أمير متى يكتب: ماذا تعلمنا هذا العام؟
هذا السؤال هو سرّ تقدم الأمم، كشف حساب لعام مضى وصورة ترسم لعام يبدأ خلال أيام. لعل الصورة أوسع بكثير من مجرد وباء انتشر وأعمق من أزمة صحية عالمية.
فعلي كل الأصعدة، يراجع النظام العالمي نفسه في كيفية ليس فقط التصدي لوباء قد يحدث في المستقبل، و لكن كيف يتحول العمل والصحة إلى أنظمة أكثر فاعلية ومرونة في مواجهة الأزمات.
النظام الصحي:
خلال الوباء ظهر عدة صعوبات في الأنظمة الصحية المختلفة.
١- اعتماد النظام الصحي على منظومة أمداد واحدة منشأها الصين، و هذا خلق مجال صعب الإمداد في وقت الازمات، وأظهر صراع حقيقي في الحصول على الإمدادات اللازمة لمجابهة الازمة، هذا أعطي درسا واضحا أنه يجب التنوع في مصادر الإمداد سواء دوليا أو حتي علي مستوي خطوط الشحن.
٢- ظهر جليا أهمية الصحة العامة، و أنه بعد أكثر من ١٠٠ عام من التقدم الطبي على مختلف الاصعدة، عجز الطب على تقديم حل سريع لأزمة طارئه، و كان لابد من الرجوع للصحة العامة (النظافة، و عدم التكدس، و غسل الايدي، و الماسك) لمواجهة الوباء، الأمر الذي نجحت فيه الدول الأوروبية بأقتدار بينما فشلت الولايات المتحدة، فانخفاض مستوى الوباء في أوروبا كان حقيقيا و ناجحا، بينما في الولايات المتحدة وصلت الإصابة إلى ٢٠ ألف حالة يوميا بعد تفعيل الصحة العامة.
٣- وضحت صورة الشفافية و أهميتها في حصر الوباء و الاستفادة الجماعية، فالصين أضرت بالنظام العالمي كله و صحة المواطنين بعدم شفافيتها و رفضها الاعتراف بأزمة صحيه لديها في بداية الازمة بل و حبست الطبيب الذي أبلغ السلطات بالازمة، وعذبته حتى كتب بيديه تكذيب عما صدر منه إلى أن اصيب هو نفسه وتوفي بكورونا بعد ذلك، في المقابل أعلت بريطانيا عن السلالة الجديدة فورا لوقف انتشار المرض عالميا.
٤- ليست اهتمامات الدول واحدة، فالدول الغربية اهتمت بالصحة و المواطنين عن الاقتصاد، فتم تفضيل حياة المواطنين مقابل تحقيق نمو اقتصادي بالسالب، في المقابل اهتمت دول أخرى بالاقتصاد بغض النظر عن أرقام الاصابة، فحققت نمو اقتصادي مقابل أرقام وفيات ضخمة (غير معلن عنها، و لكن تم اكتشافها بالاحصاء).
٥- ظهرت بعض ملامح الصراع حول نظام عالمي جديد، فالصين حاولت تقديم نفسها أكثر من مرة على أنها أهم دولة عالميا من خلال منظومة الإمداد ضخمة، و تطعيم رخيص جدا للتصدير، بينما حاولت الدول الغربية إلقاء مسؤولية الأزمة بأكملها على النظام الصيني دون تقديم حلول واقعية للمجتمع العالمي مما أضر بمكانتها دوليا. فالتعاون الصيني مع الدول المختلفة كان أكبر وأعمق من خلال تبادل خبرات الصحية، و صفقات تجارية للتطعيم.
٦- نجحت الولايات المتحدة بتقدمها التكنولوجي و البحثي في تقديم تطعيم عالي جدا في كفائته (٩٤%) من خلال تكنولوجيا جديدة في وقت قصير جدا (١١شهر)، في الوقت الذي حصل التطعيم الصيني علي كفائه (٧٠%) و دون بيانات كافية و بتكنولوجيا قديمة نسبيا. مما أوضح أهمية البحث العلمي في الوصول إلي حلول قوية مبشرة. مما أعطي الصدارة للولايات المتحدة في كفائة بحثها العلمي و فاعليته.
٧- أن بعض الانظمة الاقتصادية هشه جدا و قصيرة الامد في الاعتماد عليها، فالسياحة والبترول أول الصناعات التي هوت اقتصاديا في الأزمة. فسعر البترول كان بالسالب في عقود قصيرة الأمد لشهر أبريل (يدفع البائع للمشتري أموال مقابل التخلص من البترول المخزون لدية). في مقابل الصناعات التكنولوجية التي ازدهرت جدا، فالتجارة الالكترونية (كشركة أمزون) و الاجتماعات على الانترنت (كشركة زووم) أكبر الرابحين.
٨- كان واضحا خلال الازمة عدم مرونة النظام العالمي حاليا، و الصحي خاصة في مواجهة الوباء، فسواء انهيار النظام الصحي (كما حدث في إيطاليا) أو ضعف أداءه في دول أخري أوضح ضرورة التفكير بشكل مختلف لنظام صحي مرن يكون سريع الاستجابة والتغير في الأزمات ليس فقط الاوبئه، كالعمل من المنزل أو تغيرات ساعات العمل، أو حتى إحداث وظائف جديدة تدعم الأطقم الطبية الحالية.
٩- الازمة الحالية أظهرت بوضوح أن الامن القومي أكبر من مجرد التفكير الضيق في صراعات أقليمية أو دول منافسة، بل يمتد إلي أمن قومي صحي يعمل بشكل أساسي لضمان سلامة النظام الصحي و المواطنين في مواجهة الأوبئة أو الازمات العالمية. فخسارة الأرواح أفدح بكثير من خسارة أموال نستطيع استرجاعها باقتصاد قوي.
هذه كانت بعض الدروس من عام ملئ بالمواعظ والخبرات. فإذا لم نتعلم منه، لن نتعلم أبدا.