنشورة والمعلنة نجد اننا تخلفنا ورجعنا للخلف، وأن تبديد المليارات علي مشروعات عقارية لن تقود عجلة التنمية بل ستقود للمزيد من العجز والأزمات. ويتأكد استمرار سياسات مبارك الاقتصادية بدون مبارك، وكل يناير ومصر والمصريين بخير.
إلهامي الميرغني