أمير متى يكتب: نحن واثيوبيا.. مازال هناك أمل
كانت تقارير أمس متضاربة بين تصريحات محلية لوزير الري الأثيوبي بالبدء في تخزين المياة خلف سد النهضة، إلي نفي، إلي صور أقمار صناعية تدل علي حجز مياة خلف السد، إلي تبرير أثيوبي. لكن في المجمل نحن أمام نيّة واضحة بالإضرار بمصر ومصالحها، تكشفها تصريحات سابقة ببداية ملء الخزان في يوليو، وتعنت أثيوبي واضح في المفاوضات.
فنحن أمام خصم و ليس صديق، يسعي بشكل واضح للإضرار المباشر وتهديد مصر بشكل عّمدي. فعلينا أن نضع خطط واضحة وتحركات ثابته لتغير الوضع الحالي إلى وضع نستطيع فيه أن نمارس ضغط مباشر علي أثيوبيا ويضر مصالحها إذا أقدمت علي الاستمرار بالاضرار بمصالحنا. الحلول الجاهزة حاليا غير متاحه، ولكن يمكننا أن ندعم موقفنا إلى وضع نكون فيه أكثر قدرة علي التأثير وإيجاد طريقة لتغير النهج الاثيوبي المتعمد للاضرار بنا.
لدينا حاليا فرصة أخرى تتمثل في عدة عوامل:
أولا: عامل الوقت
أثيوبيا حاليا تقوم بتخزين جزء من المياة (و ليس كلها) لتقوم بالتشغيل التجريبي. حيث من المتوقع ان ملء ما يقرب من ٤.٥ مليار متر مربع من المياة حتي مارس ٢٠٢١ حين تبدأ في تشغيل توربينات الكهرباء بصفة تجريبية. وواقعيا ليس هناك قدرة لدي أثيوبيا لتخزين كل المياة، وهذا يعطينا فرصة نستطيع بها ان نتحرك علي عدة جهات.
ثانيا: المجتمع الدولي
استطاعت مصر خلال الشهر الأخير أن تضمن رأي عام داخل مجلس الأمن لصالحها، من خلال رفض أثيوبي لتوقيع الاتفاقيات بالشق القانوني في واشنطن، وبإجتذاب رأي دولي لصالحها، المخاطر التي يمكن أن تحدث هي معارضة صينية حيث أن الصين هي من تدخل في تنمية أثيوبيا، ولكن من المستبعد ان تستخدم حق النقض (الفيتو). من خلال مجلس الأمن يمكن توجيه القضية إلأآ محكمه العدل الدولية مما يزيد الضغط دبلوماسيا علي أثيوبيا.
ثالثا: العملية للعسكرية
صحيح ان أثيوبيا ترتيبها ٦٠ عالميا في قوة التسليح بينما مصر ترتيبها التاسع، لكن لابد من وضع المقارنات بوضعيتها الصحيحة. فالعملية العسكرية (تحديدا الضربات الجوية) محدودة النتائج ولابد من ربطها بمحادثات بشكل واضح، فلا يتوقع ان الضربات سوف توقف جهود أثيوبيا في البناء ولا يمكن للضربات العسكرية ان تستمر بلا توقف، هذا بالاضافة إلى ضخامة السد الذي يحتاج الي قوة نيران ضخمة. كما أن أنظمة الدفاع الجوي الاثيوبي ليست ضعيفة، بل متوسطة القوي وهي روسية بالأساس (منظومه بانستر دفاع جوي Pantsir S1 متوسطة المدي بالاضافة إلي صواريخ سام S-75, S-125 و أحتمالية وجود BukM2 او BukM3). وفي هذه الحالة لابد أن تكون أي عملية عسكرية شديدة الحرص والدقة وأن تصل الرساله بشكل واضح، إذ أنه مع بداية الضربات لا يمكن وضع تصور لكيفيه حل الازمة أو الوصول لاتفاق مشترك. كما أنه لابد ان تعكس الضربة حرص مصر علي عدم إضرار أثيوبيا بمصالح مصر و في نفس الوقت أن مصر مع التنمية في أثيوبيا، وأيضا عدم وجود خسائر بشرية لأثيوبيا تزيد من تعقيد الوضع لبداية التفاوض بعد العملية العسكرية.
