عشر سنوات علي ثورة 25 يناير.. إلهامي الميرغني يكتب: ماذا حدث للاقتصاد في مصر ؟.. 1- سياسات الفقر والإفقار
بعد مرور عشر سنوات علي ثورة 25 يناير حدثت تحولات كثيرة، ولكن سأركز هنا علي التغيرات الاقتصادية بشكل رئيسي، فقد انتهي المطاف باستمرار سياسات مبارك بدون مبارك بل ودخول مرحلة متقدمة من سياسات الإفقار والتبعية توجت بتوقيع اتفاق قرض صندوق النقد الدولي في 2016 وما ترتب عليه من قرارات ممتدة مع المزيد من الديون.
لقد طالب الثوار في ميادين الثورة بالعيش والعدالة الاجتماعية فماذا تحقق علي هذا الطريق بعد عشر سنوات من يناير ؟!
ادعت الحكومات المتعاقبة منذ 25 يناير وحتي الان الحديث عن اصلاح اقتصادي وتنفيذ سياسات منحازة بالكامل للمستثمرين ورجال الإعمال.كما دخلت مصر في العديد من المشروعات التي سميت بالقومية والعملاقة . فهل ساهمت هذه المشروعات في تقليل حدة الفقر أما زادت معدلات الفقر وبارقام الحكومة المعلنة .
كانت معدلات الفقر في مصر من واقع بحث الدخل والانفاق والاستهلاك الذي يجريه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كل سنتين . كانت نسبة الفقر في 2010/2011 في حدود 25.2% وارتفعت الي 26.3% في 2012/2013.
وفي تقرير أعده مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار عام 2014 عن فقر الأطفال في القري الاكثر فقرا حيث اكد التقرير إن 7.2 ٪ من الأطفال ما بين سن 7 – 17 سنة في القرى الأكثر فقرًا لم يتلقوا تعليمًا من أي نوع، في حين بلغت هذه النسبة 3.98 ٪ على المستوى القومي، وسجل ريف الصعيد أعلى نسبة 8.1 % . كما أن 5.7 ٪ من الأطفال بين سن 7 -10 سنوات في القرى الأكثر فقرًا لم يلتحقوا قط بالمدرسة، وتتضاعف هذه النسبة 10.2 ٪ لدى الفئة العمرية 15 -17 سنة. وخلص التقرير الي أن ريف صعيد مصر هو الأفقر على المستوى القومي، وينعكس ذلك على الأطفال حيث ترتفع معدلات الحرمان بينهم هناك. ويفتقر الأطفال في القرى الأكثر فقراً، بشكل عام، للسكن الملائم وللمرافق الصحية اللائقه، بالإضافة إلى الحرمان من الحد الأدنى من التعليم، إلا إنه على الرغم من ذلك، يبدو أن حملات التطعيم تلاقي نجاحًا في هذه المناطق الصغيرة المغلقة. ويمكن تلخيص محددات حرمان الأطفال في عامليْن رئيسييْن: عدم وجود البنية التحتية اللائقة في القرى الفقيرة، وقلة الاستثمار في البالغين والمتمثل في التعليم والتشغيل المستقر (أي الاستثمار في رأس المال البشري). يؤكد هذا أهمية الاستثمار في التعليم عالي الجودة وخاصة بين الإناث من أجل تمكين الجيل القادم من الأطفال من الخروج من دائرة الفقر.من ناحية أخرى، ينبغي أن يكون هناك المزيد من الاستثمارات على المستوى الكلي، حيث يجب أن تبدأ الحكومة في تطوير البنية التحتية، وتشجيع الاستثمار في هذه القرى لتأمين فرص عمل أكثر استقراراً.
الفقر والفقراء عام 2015
بحث الدخل والانفاق والاستهلاك لعام 2015 اوضح زيادة معدلات الفقر الي 27.8% من السكان بعد ان كانت 26.3% في 2012/2013. ومن ابرز نتائج التقرير أن 57% من سكان ريف الوجه القبلي لا يستطيعون الوفاء بإحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء ، مقابل 19.7% بريف الوجه البحري.وتقل تلك النسبة الى أقل من الثلث في حضر الوجه القبلي 27.4 %. كما اتضح أن 15% من سكان المحافظات الحضرية فقراء .
