“العيشة بقت مُرّة”| “درب” تسأل الطبقة الوسطى: كيف تعيش بمرتبك؟! (حكاية صحفي ومحامي ومُعلمة ومحاسب)
قصة الصحفي الذي توقف موقعه.. والمحامي الذي يعمل في صيانة الهواتف المحمولة.. والمُعلمة المطحونة.. والمحاسب الذي اهتزت ثقته في الحكومة
كتب – أحمد سلامة
خلال السنوات الأخيرة تضاعفت معاناة الطبقات الوسطى والدنيا والشرائح الأقل دخلا، فمنذ تطبيق قرارات الإصلاح الاقتصادي زاد التضييق على الأسرة المصرية التي هي دعامة المجتمع وعموده الفقري.
وعود مستمرة أطلقها المسؤلون، واحدا تلو الآخر، بتحسن الأوضاع خلال وقت قريب، لكنها وعود كالسراب لم يتحقق منها شيء، تمر الأيام بعد الأيام، وتجر السنوات خلفها السنوات.. ومازالت المشكلات كما هي، بل لا نبالغ إذا قلنا إنه على العكس فقد ازدادت الأمور سوءًا.
خلال العام الجاري فقط، صدرت نحو ٨ قوانين وقرارات بضرائب ورسوم واستقطاعات أضافت أعباء جديدة على كاهل المواطن، ذلك بخلاف الزيادة التي لم تتوقف في بعض السلع والخدمات.. فالكهرباء -على سبيل المثال- واصلت ارتفاع أسعارها في زيادة هي السابعة منذ قرار تحرير سعر الصرف.
وفي ظل تلك الضغوط، طرحت “درب” التساؤل، كيف يقضي مواطنو الطبقة الوسطى أيامهم، كيف يدفعون الشهر ليمر في انتظار هلال راتب الشهر الجديد ليسد أياما في خانة العجز والديون؟
بلاط صاحبة الجلالة
“عصام ع. س.”، صحفي بإحدى المؤسسات القومية يقول لـ”درب”: تم تعييني منذ نحو ١٠ سنوات، إجمالي راتبي من المؤسسة بالإضافة إلى بدل التكنولوجيا الذي يُصرف من نقابة الصحفيين يصل إلى نحو ٤ آلاف جنيه مصري.
ويضيف “طبعا مش محتاج أقول إن المرتب دا مبيعملش حاجة دلوقتي، من حوالي ٥ سنين دا كان رقم معقول لكن دلوقتي قيمته انخفضت.. الشئ اللي سعره جنيه بقى سعره ٢ جنيه”
ويتابع عصام، “هذا الراتب بالإضافة إلى العمل في المواقع الألكترونية أو الصحف منذ سنوات كان يكفي معيشتي وأسرتي طوال الشهر، الآن أصبح العثور على عمل صحفي إضافي درب من الخيال”.
ويوضح “سوق العمل الإعلامي تراجع بشدة في الفترة الأخيرة، ومن بقي بمكان عمله انخفض أجره لنحو النصف تقريبا حرصا على استمرار (أكل عيشه) حتى ولو كان أقل”.
ويستكمل “كنت أعمل بأحد المواقع التي حجبت مؤخرا ثم توقفت تماما، الأوضاع المالية أصبحت ضاغطة خلال الفترة الأخيرة خاصة مع تفاقم أزمة كورونا، وهي الأزمة التي قضت على إتاحة الموارد لعدد كبير من المؤسسات.. يبدو أن الظروف المالية حالت دون الاستمرار، وهو ما دفع الإدارة إلى أن تبلغنا بأننا لن نستكمل العمل”.
ويشير عصام إلى أن الأوضاع العامة للصحافة أصبحت غير جاذبة للاستثمار، لافتا إلى أن التضييق على ممارسة العمل الصحفي والإعلامي تقلل من فرص تأثير المؤسسات وبالتالي فإن الجمهور المستهدف يقل بالتبعية وهو ما يعني ضعف الضخ المادي سواء في الإعلانات أو غيرها من المقومات التي تقوم عليها المواقع الإخبارية، وهو ما ينعكس سلبا على العاملين في نهاية الأمر.
7 صنايع والحظ ضايع
“متزوج ولدي طفلتين، ومبقتش عارف أعمل إيه”.. هكذا قال أحمد ت. م.، الشاب الثلاثيني الذي يعمل محاميا.
ويضيف “أنا لا اعمل محاميا فقط، فإلى جانب هذا أعمل في صيانة الهواتف المحمولة”، ويشير “يعني أنا مش واحد ملتزم بوظيفة حكومية، أنا سمعت كلام الحكومة اتجهت للقطاع الخاص والتزمت بتحديد النسل وبجري شمال ويمين وبرضو مفيش فايدة”.
