أمير متى يكتب: كيف تنتصر اسرائيل؟
هذا هو السؤال المحوري بعد أكثر من ٧٠ عاما من الصراع بين العرب وإسرائيل؟ لا يتعلق الانتصار بحرب، أو بمعركة عسكرية علي الاطلاق. بل الانتصار هنا يحمل كل نواحي الصراع. لسنا هنا لتحطيم المعنويات، ولكن لدراسة ٧٠ عاما من صراع، وجدار حديدي لا نعلم إن كنا محبوسين داخله أو أصبح يعيق رؤيتنا سياساتنا.
إسرائيل نشأت كدولة احتلال بقرار أمم متحدة عام ٤٨، وطبقا للأوراق الرسمية لم تنل في البداية دعم أمريكي، كان تعليق كل أعضاء إدارة ترومان أن مصالح الولايات المتحدة مع العرب وليس إسرائيل، خوفا على امتناع العرب عن تصدير البترول.
ولكن بعد ٧٠ عاما، نجد أن الإمارات والبحرين تذهب طواعية إلى إسرائيل في معاهدة سلام غامضة المحتوى والهدف، والظاهر منها هو إنضمام إسرائيل لدول الخليج في الوقوف ضد التمدد الإيراني!!!!
هذا التغير الرهيب في السياسة، يعني أن هناك نصرا ما حدث دون أن ندرك، أن هزائم العرب لم تكن في ساحات المعارك، ولكن في السلام أيضا، أن الهزيمة كانت علي الأرض (أراضي احتلت ومستوطنات) وفي السماء (فتح المجال الجوي السعودي للطائرات الاسرائيلية).
في الحرب
خاضت الدول العربية أكثر من ١١ صراع مسلح بشكل رسمي ضد إسرائيل ( الحرب الأولى ٤٨، الفدائين الفلسطينين ٥٥، العدوان الثلاثي ٥٦، النكسة ٦٧، أكتوبر ٧٣، ضرب جنوب لبنان ٧٨، إحتلال لبنان ٨٢، الانتفاضة الأولى ٨٧، انتفاضة الأقصى ٢٠٠٠، حرب لبنان الثانية ٢٠٠٦، العدوان على غزة ٢٠٠٨).
في كل هذه الصراعات لم تستطع الدول العربية استرداد سنتيمتر واحد من الأراضي التي احتلتها اسرائيل في 48، بل انها توسعت في بعض هذه المعارك على حساب الأراضي العربية، دائما كان الضحايا من العرب أعلى بكثير من ضحايا الحرب، حتى في الصراعات التي انتصر فيها العرب.
في التكلفة الاقتصادية للحرب، كانت خسائر الحرب في الدول العربية أعلى من نظيراتها في إسرائيل.
حتى في نتائج الحرب، لم ترض الجانب العربي على الاطلاق، لا في أهدافها، و لا حتي في نتائجها. ٤٨ انتهت فعليا بقيام إسرائيل، والعدوان الثلاثي انتهى بمفاعل ديمونة هدية فرنسا لإسرائيل (بخط يد شيمون بيريز قبل الحرب ٥٦)، و٦٧ بتوسع جديد ووضع حدود جديدة. حتى ٧٣ انتهت بزيارة جولدا مائير إلى السويس وكذب السادات في مجلس الشعب (هم ٨ دبابات عدوا الناحية التانية).
في السلام
أول اتفاقية سلام صاحبها اعتراف بإسرائيل كدولة كانت في ٧٩ بخط يد السادات تاركا العرب، مرتميا في أوهام السلام. ليقف في مجلس الشعب يصرح (مئات المليارات نازلة علينا) و انتهى الامر بديون تعجز مصر عن سدادها حتى عام ١٩٩٠ في مؤتمر باريس.
ثم الأردن باتفاقية سلام لم تتضمن الأقصى الذي هو محور ملكية الاردن (الهاشميين)، ولم تتضمن أيضا اللاجئين الذين تركوا بيوتهم خلال حروب مضت.
يتبعه عرفات بأوسلو واتفاقاته تاركا القضايا الأساسية بلا حل، وبلا طريق للمستقبل. فمن ١٩٩٠ حتي ٢٠٠٠ محاولات مستميته لوجود سلام انتهى بأن عرفات نفسه لا يصلح لاقامة سلام وعليه تم تعيين أبو مازن رئيس الوزراء يتفاوض.
يطول الحديث في الاقتصاد والتنمية البشرية والتعليم والصحة وحتى مياه الشرب. فبلد النيل يعاني أهلها من فقر مائي بينما لا تعاني منه دولة الاحتلال التي تقسم مصادر مياها بين ٤ دول.
لا يمكن أن نلقي كل هذا الفشل علي مؤامرة خارجية علي العرب، ولا نستطيع أيضا أن نرجع سبب التقدم الإسرائيلي إلى دعم أمريكي أو غربي فقط، ولا حتى أن الإرهاب سبب الفشل العربي، لأن إسرائيل ظلت في حالة صراع وحروب فعلية او ضد المقاومة – التي فشلنا حتى في ترويج عدالة قضيتها فسماها الغرب إرهابا – طوال ٧٠ عاما بلا توقف. هناك شئ ما خطأ لدينا، شيء افتقدناه جميعا كعرب، شئ ما نرفض البحث عنه باختيارنا أحيانا ورغما عنّا أحيانا أخري.
سؤال أخر
ما هو الشئ المشترك في كل الدول العربية؟ الشئ الذي جعل من الأمة كلها تابع و ليس قائد، متلقي الأخبار لا صانعها، بالتأكيد ليس الاموال، لانها حتى عندما أُتيحت أشترى بها أمير عربي صورة مزيفة ب ٥٥٠ مليون دولار ليضعها في مكتبه. ويخت بضعف ثمنه للنزهه، وصنع حربا في اليمن بلا هدف ولا نتيجه.
التعليم، رُبما و لكن ماذا يفعل التعليم إن كان المثقفون والموهوبون مطرودين خارج بلادهم، مطاردين في كل شتات الارض، بل أن الأجهزة الأمنية أقامت جواسيس عليهم في ألمانيا لعلهم يدبرون شيئا في مهجرهم.
في نهاية السبعينات، أدركت الصين أن الاستمرار في نفس السياسات سوف يدمر البلاد ذاتيا. وأن عليها أن تصنع تغيرا جذريا في هيكلها حتى تستطيع أن تتقدم. فتم إطلاق المعتقلين، وفتح مجال الحريات للنقاش والبحث عن حل. حتى استقرت على اقتصاد السوق عام ١٩٧٩، في أول تغيير حقيقي لبلد إشتراكي إلي بلد يتبنى اقتصاد السوق.
الأنظمة التي اعتمدت نفس السياسات السابقة الفاشلة، ترتكب بالطبيعة نفس الأخطاء، ثم تكابر في الاعتراف بأخطائها، ثم تحاول الإصلاح ولا يحدث، وهكذا دوائر مغلقة وضجيج بلا طحين.