ريهام الحكيم تكتب: التيار الصدري في العراق (1/ 2) سيناريو الإخوان المسلمين.. من “الثورة والإصلاح” إلى “العنف والاستغلال السياسي”
يعد التيار الصدري في العراقفكراً ومدرسة تشكلت على مدار تاريخ العراق،عقب انشاء دولة العراق الحديثة 1921، فالصدريون داخل المجتمع العراقي خاصة الجنوبي هم صفة وسمة، يتباهى بحملها عدداً ليس بقليل من سكان محافظات الجنوب العراقي ذات الأغلبية الشيعية.
عندما يحمل الفرد صفة ” صدري” وهو ما يعني إنتسابهإلى التيار الصدري، فهو بذلك يعلن تأييده وانتمائه إلى زعامة التيار الصدري والتي تغيرت عبر الزمن وعلى مر العقود لتصل اليوم إلى مقتدى محمد صادق الصدر، زعيم تحالف “سائرون” داخل البرلمان العراقي 2018.
تعد عائلة الصدر من أعرق العائلات عند طائفة المسلمين الشيعة، تخرج من العائلة علماء وفقهاء، تزعموا الطائفة الشيعية في العراق ولبنان وتخرج على أيديهم آلاف الطلاب والدارسين في عدد من الدول العربية والإسلامية.
يرجع آل الصدر إلى أصول لبنانية، ولكن عرف عن العائلة التنقل إلى أكثر من دولةفمن لبنان إلى العراق وإيران، استقر عدداً من آل الصدر في محافظات النجف وكربلاء والكاظمية ببغداد وسامراءبالعراق، وآخرين في مدينة قم بإيران.
اتخذت تلك العائلة ألقاباً عدة بإختلاف العصور ، فكانوا يلقبون تارة بـ “آل أبي سبحة” وآل “حسين القطعي” وآل”أبي الحسن” وآل “شرف الدين” وأخيراً آل “الصدر”.
في القرن الماضي، برز لهذه الأسرة عدداً من الفقهاء وعلماء تصدروا زعامة الحوزة العلمية في العراق وتأثروا بالأحداث السياسية المتلاحقة التي شهدها العراق بداية من ( ثورة العشرين) في 1920 وحتى (ثورة تشرين) في 2019.
مثلت عائلة آل “الصدر” تيار الإسلام السياسيفي العراق ، بالإضافة لتيارات أخرى لم تملك الزخم الشعبي الذي مثله الصدريون ، وبين الثورة ضد الاستبداد وتبني المنهج الاصلاحي في خمسينيات القرن الماضي وحتى نهاية حكم البعث. دخلالصدريون مرحلة السلطة والنفوذ بعد سقوط النظام البعثي ليتحول المسار الإصلاحي إلى العنف الطائفي والاستغلال السياسي.
مقتدى الصدر زعيم للصدريين 2020
مقتدى محمد صادق الصدر ( مواليد 1974 ) زعيم تحالف “سائرون” داخل البرلمان بـ 54 مقعداً والمشارك في الحكومة العراقية الحالية والسابقة .
مقتدى الصدر في سياسته لزعامة الصدريين ظهربمظهر المنحاز للجماهير العراقية من مختلف الطوائف، وتبني اى حراك ضد الفساد و الانحياز الشكلي للفقراء والمهمشين.
ظهر نجمة في الـ 2003 ، بعدما نجح في تفعيل الشبكات والمعارف التي ورثها عن والده في الأحياء الشعبية المهمَّشة في بغداد ومدن الجنوب. استطاع الشاب مقتدى الصدر عقب الغزو الأمريكي في العراق تأسيس ميليشيا ” جيش المهدي” المسلحة و التي سرعان ما اشتبكت مع قوات الاحتلال الأمريكي، كما أُلقي باللائمة عليه في العديد من الهجمات والتفجيرات التي استهدفتهم قوات الاحتلال.
دأب مقتدى ، الذي لم يشارك في مجلس الحكم الانتقالي 2004 ، على انتقاد القادة العراقيين الذين تعاونوا مع الأمريكيين في تلك الفترة.