رابعا: الوسط الداعم لأثيوبيا
تمثل الصين الجانب الاساسي في عملية التنمية لاثيوبيا، فطبقا لتقرير الامم المتحدة تمثل الاستثمارات الصينية المباشرة نحو ٦٠% من مجمل الاستثمارات المباشرة لاثيوبيا، بما يعادل ٢،٥ مليار دولار أمريكي عام ٢٠١٩. يأتي هذا ضمن خطة الحزام الواحد والطريق الواحد الصينية للتنمية.
عسكريا، تمتعت أثيوبيا بعلاقات جيدة مع روسيا تحديدا و الصين في المرتبة الثانية في صفقات السلاح، و إن كانت تحاول تنويع السلاح المستخدم لديها.
فتكوين العلاقات الدولية لديها يتمثل في الصين و روسيا، وكلا الدولتين لدينا معهما تفاهمات مشتركة مما يسهل دعمهما أو علي الاقل تحيدهما مؤقتا حتي نحسم الوضع الشائك. مع الاعتبار أن بوتين أعلن حديثا (٢٤ أكتوبر ٢٠١٩) استعداده للوساطه بين مصر وأثيوبيا في مشكلة سد النهضة.
فالعلاقات الدولية هامة جدا في الضغط بشكل مباشر حتي ولو طريق موازي للطرق الدبلوماسية التقليدية، هذه العلاقات الدولية كانت إيجابية الأثر العام الماضي. في سبتمبر ٢٠١٩، حاولت أثيوبيا الوصول الي إتفاق مع ماكرون رئيس فرنسا لتطوير سلاحها البحري عن طريق شركه naval group الفرنسية، والحصول علي ١٢ طائرة مقاتلة من طرازي رافال وميراج ٢٠٠٠ وتطوير صناعه الصواريخ في صفقة تعادل ٤ مليار دولار (تعادل أكبر صفقة عسكرية في تاريخ أثيوبيا). الامر الذي رفضته فرنسا لانها لا تريد التدخل في أزمة مع مصر.
خامسا: الخطة البديلة
نحن فشلنا طوال ٧ سنوات كاملة في أن نجعل أثيوبيا توقف البناء وأتخذنا سبيل واحد هو التفاوض سواء كان ناعماً أو خشناً. في النهاية بنت أثيوبيا السد، بل و لم تقبل تفاهم عن صيغ ملزمه سواء حول المدة أو الجفاف ووضعت مصر أمام الامر الواقع، و هذا في تقديري فشل ذريع في الاستراتيجية و ليس شئ أخر.
فالتحرك القادم لابد أن يكون علي عدد طرق في آن واحد، فالحديث عن دعم مجلس الامن، لا يغني عن التفاهمات مع روسيا والصين جانبا، ولا يغني عن التفكير في عمل عسكري محدود. فكل الطرق لابد من إعدادها معا وليس الانتظار لفشل طريقة حتي نجرب الأخرى مثلما حدث في الماضي.
علينا ان ندرس كافة الطرق ونعدها معاً، هذا ما فعله أوباما مع إيران فكان يحارب إيران بفيروسات كمبيوتر ويفاوضها في وقت واحد وانتهي بأتفاق JCPOA.
لسنا هنا لكي نزايد علي وطنية أحد، ولا أن نقلل من مقدار شخص. نحن معا في خندق واحد ويجمعنا حلم واحد ووطن واحد. ان اللحظة الراهنه لحظة لصلابة الجبهه الداخلية لخطر يهدد أمننا القومي، فمبارك بعد اغتيال السادات أفرج عن المعتقلين لضمان جبهه قوية داخليه أثناء محاربة الارهاب، الصين افرجت عن معتقليها عام ١٩٧٩ عندما قررت التحول من النظام الاشتراكي لنظام السوق، فمصر تحتاج لكل فرد لأمنها القومي. فحديثنا السابق عن الجبهه الداخلية للأمن القومي أوضح قيمة وكيفيه تحقيق جبهه داخلية قومية.
حفظ الله مصر و شعبها