كما شهد حضر و ريف الوجه القبلي وريف الوجه البحري ارتفاعاً في مستويات الفقر بين عامي 2012 / 2013 و 2015 ، بينما شهدت المحافظات الحضرية و حضر الوجه البحري إنخفاض في مستويات الفقر خلال نفس الفترة .
يعيش 51 % من الفقراء في ريف الوجه القبلي بينما يعيش 26 % من السكان بها.وتصل نسبة الفقراء الى أعل مستوياتها في محافظات أسيوط و سوهاج حيث بلغت 66 .%كما تأتي محافظة قنا بعد محافظات أسيوط وسوهاج حيث بلغت نسبة الفقراء بها 58 %. كما أن 18 % من السكان في محافظة القاهرة من الفقراء.
هذه هي ابرز نتائج بحث الدخل والفقر في 2015.
تطور الفقر والفقراء في 2017/2018
بعد ثلاث سنوات من تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي وبعد تنفيذ مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة ثم العلمين الجديدة ومدينة الجلالة.اضافة الي شبكة كبيرة من الطرق والكباري.هل انخفضت معدلات الفقر ونسب الفقراء في مصر؟!
جاءت نتائج البحث صادمة حيث تم تحديد خط الفقر الوطني 736 جنيه للفرد في الشهر وخط الفقر المدقع ب 491 جنيه للفرد في الشهر وبالتالي الاسرة المكونة من اربعة افراد لو قل دخلهم الشهري عن 2944 جنيه يكونوا فقراء واذا قل دخلهم الشهري عن 1964 جنيه في الشهر يصبحوا فقراء فقر مدقع .
رغم كل المشاريع التي نراها ونشاهدها صباح مساء ارتفع الفقر في مصر 4.7% ما بين 2015 و2017/2018. من 27.8% إلي 32.5%.وارتفع الفقر المدقع من 5.3% إلي 6.2%.
عام 2017/2018 لا يزال 52% من سكان ريف الوجه القبلي يعيشون تحت خط الفقر ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء،ولا يزال ثلثي الفقراء يسكنون الريف اي ان المشروعات التي تنفذها الحكومة لم تصل للريف لتحل مشاكل الفقر والبطالة التي زادت حدتها ولم تنخفض وفقاً لإحصائيات الحكومة والجهاز المركزي.
تزيد نسب الفقر في جميع محافظات الصعيد ما عدا الفيوم وتصل الي اعلي معدلاتها في اسيوط 66.7% وسوهاج 59.6% من السكان.وهو ما يكشف ضعف التنمية في الصعيد واذا ربطنا ذلك بالبطالة والتعليم سنجد أنها البيئة الخصبة لاحتضان الأرهاب والتطرف والتعصب. كما اثبتت نتائج الدراسة ان دعم السلع التموينية قد ساهم في تخفيض الفقر بنسبة 5.3% ولذلك تم تخفيض وزن رغيف الخبز لتزداد امراض الفقر من الانيميا والتقزم.
كما اوضح التقرير ان دعم الكهرباء خفض الفقر بنسبة 4.7% لذلك رفعت الحكومة أسعار الكهرباء لأفقر شرائح المستهلكين التي تستهلك 50 كيلووات ساعة في الشهر بنسبة 36% عام 2019 و 27% في عام 2020. والشريحة التي تستهلك اقل من 100 كيلو وات ساعة بنسبة 33% عام 2019 و 20% في 2020.
لذلك تعكس السياسات العامة تعميق الفقر وزيادة اعداد الفقراء لتتبدد هتافات العيش والعدالة الاجتماعية في ظل سياسات تعمق الفقر.هذه بعض الحقائق حول الفقر والفقراء وتطور وجودهم من 2010 الي 2021 .كما تؤكد تلك النتائج ان سياسة التنمية بالمقاولات والطرق والكباري وانفاق المليارات علي هذه المشاريع لم يخفض معدلات الفقر بل تتزايد وخاصة في الصعيد المنسي.كما ان معدل الفقر في 2017/2018 وصل الي 47.7% في محافظة البحيرة.وكذلك في العاصمة القاهرة ارتفعت نسب الفقر من 17.5% عام 2015 إلي 31.1% عام 2017/2018 وهذه الأرقام تؤكد فشل سياسات التنمية الحالية التي عمقت الفقر وزادت نسب الفقراء في العاصمة والصعيد.
ينشر المقال ضمن سلسلة مقالات عن 10 سنوات علي ثورة يناير.. وهذا هو المقال الأول ضمن التأثيرات الاقتصادية