أمير متى يكتب: كيف تخسر قضيتك العادلة؟
تعتبر القضية الفلسطينية واحدة من أهم قضايا القرن العشرين، بنظرة واحدة علي خريطة عام ١٩٠٠ و أخري عام ٢٠٠٠ نكتشف أننا لم نتعامل فقط مع المعركة بشكل خاطئ، بل أننا فشلنا في نيل حقا كاملا وعادلاً.
حتي أنه في بداية نشأة الدولة الاسرائيلية كانت هناك لحظات للقضية قابلة للحسم للصالح الفلسطيني كاملا (بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، و مرة عام ١٩٤٨).
لكننا قررنا وبأرادتنا الكاملة أن نخسر، وأن نهرول إلي سلام بدون حلّ واقعي للفلسطينين، وأن ندفع نحن ثمن السلام!! فكيف خسرنا حقنا؟ وكيف هرولنا إلي إستسلام لا سلام؟ وكيف أنعكس ضعف القيادة علي القضية؟
أولا: تبادل السلطة في نشأة الدولة الصهيونية كان هناك تيارين للفكر حول الدولة، كان الصراع في إدارة الحكومة الاسرائيلية علي أشده بين موشي شاريت وبن جورين في منتصف الخمسينات.
كان موشي شاريت ليبرالي الفكر ويؤمن بالقانون الدولي، ويضع المحاذير والتبعات الدولية لأي خطوة سياسة، فعارض خطط بنحاس لافون سواء للهجوم علي سوريا أو مصر لانه سوف يعرض أتفاق وقف إطلاق النار للخطر وتكون إسرائيل مسؤولة دوليا علي سياسات عدوانية.
بينما بن جوريون كان ينتمي للمدرسة الواقعية في السياسة، وان الاهم من القانون الدولي هو العمل علي الارض يتلوها التفسيرات القانونية فوافق بن جوريون علي خطط لافون، بل ووضع خطط لتحويل مسار نهر الاردن تحت إشراف ديان في تحدي صارخ للقانون الدولي واتفاقيات وقف إطلاق النار حول مناطق منزوعه السلاح.
تبادل السلطة في إسرائيل بين أحزابها، أعطي الكيان الوليد قدرة علي خلق طرق مختلفة وسياسات متعددة لتحقيق تطلعاتها.
لم تكن هناك مدرسة سياسية واحدة مسيطرة علي صناعة القرار السياسي، بل أن هناك سياسات الواقعية (بن جوريون) وسياسات الليبرالية (موشي شاريت) يتفاعلان معا تحقيق أفضل فرص لاسرائيل.
في المقابل، نجد أنظمة عربية متوسط حكم قيادتها ١٥ عاما، بلا تغير في السياسية ولا الاساليب ولا حتي في الافكار.
فطوال حكم الملك عبد الله (الاول) للاردن كان الهدف تحقيق سلام شامل منفرد مع إسرائيل بأي شكل. فذهب بنفسه أكثر من مرة لمقابلة جولدا مائير لوضع طريق للسلام، والاهم أن بن جوريون نفسه كان يرفض السلام استنادا أن عامل الوقت مفيد لاسرائيل ويعمل ضد العرب، كما أن حرب ٤٨ أكدت أن إسرائيل تستطيع ان تتمدد جغرافيا وأن أي أتفاق سلام سوف يحد من هذا التمدد.
وكذلك الملك حسين، الذي ظل علي حكم الاردن من ١٩٥٢ حتي ١٩٩٩ (٤٧ عاما) بنفس السياسات والأفكار دون تغير حتي مع توالي الحكومات الاردنية.
تكررت نفس الفكرة مع مصر، فالملك فاروق ظل في محاولات السلام بعد حرب ٤٨ وقدم أفكار لاتفاقية سلام أكبر من وقف إطلاق النار، ثم تغيرت السياسة بعد إزاحته من الحكم وتولي الضباط الاحرار حكم البلاد.
كانت سياسات جمال مختلفة فكان يتبادل خطابات دون توقيع مع موشي شاريت في قناة سرية قبل أن يتم إغلاقها من الجانب الاسرائيلي بعد إعدام مصر لكل من صموئيل عازار وموسي مرزوق فيما عرف بالخلية سوزانا وفضيحة لافون.
