ريهام الحكيم تكتب : ميناء “الفاو الكبير”.. حلم عراقي لم يكتمل
يتطلع العراقيون لبناء ميناء “الفاو الكبير” على حدود محافظة البصرة جنوب العراق، ليكون واحداً من الموانئ المطلة على الخليج العربي، بعكس الموانئ الخمسة الأخرى الموجودة في محافظة البصرة والتي تقع إلى جانب قنوات ملاحية داخلية.
تصل التكلفة الإجمالية للمشروع 4,6 مليار يورو، ومن المخطط أن تصل الطاقة الإستيعابية للميناء لـ99 مليون طن سنويًا، وأن يكون حجم الميناء حوالي 54 كيلومتر مربع، على أن يتم إنشاء بداخله مصفاة للمنتجات النفطية، إضافة إلى مصنع للبتروكيماويات ومطار للشحن الجوي ويكون بذلك واحداً من أكبر الموانئ المطلة على الخليج العربي.
ش أما الجزء الأكثر طموحًا للمشروع فهو بناء قاعدة عسكرية في مقدمة الميناء وفي حوضه الملاحي، سيكون طول القاعدة العسكرية كيلومتر واحد وعرضه نصف كيلومتر. ستضم القاعدة البحرية مراسي وأرصفة كبيرة لرسو القطع العسكرية الكبيرة، هدف القاعدة هو تأمين سيادة العراق على مياهُ الدولية وحماية منفذه البحري الجنوبي الوحيد على الخليج العربي وتجارة العراق التي تصل إلى 3 مليون برميل يوميًا.
كاسر الأمواج الغربي بمشروع " الفاو الكبير" جنوب العراق
البداية والتأثير الإقليمي
في أبريل 2010 وضع رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حجر الأساس لهذا الميناء الاستراتيجي، والذي يطل مباشرة من الساحل العراقي على الخليج العربي بعيداً عن تعقيدات المرور بخور “عبد الله” الكويتي المجاور.
وعلى المستوى الدولي، يتوقع أن يحقق المشروع قفزة على مستوى النقل البحري بين الشرق والغرب في حال إنجازه وربطه بخطوط سكك الحديد التي تستخدم في شحن البضائع الآسيوية إلى أوروبا مروراً بتركيا، حيث يربط المشروع الطموح الشرق بأوروبا من خلال ميناء الفاو وعبر طريق سككي بين العراق وتركيا وسوريا، وطريق الحرير البري من الصين عبر العراق بربط سككي سريع يقطع حوالى ألفين كيلومتر بشبكة سكك قطار سريعة تؤمن وصول البضائع والسلع من موانئ بحر العرب والخليج نحو الأرض اليابسة في البصرة وصولاً لتركيا ومنها إلى أوروبا، وسوف يجني العراق مليارات الدولارات بعد إكمال المشروع ومد سكك حديد بين مينائه الجنوبي ودول جواره عبر أوروبا.
درسات الجدوى تحدثت عن فرص عمل لآلاف الشباب العراقي، واردات تدعم واردات النفط التي يعتمد عليها العراق في تغذية موازنته مما يساهم في إنعاش الاقتصاد العراقي المثقل بالديون والقروض وضعف السيولة.
تتضمن المرحلة الأولى من المشروع ، إنشاء خمسة أرصفة عملاقة ونفق يربط الميناء بناحية صفوان، ومن ثم بالطريق السريع الذي يربط مدينة البصرة ببغداد ومدن محافظة الأنبارالغربية حتى الحدود الأردنية.
في أغسطس 2020 دخل كاسر الأمواج الغربي، الذي صُمم ليؤمن انسيابية المياه، بمشروع “الفاو” موسوعة “جينس” للأرقام القياسية كأطول كاسر أمواج في العالم حيث تجاوز طوله أكثر من 14 كم بتكلفة قاربت الـ600 مليون دولار.
شركة (دايو الكورية) التي شرعت بإنجاز كاسر الأمواج بطول بقناتيه الشرقية والغربية ، والذي يعتمد على تقنية القوالب العائمة الجاهزة للدعامات التي تنقل بواسطة الساحبات العائمة والغاطسة المعتمدة بأحدث وأكثر الموانئ في العالم، والذي استمر ثماني سنوات متواصلة.
