محمد جلال عبدالرحمن يكتب: لكي لا يكون العنف سبيلًا
يعد انتشار العنف أحد اهم التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات في أيامنا الحالية، فلم يعد الأصل الاستناد إلى لغة الحوار والتفاهم المتبادل في تسوية الخلافات بين الأطراف المتنازعـة سواء بين الـدول وبعضها أو بين السلطة والمعارضة أو بين الأحزاب أو الحركات السياسية.
والحقيقة أنه لا يرجع السبب في ذلك إلى الجهل بفن السياسة ولعبة الديمقراطية وإنما سـاد حب السيطرة والرغبة في الاستبداد والاقصاء والاستخفاف بالآخرين وجحود وإنكار حقوقهم المشروعـة.
ورغم أن العنف موجودُ منذ القدم وليس بعيدًا عن السلوك الإنساني لكن ما زاد من انتشاره في منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيـرة هو دخول التيار الإسلامي ميدان السياسـة، وليست المشكلة هنا في دخول الإسلام إلى السياسة بل في بعض الأشخاص المتطرفيـن الذين زجوا بكتاب الله وسنته في السياسة، وعمدوا إلى تغيير هذه القواعد على خلاف حقيقتها وأخذوا يطبقونها على نحو يتناسب مع اهواءهم ومصالحهم الخاصة الضيقـة واعلاءها على المصالح العامة الواسعــة.
وفي سبيل الوصول إلى هذه المصالح الخبيثـة، وهي خبيثة لأنها بعيدة عن الصالح العام لهذه الأمة، وإلاّ فما هو الخير الذي ينتظرنا بعد قضاءهم شيئًا فشيئًا على فرضية التعدد والتسامح والألفة بين الناس، واستبدال الوحدة بالانقسام والامن بالرعب.
فتباعًا لذلك أصبح المجتمع بين خيارين: إما تحقيق أهدافهم أو الاستجابة لرغباتهم وإما أن تنتشر السيارات الملغومة، والعمليات الانتحارية والقيام بتفجير العبوات الناسفة هنا وهناك، وانهيار العمارات السكنية، والقتل جماعي إن تيسر، وفتاوي التكفير، فالأمثلة من الواقع كثيرة فما يحدث في ليبيا، ومصر وتونس والعراق وسوريا ما هو إلاّ ترجمة وتأكيد في كل يوم ولحظة على نهجهم العنيف.
وكذلك على الجانب الآخـر عنف الدول داخليًا والذي يتفاوت في اسلوبه أو نتائجه قوية أو ضعيفة في بعض الاحيان لكنه موجودُ بقوة بل وامتد إلى المساس بغالبية المعارضين بل أخذ الجميع بالعنف المضاد في جريرة مواجهة عنف تيار الاسلام السياسي.
كما أن من اسباب انتشار العنف بين الدول هو أن الدول الغربية/ المتقدمة حسبما يزعم البعـض قد تراجعت فيها قيـم العدالة والديمقراطيـة، فأصبحت تنتهج إدارة علاقاتها الدولية حسب المصالح المشتركة على تنوعها أو حسب ارتباط الأيدولوجيـات قربًا أو بعدًا بين بعضها البعض، فهذه الممارسات اللأحادية والغير عادلة أدت إلى ظهور العنف على الجهة في سبيل الدفاع عن الحقوق المشروعة.
فقد بات من الواضح الآن أن الكثير من الأنظمة الحاكمة في منطقة الشرق الأوسط قد أخذت المعارضين بذنب تيار الاسلام السياسي بعنفهم المعروف سواءًا اللفظي أو الفعلي، وكذلك الدول الغربية فقد أخذت الدين الاسلامي بذنب تطرف بعض ابناؤه متهمين الرسالة السماوية بالإرهاب وأن الفكر الإسلامي يحث على العنف والارهـاب.
والحقيقة أن ما تعيشه المنطقـة من انتشار للعنف واعتباره سلاح الجميع حاليًا في مواجهة الجميع يدعـوا كل مسلم مخلص لدينه إلى نبذه والرجوع إلى لغــة التفاهم والحوار المتبادل والبعد عن الرغبة في الاستئثار والاستبداد حتى يخرج الإسلام من قفص الاتهام وبنظرات غير المسلمين إليه والتي طالته إلى ابسط حالات الدفاع الشرعي والقانوني عن ذات المسلـم وهويته وقبل أن تنفذ خزائن التسامح والود والسلام بين الجميع فعندها سوف ينقلب المسالم إلى عنيف والعنيف إلى اشد عنفًـا.
أن الإسلام ليس عاجزًا عن إقناع الآخر بوسائل اليوم الحديثـة بل أن العجز في عقول الذين يتخذون العنف بديلًا عن ذلك، فابتعد هؤلاء عن مهمة الدين الرئيسية وهي احياء النفوس وليس قتلها، ولم يثبت يومًا أن العنف حلًا موضوعيًا أو أن مع العنف تقدم أو استقرار، بل أنه ينال من وحدة الشعوب ويزعزع صفوفها المتراصـة.
بريد الكتروني: mdgalal3@gmail.com