سم “التطبيع” في عسل “التعايش”| “ناس ديلي” سلاح إسرائيل الإليكتروني لتصفية فلسطين وتبييض جرائم الاحتلال
أسوأ أنواع السموم ليس ما يقتل في الحال، بل هو ما حينما تدرك انتشاره داخل جسدك، يكون قد اتخذ مساره بالفعل شيئا فشيئا حتى لا تنفع معه حيلة في الشفاء، والسم الذي بدأ يسري في عروق عالمنا العربي في الوقت الحالي هو “سم التطبيع”، الذي بالإضافة إلى الصفقات والاتفاقات المعلنة بشأنه، يأخذ ممولوه مسارات أخرى أقل صراحة وأكثر تأثيرا، عناصرها “تابوهات” دعائية مؤثرة بين فئات الشباب، وهدفها الأكبر “تمييع القضية الفلسطينية” وتبييض جرائم الاحتلال وتغيير فلسفة كراهيته إلى دعاوى زائفة للتعايش، على المدى الطويل.
برنامج “ناس ديلي القادم” بات أبرز مثال على هذا التوجه، حيث يديره المدعو نصير ياسين، الغارق في التطبيع، الذي ينتج ويبث محتوى تطبيعي ناعم، ينتزع إسرائيل من سياقها الحقيقي وطبيعتها القائمة على الإجرام والتطهير العرقي، وبذلك يخدم مساعي إسرائيل لفرض نفسها ككيانٍ طبيعي في المنطقة من خلال مدّ جسور التطبيع الرسمي وغير الرسمي، بما يشمل الإعلامي والتأثير على الرأي العام.
شكل نصير خلال مشروعه واجهة مثالية لمموليه بسبب استغلال هويته الفلسطينية المسلمة – مولود في مدينة عرابة البطوف بمنطقة الجليل – في بث رسائل تطبيعية ناعمة للشباب العربي، وهو ما يعبر عنه صراحة بقوله “أتمنى أن يأتي يوم لا نرى فيه إسرائيل وفلسطين كعدوّين، ما ضرّنا لو أصبحنا أصدقاء وماذا لو “كبرنا” قليلا؟”.
على الرغم مما يظهر من محتوى البرنامج من دعوات للتسامح وقبول الآخر، عن طريق مغامرات السفر التي يستعرضها نصير في فيديوهاته، إلا أنه يظهر غرضه الحقيقي حين يتطرق مؤسسه إلى مشاهد الداخل الفلسطيني، متغزلا في ما يصفها بـ”إنسانية الاحتلال” و”وطنية الإسرائيليين”، مع إلقاء اللوم في عدم إقامة الدولة الفلسطينية إلى الطرفين، في المقابل يصف قيام كيان الاحتلال داخل أراضيها بأنه جاء بسبب رحيل بعض الفلسطينيين وقتل بعضهم وبقاء البعض الآخر، قائلا: “ثمة إسرائيل وثمة فلسطين، وهناك أمور في الحياة أكثر أهمية من اسم قطعة أرض”.
يحاول “ناس ديلي” من خلال محتواه تصوير الصراع مع العدوّ الإسرائيلي وكأنّه صراعٌ بين طرفين متكافئَيْ القوة، متعمداً تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق العودة، بل وصل تطبيعه إلى حدّ تحميل الفلسطيني مسؤولية الصراع لعدم قبوله بـ “السلام” الإسرائيلي- الأمريكي المزعوم، بحسب اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS – أوسع تحالف في المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات –
اللجنة بدورها دعت صانعي المحتوى والمؤثرّين/ات في المنطقة العربية لمقاطعة البرنامج الذي يهدف لتوريطهم/ن في التطبيع مع إسرائيل والتغطية على جرائمها.
وشددت اللجنة على أن مشاريع التطبيع المماثلة تهدف إلى استعمار العقول العربية وترويج القبول بالاستعمار الإسرائيلي للأرض العربية كقدر، ضمن خطوات عدّة لتصفية القضية الفلسطينية وتبييض جرائم الاحتلال والأبارتهايد.
وأوضحت أنه في الوقت الذي تهرول فيه الأنظمة العربية الاستبدادية، مثل الإمارات والبحرين، لعقد اتفاقيات التطبيع الخيانية مع العدوّ الإسرائيلي، يحاول الأخير اختراق وعي الشعوب العربية المؤمنة بأن تحرّرها وتقدّمها ونضالاتها من أجل العدالة مرتبطون بحرية الشعب الفلسطيني وعودة لاجئيه إلى ديارهم، تنفق إسرائيل مبالغ هائلة على حملات إعلامية تطبيعية مضلّلة من خلال نشر محتوى “غير سياسي” يُظهر إسرائيل وكأنها دولة طبيعية متطوّرة يمكنها مساعدة “جيرانها” العرب بعيداً عن كل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية والعداء التاريخي معها كنظام استعماري وعنصري.
ويهدف برنامج “ناس ديلي القادم” إلى تدريب 80 صانع/ة محتوى عربي/ة من خلال “أكاديمية ناس” التي تضمّ إسرائيليين من ضمن طاقم الإشراف والتدريب الذي يرأسه الاسرائيلي “جوناثان بيليك”، وبتمويلٍ من أكاديمية “نيو ميديا” الإماراتية التي أنشأها محمد بن راشد قبل شهرين.
وشددت اللجنة على أن هذا الدعم من النظام الإماراتي يشكّل تواطؤاً صريحاً في الجهود الإسرائيلية لغزو عقول شعوبنا وتلميع جرائم نظام الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي، فضلاً عن تسويق اتفاقية العار التي أبرمها النظام مع الاحتلال.
وما أن تكشفت نوايا القائمين على محتوى البرنامج، الذي بات غرضه ظاهرا للعيان خاصة في الفترة الأخيرة، بدأ عدد من المشاركين في صناعه المحتوى ذاته الانسحاب من فريق العمل، باعثين برسائل واضحة بشأن حقيقة العمل بالداخل.
وحيت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل صناع المحتوى الذين رفضوا الانخراط في هذا المشروع التطبيعي، مطالبة كافة المشاركين/ات بالانسحاب فوراً والامتناع عن توفير أوراق التوت للتغطية على جرائم الاحتلال، التزاماً بمسؤوليتهم الوطنية والأخلاقية أولاً، وانطلاقاً من مسؤوليتهم كمؤثّرين وصنّاع محتوى ثانياً.