محمد منير يرحل إلى عالم ليس فيه اقتحامات ولا حبس ولا مرض.. رحلة الأيام الأخيرة في حياة الساخر المشاكس
كتب – أحمد سلامة
رحل الساخر المشاكس، انتقل إلى عالم عساه أفضل، ليس فيه ظلم ولا ألم، ليس فيه اقتحامات منازل ولا حبس احتياطي ولا تهديدات أو مطاردات.. رحل الكاتب الكبير محمد منير.
في أواخر حياته، عانى محمد منير من تدهور حالته الصحية عقب إطلاق سراحه بعد فترة حبسٍ احتياطي قضاها، حتى أعلن اليوم محمد سعد عبدالحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين وفاته عن عمر ناهز 65 عامًا.
كانت حياته كحياة أي رجل ألزم نفسه بالتمسك بالمبادئ والعمل بالقيم والجهر بالحق، فكانت سلسلة من المحرّمات.. أشياء حرمها هو على نفسه لم تقبلها كرامته، وأشياء حُرّمت عليه فقط لأنه معارض، كان أبرزها ملاحقته المستمرة لمنعه من الكتابة.
“عشت سنوات عمري لم أتلق أي تعويض عن فصلي من العمل بسبب آرائي ولم أتلق مساعدة، فقد كان ذراعي يحملني وصحتي تحمي كرامتي ولكنها خانتني”، هكذا قال محمد منير عن نفسه وهو يعاني الأمرّين قبيل وفاته.
رحلة الألم في أيامه الأخيرة بدأت حين قال الراحل محمد منير إن قوات الأمن اقتحمت شقته مساء 13 يونيو وكسرت الباب وعبثت بمحتوياتها وهو خارج المنزل، ونشر حينها مقطع فيديو مأخوذ من كاميرات مراقبة لقوات الأمن بملابس مدنية أمام باب شقته وهم يحاولون الدخول وتمكنوا من الدخول بعد كسر الباب ومكثوا داخل الشقة حوالي 15 دقيقة.. معتبرا أن ما كتبه وما قاله هو بلاغ للنائب العام للتحقيق في وقائع اقتحام شقته.. مضيفًا أنه بعد ساعتين من الاقتحام جاءت قوات يرتدون زي مكافحة الإرهاب ومعهم أسطوانة حديدية وكسروا الباب الحديدي للشقة.. “ويبدو أنهم متخيلين إنني شايل دبابة جوه الشقة” -حسب وصفه-.
ربما كانت كلماته أقوى من الدبابات، فما اتضح على لسان أسرته في بيان أصدرته بعد ذلك أن سبب اقتحام منزله كان تصريحاته أزمة الكنيسة المصرية ومجلة روزاليوسف والتي كانت تطفو على السطح في ذلك التوقيت.
بحلول فجر 14 يونيو، وبعد 24 ساعة من نشر فيديو اقتحام شقته، أعلنت أسرة الكاتب الصحفي محمد منير في بيان أن قوة من الشرطة قامت باختطافه من شقته بمنطقة الشيخ زايد فجرًا واقتياده لمكان مجهول.
وقالت الأسرة إنها أبلغت نقابة الصحفيين والمجلس القومي لحقوق الإنسان عن واقعة الاختطاف، مشيرة إلى أن القانون يلزم أجهزة الدولة بإبلاغ النقابة قبل القبض على صحفي خاصة إذا كانت التهمة الموجهة له تخص النشر والإعلام. لافتة إلى أن ما حدث معه جاء بعد مشاركته في لقاء تلفزيوني على قناة الجزيرة تحدث فيه عن أزمة الكنيسة المصرية ومجلة روز اليوسف، وهو مجرد تعبير عن الرأي، ولم يقل في كلامه ما يسئ للوطن أو للوحدة الوطنية، بل إنه أحرص الناس على هذه الوحدة الوطنية وتاريخه السياسي والإعلامي يشهد بذلك، كما أنه حذر في هذا اللقاء من استغلال البعض لهذه الأزمة لإثارة الفتنة الطائفية.
تتالت الاستنكارات ضد القبض على منير، الرجل البالغ 65 عاما، المريض الذي يمثل السجن خطرًا على حياته.
محمد سعد عبد الحفيظ، استنكر الواقعة معتبرًا أنها إشاعة خوف، وقال “منير لم يدع يوما إلى عنف ولا يملك سوى الكلمة لمقاومة كل مظاهر القبح والاستبداد التي تحيط بنا، فضلا عن أنه مصاب بالعديد من الأمراض، وباعتقاله يصل عدد المحبوسين من الصحفيين أعضاء النقابة إلى نحو 16 زميل، ومثلهم تقريبا من غير النقابيين”، بينما علق عمرو بدر، قائلا: “الاستبداد الغاشم يضم صحفيا جديدًا إلى قائمة المحبوسين”، فيما قال محمود كامل “عارف إنك مش بتخاف لكن كمان عارف إن حياتك في خطر، عارف إنك مرتكبتش جريمة لكن كمان عارف إن هيتلفقلك قضية زي اللي سبقوك”.. لكن كان لمحمد منير رأي آخر لخصه في جُملة قالها بعد اقتحام شقته “لن يبتزني أحد بالتخويف” وأخرى قالها بعد القبض عليه “صامد وقوي وبخير”.
لكن إن كان قلبك قوي كالصخر، فإن الجسد قد لا يطاوعك.. قضى منير 15 يومًا في الحبس الاحتياطي وفي يوم الخميس الثاني من يوليو وبعد يومين من تجديد حبسه للمرة الأولى أعلن ضياء رشوان نقيب الصحفيين وشقيقه حازم منير، إن نيابة أمن الدولة العليا أخلت سبيل الكاتب الصحفي محمد منير الذي كان محبوسا احتياطيا علي ذمة القضية رقم 535 لسنة 2020، من دون ضمانات.
وذكر بيان صادر باسم المجموعة الاعلامية المتابعة للقضية، أن محمد منير كان محتجزا في مستشفي ليمان طرة، والتي نقل لها بعد احتجازه في قسم شرطة الطالبية حيث خضع لفحوص طبية عدة لمعاناته من بعض الأمراض.
بعد ذلك بفترة قصيرة، وفي أول ظهور له عقب خروجه من محبسه، أعلن منير عن تدهور حالته الصحية، بعد خروجه من السجن، وقال “أثناء حبسي كشف الفحص الطبي بمستشفى ليمان طرة عن إصاباتي بجلطة وقصور في وظائف الكلى، وفي اليوم الثاني للفحص تم الإفراج عني، وبعد يومين تدهورت حالتي وخاصة وإنني غير قادر على تحديد خطة علاج أو الحجز في مستشفى وهو ما كنت أفعله، والله منذ سنوات مع كثير من الزملاء عندما كنت محررا للصحة، ولكني الآن وأنا في شدة التعب غير قادر على مساعدة نفسي، كما أن تكلفة حصتي من العلاج والفحوصات تفوق إمكانياتي المادية المحدودة”.
ثم ظهر منير في فيديو على صفحته الشخصية على الفيسبوك يتنفس بصعوبة مطالبا بحجزه في مستشفى المنيرة لاستمرار علاجه، وبعد تدخلات النقابة تم نقله إلى مستشفى العجوزة إثر الاشتباه في إصابته بكورونا.
وبعد أقل من أسبوع من احتجازه بالمستشفى غادرنا محمد منير تاركا تراثا من المشاكسة، وأثرًا عميقا في قلب كل من عرفوه وجُرحًا غائرًا في كل الغيورين على الحريات.