أضطر مقتدى إلى حل ميليشيا “جيش المهدي” في 2008 ، بعد الحملة العسكرية التي شنها نوري المالكي رئيس الوزراء آنذاك ضده في محافظة البصرة. وأسس في 2014 ميليشيا ” سرايا السلام” والتي انضمت تحت راية “الحشد الشعبي” في فترة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
انتهج مقتدى سياسة المراوغة مع خصومة السياسيين، بطرق دراماتيكية ابتكر صناعة لوبى داخل البرلمان لتمرير مخططاته السياسية وصلت أحيانا إلى الحشد لتظاهرات معارضة للحكومة – التي هو جزءاً منها – ونصب خيمة للاعتصام داخل المنطقة الخضراء الحاكمة فى أحيان أخرى، وعمل على سياسة الانفتاح على الدول العربية، بعكس قادة شيعة آخرين انغلقوا على المحور الإيراني، وقام بزيارة السعودية.
وفي ثورة تشرين 2019، أنضم أبناء التيار الصدريمرتدين قبعات زرقاء -أصحاب القبعات الزرق-، إلى ساحات التظاهر في بغداد ومحافظات الجنوب بحجة حماية المتظاهرين من هجمات الفصائل المسلحة.
تصريحات متنافضة لزعيم التيار الصدري عن ثورة تشرين
ولكن سرعان ما انقلب مقتدى الصدر على الثورة، مطالباً أنصاره من الصدريين بترك ساحات التظاهر، تحول الصدريين إلى أعداء للثورة وانضموا إلى قافلة التيارات السياسية التي وصفت المتظاهرين من الشباب الأعزل بـ”مثيري الفتنة والمندسين”. وهو ما جعل عدداً من المراقبين توصيف حركة الصدريين بإعادة صياغة سيناريو الإخوان المسلمين في الثورة المصرية.
اتهم المدنيون التيار الصدري بمحاولة “ركوب موجة الاحتجاجات لتحقيق غايات سياسية”.
يناير 2020 ، دعا مقتدى إلى تظاهرة مليونية لأنصاره، حملت شعار التنديد بالوجود الأمريكي في العراق، نجح مقتدى في تلك التظاهرة في استعراض قوته وقدرته على الحشد، وثبات قاعدته الجماهيرية.
مليونية للتيار الصدري ضد الوجود الأمريكي يناير 2020
ظاهرة التيار الصدري في التسعينيات
بدأت الظاهرة الصدرية في تسعينيات القرن الماضي ، بعد الانتفاضة الشعبانية 1991، حينما استطاع رجل الدين محمد صادق الصدر، والد مقتدى، أن يستثمر جملة من التحولات التي اعقبت حرب الخليج الثانية في أن يبرز بقوة في المشهد الشيعي في العراق بداية من 1992.
أعاد محمد صادق الصدر انتاج الصراع حول “عروبة” الحوزة الدينية في النجف، حين سمح لأبناء المحافظات الجنوبية (ميسان / الناصرية / البصرة / الديوانية / المثنى)، كي ينخرطوا في الدراسة الحوزية التي كان يتولاها بنفسه، بعدما كانت حوزة النجف تحتكر الدراسة على طبقة رجال الدين في محافظات النجف وكربلاء وبغداد.
أسس ما عرف بـ “الحوزة الناطقة” -مرجعية الميدان -وهو ما جعله قريباً من قلوب الطبقة الفقيرة والمهمشة من أبناء الشيعة ، بعكس الحوزة الصامتة التقليدية التي انحصر دورها في اطار البحث والدين دون الاقتراب من البسطاء والتخفيف من معانتهم.
وفي 1998، أقدم محمد صادق الصدر على خطوة راديكالية غير مسبوقة بموافقة النظام البعثي، وهى احياء صلاة الجمعة والتي كانت فريضة معطلة عند الشيعة حتى ظهور الأمام المهدي في أخر الزمان.
تحولت صلاة الجمعة ، التي يؤمها محمد صادق الصدر، إلى مكان لتجمهر الشباب ووصل عدد المصلين إلى الآلاف من أبناء المحافظات الجنوبية.
محمد صادق الصدر يؤم الآلاف في صلاة الجمعة
تم اغتيال الزعيم الصدري في 1999 مع أبنائه مصطفى ومؤمل – أشقاء مقتدى الصدر -وهو ما تسبب في صدمة كبيرة لأبناء التيار الصدري. أصابع الاتهام كانت تشير إلى قصي صدام حسين ورجاله.
وبعد الـ 2003 وسقوط النظام البعثي، ظهرت اتهامات جديدة بضلوع أطراف إيرانية في عملية الاغتيال وإلصاقها برجال صدام.