ويستكمل “إجمالي دخلي حوالي ٦ آلاف جنيه في الشهر، ممكن تفتكر إن دا كلام كويس، لكن الحقيقة غير كدا.. الفلوس دي مبقتش بتكفي، خصوصا إنها قلت خلال فترة كورونا، لأن المحاكم مكانتش شغالة وبالتالي مفيش شغل محاماة، كمان حصل تراجع في سوق الموبايلات ودا تراجع ممكن يستمر بسبب الضرائب الجديدة بنسبة ٥% “.
يتابع أحمد “في العادة انا أعمل على القضايا الخفيفة، كدعاوى صحة التوقيع والجنح وما إلى ذلك، لكن خلال الفترة الأخيرة يبدو أن المتقاضين قرروا تقليل التعامل مع المحامين ترشيدا للنفقات”.
ويردف “ابنتي الاثنتين طالبتين بالمدارس، كلاهما بالمرحلة الابتدائية، بالطبع لم يكن في استطاعتي إلحاقهما بمدارس لغات أو انترناشيونال أو خاص، هما الآن في إحدى المدارس التجريبية، تكلفتها أقل، لكن مع الأسف مجمل نفقات التعليم أصبحت عبئا مضافا إلى الأعباء الأخرى”.
ضمير أبلة عزة: ارحمونا
تقول “عزة س.”، مدرسة بإحدى المدارس الحكومية، “عيشتنا بقت مرار، مش ملاحقين على زيادات الأسعار، مخنوقين والله، أنا بناشد المسئولين يرحمونا شوية ويشوفوا لنا حل، إحنا مبقيناش عارفين نعيش”.
تؤكد عزة أن راتبها كمُعلمة لا يتجاوز ألفي جنيه، وتشير إلى أن زوجها الذي يعمل بالتأمينات يزيد راتبه عن ذلك قليلا.. وهو ما يجعل الحياة مستحيلة حسب وصفها.
عن الدروس الخصوصية تقول “كدا كدا أنا مش بعطي دروس خصوصية، لكن قولي.. زميلي المدرس اللي بياخد ٢٠٠٠ جنيه في الشهر يعيش ازاي؟ هيكفوه ياكل ويشرب ويدفع فلوس الكهربا والغاز والميه والمواصلات؟ يصرف على بيته إزاي؟ يعلم ولاده منين؟”.
تعود عزة لتؤكد أنها تعمل في وزارة التعليم منذ سنوات بنظام التعاقد، وتطالب بوضع حد لذلك عسى أن تشهد تحسنا ولو طفيفا في دخلها “أنا ليا زملاء تركوا التدريس بسبب طول فترة التعاقدات، سنة ورا سنة والوعود مستمرة بإننا هنتعين لكن دا مبيحصلش.. كل اللي إحنا عايزينه يتحط لنا حل للمشاكل اللي إحنا فيها دي”.
وتضيف “إحنا مطحونين والله، أوضاعنا صعبة، والمرتبات ضعيفة ومش عارفين نعيش.. والديون زادت، حتى الجمعيات اللي بنعملها علشان تسد شئ من الاحتياجات مبقتش مكفية.. لا مكفية سداد ديون ولا مكفية معيشة”.
مفيش حلول يا حكومة؟
“أنا كل مشكلتي دلوقتي حاجة واحدة بس، عايز أفهم يعني إيه ضريبة على راديو السيارة؟”، بهذا بدأ “أيمن ع.” حديثه، في إشارة إلى موافقة لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، مطلع يوليو الجاري، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٨ في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية والذي نص على يؤدي كل مالك سيارة بها أجهزة اليكترونية أو ترفيهية أو مجهزة لاستعمال هذه الأجهزة رسما سنويا مقداره مائة جنيه يتم تحصيله عند سداد أية ضرائب أو رسوم مستحقة على السيارة.
ويتابع “أنا عندي عربية، وتخيل.. دفعت ثمنها كاملة، بما فيها من ماتور وكاوتش وتكييف وراديو، بالإضافة إلى الضرائب المقررة عليها أصلا، فلماذا أدفع مرة أخرى لإذاعات لا أسمعها ولا تستهويني؟”.
ويذهب أيمن إلى أبعد من ذلك حين يوضح فكرته قائلا: “الموضوع مش موضوع ١٠٠ جنيه تدفع سنويا، الموضوع بقى أكبر من كدا، بقى إنك بتتعامل مع حكومة انت عارف كويس إنها هتعمل أي حاجة علشان تاخد منك فلوس.. حتى لو اضطروا يركبوا عدادات أكسجين في البيوت علشان يحاسبوك على التنفس”.
يعمل أيمن محاسبا في إحدى شركات البترول الخاصة، وعن ذلك يقول “الحمدلله، دخلي جيد، صحيح أن الأعباء زادت وهذا ما اضطر أسرتي إلى إلغاء كثير من الرفاهيات، لكن في النهاية الأمور ماشية”.
أما عن مشكلته فيقول “المشكلة مش في ضغط المعيشة، المشكلة إن ثقتنا اهتزت في الحكومة، مفيش حلول عندها غير جيب المواطن، ومفيش طريق غير إن المواطن يستحمل ويصبر.. إحنا صابرين من سنين لكن دا مش هو الحل”.