حلم عراقي قديم
لم يكن مشروع ميناء “الفاو الكبير” الدولي حلمًا جديدًا للعراقيين، فقد سعت العراق أبان الحكم الملكي عام 1932 أن يكون لها منفذاً كفوءاً على البحر عبر الخليج العربي، سمى بـ “ميناء العراق الكبير”، يوم كان نوري السعيد، رئيس الوزراء آنذاك، يعمل على ترسيخ فكرة منفذ كفوء للعراق على الخليج العربي، ولكن الحلم أستصطدم باستراتيجيات إقليمية ودولية في المنطقة.
وفي عهد صدام حسين، وبرغم من قوته، لم يتمكن من بناء هذا الميناء الحلم نتيجة صراعه مع إيران. فانشأ ميناء “البكر” العائم عام 1975 ليُمكّن السفن العملاقة من الرسو لتصدير النفط الخام ، وليؤمن وصول ناقلات النفط العملاقة لمياهه.
ويعاني المشروع حاليًا تمويلاً محدوداً من الموازنة العراقية، وعدم التوسع في المشاريع الخاصة به لأسباب فنية وبيروقراطية، وعدم تصدره أولويات الكتل السياسية الحاكمة في بغداد، فغياب الإرادة السياسية وسيطرة جهات حزبية على النشاط الاستيرادي في البلاد، والذي يصل إلى حدود 60 مليار دولار سنوياً تسبب في تعطيل متعمد لاتمامه.
ميناء “مبارك الكبير” الكويتي
أُعتبر إنشاء الكويت لميناء “مبارك الكبير” بعد الاتفاق مع حكومة نوري المالكي، تهديدًا لمستقبل المشروع العراقي الطموح، فمخاوف عراقية من أن تكون موانئ الكويت، لا سيما ميناء مبارك، بديلاً عن ميناء الفاو، وشكك عدداً من نواب البرلمان الكويتي في جدوى المشروع الكويتي وأعتبروه الميناء الكويتي لا مستقبل له في حال استكمال الميناء العراقي.
ميناء "مبارك الكبير" على حدود الكويت
تسبب مشروع ميناء “مبارك الكبير” بمشاكل وتوتر بين العراق والكويت على مدار سنوات، لانه يساهم في تضييق مساحة مرور البواخر الى العراق، وهو ايضا ما اشار له المدير العام لمؤسسة الموانئ الكويتية يوسف العبدالله الصباح، والذي قال، ان”المشروع تسبب بمشاكل جيوسياسية مع جيراننا”.
أما إيران التي تحد العراق من الشرق والواقعة على طريق الحرير فتأمل ايضا بإنشاء خط سكك حديد مع العراق لنقل المسافرين والبضائع التي تنقل إلى الغرب عبر الأراضي الأردنية عن طريق ميناء العقبة الأردني. توقف مشروع إنشاء الخط السككي وراءه أسباب سياسية مرتبطة بالخلاف الحدودي البحري بين العراق وإيران، بالإضافة إلى وجود الألغام على الطريق من الشلامجة إلى محافظة البصرة
انتحار مدير المشروع
في أكتوبر الماضي وقبل أيام من توقيع حكومة مصطفى الكاظمي عقد إنشاء المرحلة الأولى من ميناء “الفاو” ، تم الإعلان عن انتحار بارك شل هو، المدير التنفيذي لشركة (دايو) الكورية المنفذة لمشروع ميناء “الفاو الكبير” في محافظة البصرة الجنوبية.
تداول مدونون وموقع إلكترونية صورة المدير وهو معلق بسلك كهربائي في قاعة رياضية وقد ارتدى كامل ملابسه، وساعة يدوية. الخبر تسبب في احباط الشارع العراقي من اتمام المشروع بالرغم من تطمينات وزارة النقل العراقية أن العمل في الميناء سيستمر، وأن الحادثة لن تؤثر على المضي قدماً فيه. وأثار الحادث موجة غضب واسعة وشكك كثيرون بقصة الانتحار وإذا ما كانت مدبرة حتى قبل ظهور نتائج التحقيق القضائي وتعالت مطالبات برلمانية وشعبية بالتحقيق العاجل وكشف ملابسات الحادث.