وفاة الفنان الكبير محمود ياسين بعد صراع مع المرض (مبدع لم يفقد ظله)
رحل عن دنيانا، اليوم الأربعاء، الفنان الكبير محمود ياسين عن عمر ناهز 79 عاما، بعدما أبعده المرض لسنوات عن الفن والحياة العامة.
وكتب ابنه السيناريست والممثل عمرو محمود ياسين على حسابه بموقع “فيسبوك”: “توفي إلى رحمة الله والدي الفنان محمود ياسين.. إنا لله وإنا إليه راجعون”، كما أعلن نجله عبر حسابه أن الجنازة ستكون غدا الخميس.
محمود ياسين الذي قدم خلال مسيرته الفنية التي استمرت لأكثر من 40 عاما، ما يزيد عن 250 عملا فنيا، كان واحدا من نجوم الصف الأول بالوطن العربي، وكان بشهادة الجمهور وأبناء المهنة فنانا استثنائيا ترك بصمته في جميع مجالات الإبداع الفني، مسرحا وسينما وتلفزيون، حتى وضع نفسه في مصاف عمالقة الزمن الجميل بأعماله الخالدة.
إلا أن سنواته الأخيرة شهدت ابتعادا إجباريا عن الوسط الفني والجمهور، تلك القصة التي بدأت قبل نحو 6 سنوات، حينما أعلن عن خبر هام يفيد باجتماع الزعيم عادل إمام مع صديقه محمود ياسين في مسلسل “صاحب السعادة”.
ذلك الخبر الذي استحوذ على انتباه الجميع، مع ترقب لما سيظهره الثنائي في عمل منتظر، قبل أن يعلن بشكل مفاجئ عن فسخ التعاقد بين محمود ياسين والجهة المنتجة، وهو ما تسبب في خروج أقاويل حول وجود خلافات بين عادل إمام ومحمود ياسين، إلا أن الرواية التي خرجت وكانت قريبة من الحقيقة جاءت صادمة. محمود ياسين لم يعد قادرا على التمثيل بسبب مقدمات مرض الزهايمر، حيث قيل إنه لم يعد قادرا على حفظ النص، والوقوف أمام الكاميرا لاسترجاع الكلمات، وهو ما يعني استحالة تقديم العمل في وجوده، ما تسبب في إنهاء التعاقد مع الحفاظ على قيمة النجم الكبير أمام محبيه.
سريعا خرج النفي من قبل العائلة حول هذه الرواية الصادمة، خاصة أن ياسين كان قبل عامين مشاركا في فيلم “جدو حبيبي”، إلا أن هذا لم يكن كافيا بسبب الابتعاد الشديد لياسين عن الوسط الفني.
وكالعادة لم يرد من العائلة سوى النفي، وظهر بعدها محمود ياسين في جنازة الراحل محمود عبد العزيز، كما شارك في العزاء، مستندا إلى نجله عمرو، قبل أن يبتعد شيئا فشيئا عن الوسط الفني، وبات ظهوره قاصرا على مقطع فيديو لا يتعدى ثواني يقدم من خلاله تهنئة لمحبيه.
في سنوات كانت تخرج فيها تصريحات متضاربة من العائلة، حيث تقول زوجته إنه لم يعد قادرا على الوقوف أمام الكاميرات لذلك صار في وضع المعتزل، لتخرج بعدها ابنته رانيا وتؤكد أن والدها وحده من يملك حق قرار الاعتزال، وما لم يصرح به فليس من حق أحد الحديث عن الأمر وتأكيده.
وفي النهاية، خرجت شهيرة قبل ما يقرب من شهرين لتعلنها للجميع “زوجي في حالة صحية متأخرة بسبب المرض”، لم يعد قادرا على التذكر، متمنية أن تظل الحالة كما هي ولا تسوء.
تلك الكلمات التي جاءت في ساعة حقيقة، ولكنها كانت مجبرة على الخروج ومحاولة إخفاء الأمر مرة أخرى، وهو ما حاول البعض تقبله، واحترام خصوصية العائلة في أن تنكر أمرا بات معلوما للجميع.
وكان آخر ظهور سينمائي لمحمود ياسين قبل 6 سنوات، حينما شارك في بطولة فيلم “جدو حبيبي”، بينما كانت آخر أعمال الفنان محمود ياسين هي المسرحية الغنائية “مصر فوق كل المحن” عام 2014 وشاركه فيها عدد كبير من النجوم.