ثانيا: العلاقات الدولية امتازت القيادات الصهيونية منذ نشأنتها بقدرتها علي مخاطبة الامبراطوريات القديمة، وإقامة علاقات دولية واسعة، فاستطاع حاييم وايزمان إقامة علاقة جيدة مع الامبراطورية البريطانية واستطاع من خلالها الحصول علي وعد بلفور بإقامة وطن في فلسطين كأول وثيقة دولية تتعهد بوطن لليهود (علي الرغم أن نص الوثيقة لا يتضمن إطلاقا طرد الفلسطينين أو صفة الدولة الدينية).
واستطاعت المنظمة الصهيونية إقامة علاقة متوسعة مع الدولة العثمانية لتسهيل إقامة الدولة وتسكين يهود أوروبا في فلسطين. وعندما بدأت بريطانيا تتنصل من تعهداتها في إقامة الدولة (منتصف الاربعينات) وظهور القطب الامريكي تحولت البوصلة الاسرائيلية إلى الولايات المتحدة وإقامة علاقات عديدة وعلى عدة مستويات معها.
هذا بالإضافة إلى علاقات واسعة مع كل الدول الأوروبية تقريبا وليس فقط علي المستوى الديبلوماسي بل تتعداها إلى مجالات البحث العلمي، والتجاري، والتقني، وحتى السياحة. في المقابل تنحصر علاقة العرب بالخارج في مسارات ضيقة، مثل محاربة الاستعمار الأوروبي، أو أ=اعتبار الاستفادة من الغرب كجزء من الحروب الصليبية، هذا بالاضافة إلى عدم وضوح الرؤية العربية تجاة العلاقات الدولية. فهناك دول ترتبط بالخارج عن طريق النفط فقط (كالخليج و السعودية)، وهناك دول تتأرجح بين الشرق والغرب حسب رؤية القيادة (كمصر والجزائر والاردن).
عدم وضوح تلك الرؤية نتج عنه سطحية العلاقات بين العرب والخارج التي سريعا ما تنتهي، أو يمكن الاستغناء عنها بسهولة.
تلك هي سمة العلاقات العربية ليس فقط الخارجية و لكن أيضا العربية العربية، فمصر علي سبيل المثال قد وقعت علي أتفاقية صداقة و دفاع مشترك مع الاتحاد السوفيتي في أوائل السبعينات ثم تتعاون مع الولايات المتحدة لاسقاط الالحاد في الاتحاد السوفيتي في بداية الثمانيات.
العراق يتعاون مع السعودية لاسقاط الثورة الايرانية عام ١٩٨٢، ثم يهدد السعودية عام ١٩٩٠.
ثالثا: حقيقة القضية قد يبدو السؤال ساذجا في صياغته، ولكنه أكبر من مجرد تساؤل حول ماهية فلسطين للعرب. يطرح دنيس روس منسق العلاقات الامريكية الاسرائيلية علي مدار ربع قرن “أن العرب يتفقون علي قضية فلسطين في العموم ولكنهم يختلفون فيما بينهم حولها وحول أهميتها”.
فظهر ذلك بوضوح خلال المفاوضات ما بعد أسلو. فالقيادات عربية لا تستطيع أن تعطي رؤية لمستقبل فلسطين أو المنطقة، فمنهم يراها جزء من الاردن، و هناك من يراها دولة حقيقة ذات سيادة، وآخرون مقاطعة إقليمية تتقاسم دول في إدارتها، هذا الاختلاف في الرؤية يضعف قدرة أي مفاوض.
علي النقيض نري إسرائيل تدرك قضيتها، وهدفها، وكيفية الوصول للهدف منذ وقت مبكر جدا، فنجد أنه خلال اتفاقيات وقف إطلاق النار بعد عام ٤٨ تصر علي مبدأين:
أولا: أن الاتفاق يكون بين إسرائيل ودول عربية بطريقة منفردة، فتوقع اتفاقا مع سوريا، وآخر مع الاردن، وآخر مع مصر. كل هذا يضمن عدم وجود كتله عربية واحده تنافس وجودها.
ثانيا: أن إسرائيل ليس مسؤولة عن قيام دولة فلسطين، فالاتفاقيات تضمن وجوده إسرائيل، وسلامة حدودها، والموارد المائية، ولكن فلسطين (الدولة والشعب) وكل مشاكلها هي مسؤولية العرب وليس ضمن مسؤليتها.
فتخلو كل الاتفاقيات تقريبا إلى أي أشارة حول اللاجئين أو حدود فلسطين أو إدارة الحياة اليومية للفلسطينين.
تلك النقط السابقة تعد أحد أهم الفروق بين العرب وإسرائيل، فيما تستفيد إسرائيل من تنوع مدارسها السياسة، يغرق العالم العربي في وهم الاستقرار.