فيروس و”حرب حليفين” على النفط.. الاقتصاد المصري يواجه ضربة مزدوجة
في الوقت الذي تخوض فيه المملكة العربية السعودية وروسيا حرباً على أسعار النفط، فإن صديقهما المشترك مصر قد يقع ضحية للتداعيات، ولا يمكن أن يكون التوقيت أسوأ بالنسبة لاقتصاد مهدد بالفعل بسبب وباء فيروس كورونا الجديد، كما هو الحال دائمًا ، من المحتمل أن يؤدي سوء الإدارة إلى جعل الوضع السيئ أسوأ.
كورونا يضرب الحجوزات ويهدد مستقبل العمالة المصرية
وتشكل التحويلات، التي قدر البنك الدولي قيمتها 26.4 مليار دولار العام الماضي، ما يقرب من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، ويأتي هذا المصدر الحيوي للعملة الصعبة في الغالب من المصريين العاملين في بلدان تعتمد على صادرات النفط، وقد يؤدي انهيار الأسعار إلى تسريح العمال، ما يضع ضغوطًا نزولية على التحويلات التي تصل إلى البنوك المصرية، بحسب تقرير نشره موقع بلومبرج، اليوم.
وتؤثر أزمة فيروس كورونا بالفعل على العمال المصريين المغتربين العائدين إلى الخليج العربي من الزيارات المنزلية، حيث تتطلب القيود الجديدة اختبارها بحثًا عن الفيروس في مصر قبل أن يتمكنوا من العودة إلى العمل، حيث تجمعت حشود ضخمة خارج المعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة، قبل إعلان البلدين وقف السفر بينهما، ومن المرجح أن تزداد القيود تشددًا، حيث تستجيب السلطات في دول الخليج لتقارير بحدوث تفشي على متن الباخرة السياحية في الأقصر.
ووفقا لـ”بلومبرج”، حتى قبل حرب النفط، باتت الركيزتان الرئيسيتان للنمو الاقتصادي في مصر – السياحة وصادرات الغاز الطبيعي – متذبذتين من تأثير أزمة الفيروس، مع إلغاء السائحين خطط سفرهم خوفًا من العدوى، في الوقت الذي كان قطاع السياحة يستعد بالفعل لإعلان انتعاش السوق.
وقال رئيس غرفة السياحة حسام الشاعر، إن الحجوزات الجديدة انخفضت بنسبة 70٪ إلى 80٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حقق القطاع أكثر من 12.5 مليار دولار العام الماضي، أي أقل بقليل من 5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
عواقب الوباء.. قيود على العملة الصعبة
وقلل الوباء أيضًا من الطلب العالمي على الطاقة، وهي مشكلة جديدة نسبيًا بالنسبة لمصر، والتي أصبحت مؤخرًا مصدرًا مهمًا للغاز الطبيعي.
وعلى الرغم من أن أسعار النفط حظيت بأكبر قدر من الاهتمام، انخفضت أسعار الغاز الطبيعي أيضًا بشكل كبير، ما أدى إلى تسارع الاتجاه الذي بدأ في نوفمبر الماضي.
وفي حين أن صادرات الغاز الطبيعي صغيرة نسبتها بقيمة 1.2 مليار دولار في عام 2019، كان هذا القطاع بمثابة جذب مهم للمستثمرين وسمح الإنتاج المتزايد للحكومة بتوفير المليارات بالعملة الصعبة التي كانت مخصصة للواردات.
وهناك تأثير آخر من عواقب الوباء، وهو تباطؤ التجارة العالمية، الذي سيؤثر على أرباح مصر من العملة الصعبة من الرسوم في قناة السويس، ما يزيد من تقييد وصول البلاد إلى الدولارات ويزيد من عجز الميزان الجاري.
البناء.. الدعامة الأخيرة
الدعامة الأخيرة للنمو الاقتصادي في مصر هي البناء، حيث يعزى معظم النمو في هذا القطاع إلى التحفيز القائم على الدين، والذي وجهته الحكومة إلى حد كبير عبر الشركات التابعة للقوات المسلحة، التي تم التعاقد معها لتنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبيرة ، بدءا من توسيع خطوط النقل إلى بناء مدن جديدة مثل العاصمة الإدارية الجديدة في ضواحي القاهرة.
وحتى الآن، تمكنت مصر من بيع ديونها للمستثمرين ذوي الدخل الثابت بسهولة تامة، لأنها كانت واحدة من أفضل الصفقات المحمولة في العالم، وساعدت التدفقات الضخمة الكبيرة على دعم الجنيه المصري أمام الدولار، ما زاد بشكل كبير من العائدات التي تلقاها المستثمرون على الفوائد السخية التي دفعوها بالفعل على سندات الخزانة المصرية، لكن مزادات الديون الأخيرة فشلت في تحقيق أهداف مبيعاتها، حيث تم بيع نصف سندات الخزانة التي مدتها 6 أشهر فقط، حيث طالب المستثمرون بأسعار فائدة أعلى.
وفي حين تمكنت مصر من تحقيق الاستقرار وتقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، ارتفع الاقتراض في النصف الأول من السنة المالية 2019-2020 بنسبة 12 ٪.
مخاطرة “سخاء المؤسسات الدولية”
وتباهى محافظ البنك المركزي طارق عامر، في الآونة الأخيرة بأن مصر لم تعد بحاجة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، لأنها قادرة على الوصول إلى أموال من القطاع الخاص، ولكن هذا قد يتغير قريبًا، حيث قد يزيد التأثير المشترك للوباء وحرب النفط من المخاطر المرتبطة بالإقراض لمصر، مما يزيد من الشكوك في أن البلاد لديها إيرادات لدعم مستويات الاقتراض المتزايدة دون دعم من وكالات متعددة الأطراف.
بدون هذا الدعم، قد يتطلع المستثمرون الدوليون في أسواق رأس المال المصرية إلى تقليص تعرضهم للديون المصرية، ومن المحتمل أن يطلبوا أسعار فائدة أعلى، حيث من غير المرجح أن يستمر أداء العملة الممتاز خلال العام الماضي.
وقد يعتقد المسؤولون الحكوميون أن مصر أكبر من أن تفشل، وأن المساعدات الدولية ستكون وشيكة إذا لزم الأمر، إلا أن سخاء المؤسسات المالية الدولية قد يكون محدودًا لأنها تسعى لإدارة الأزمة الاقتصادية العالمية.
وفي حين لا يوجد اقتصاد منيع للفيروس، إلا أن ضعف مصر يتزايد بسبب فشل الحكومة في دعم النمو في القطاع الخاص، الذي تقلص كل شهر تقريبًا منذ إنقاذ صندوق النقد الدولي في عام 2016.
وتشكل مستويات الاستهلاك المنخفضة بالفعل عقبة على القطاع الخاص، ومن المرجح أن تتفاقم بسبب الأزمة، ومع توسع المزايا التنافسية غير العادلة، وتعرض المنافسين في القطاع الخاص لضغوط.