وولد ياسين في 2 يونيو 1941 بمدينة بورسعيد، وتخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1964 والتحق بالمسرح القومي قبلها بعام، كان أبوه موظفا في هيئة قناة السويس، وكانوا يعيشون في فيلا ملك لشركة القناة، فلما قامت ثورة يوليو وصدرت قرارات التأميم لهيئة قناة السويس في 1956 آلت ملكيتها إلى الشعب، الأب كان فخورا بالثورة ومن ثم غرس في ابنه هذا الشعور الوطني والاعتزاز.
وياسين فنان له تاريخ طويل من الأعمال الفنية في السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة، ولتميزه بصوت رخيم وأداء مميز في اللغة العربية؛ تولى التعليق والرواية في المناسبات الوطنية والرسمية، كما أدى أدوارًا قوية في المسلسلات الدينية والتاريخية.
وبعد انتهاء دراسته الثانوية رحل محمود ياسين للقاهرة ليلتحق بجامعة عين شمس وتحديدا كلية الحقوق، وطوال سنوات دراسته كان حلم التمثيل بداخله وخصوصا في المسرح القومي لذلك تقدم بعد تخرجه مباشرة لمسابقة في المسرح القومي وجاء ترتيبه الأول في ثلاث تصفيات متتالية، وكان الوحيد في هذه التصفيات المتخرج من كلية الحقوق، ولكن قرار التعيين لم يحدث، في الوقت نفسه تسلم من القوى العاملة قرارا بتعيينه في بورسعيد بشهادة الحقوق وهو الوحيد في دفعته الذي يعين في موطنه الأصلي، ورغم حبه لمدينته إلا أنه لم يتصور فكرة الابتعاد عن المسرح، لذلك رفض التعيين الحكومي وعاش في انتظار تحقيق الأمل حتى وقعت حرب 1967، وكان بمثابة انكسار فكري وروحي، خاصة للشباب.
بعد تعيين محمود ياسين في المسرح القومي، بدأ رحلته في البطولة من خلال مسرحية “الحلم” من تأليف محمد سالم وإخراج عبد الرحيم الزرقاني، بعدها بدأت رحلته الحقيقية على خشبة “المسرح القومي” والذي قدم على خشبته أكثر من 20 مسرحية أبرزها: “وطني عكا”، “عودة الغائب”، “واقدساه “، “سليمان الحلبي”، “الخديوي”، “الزير سالم”، “ليلة مصرع جيفارا”، “ليلى والمجنون”، وتولى خلال هذه الفترة إدارة المسرح القومي لمدة عام ثم قدم استقالته.
أما عن علاقته بالسينما فقد بدأت بظلم شديد لها من جانبه، ففي بداياته الأولى لم يكن يدرك أهمية هذا الفن الساحر ومدى تأثيره على المجتمع وفي الناس، ولم يكن حينئذ قد شاهد أعمال المخرجين الكبار أمثال صلاح أبو سيف وكمال الشيخ وحسين كمال ويوسف شاهين، ولهذا كان تردده في قبول العمل بها حتى أنه بدأ مشواره السينمائي بأدوار صغيرة من خلال أفلام “الرجل الذي فقد ظله”، “القضية 68″، “شيء من الخوف”، “حكاية من بلدنا”.
وجاءته فرصة البطولة الأولى من خلال فيلم “نحن لا نزرع الشوك” مع شادية ومن إخراج حسين كمال، ثم توالت أعماله السينمائية ليصل رصيده لأكثر من 150 فيلما حصد خلالها لقب “فتى الشاشة الأول”، من أهم افلامه وهو كبير السن فيلم الجزيرة مع أحمد السقا.
وقدم الفنان الراحل العديد من العلامات البارزة في السينما المصرية من بينها: “أنف وثلاث عيون”، “على من نطلق الرصاص”، الرصاصة لا تزال في جيبي”، “أفواه وأرانب”، “الرجل الذي فقد ظله”، “الصعود إلى الهاوية”، “أغنية على الممر”، “حائط البطولات”.
وقبل رحيله حصل على أكثر من 50 جائزة في مختلف المهرجانات في مصر وخارجها، كما تم اختياره عام 2005 من قبل الأمم المتحدة سفيرا للنوايا الحسنة لمكافحة الفقر والجوع لنشاطاته الإنسانية المتنوعة.