حسن البربري يكتب: تعديلات الحكومة على التأمينات وغياب الحد الأدنى للمعاش ونسبة الاحالة
أعلنت الحكومة في الخامس من يونيو الماضي عن مشروع تعديل جديد لقانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم ١٤٨ لسنة ٢٠١٩ وقدمته لمجلس النواب الذي احاله الي مجلس الشيوخ لأبداء الراي وقد وافقت لجنة الطاقة و البيئة و القوي العاملة لمجلس الشيوخ مبدئيا علي مشروع الحكومة و التي هدفت من اجراء تلك التعديلات الي تعزيز دور نظام التأمين الاجتماعي ورعاية أصحاب المعاشات والحفاظ على أموال الهيئة وتنميتها حسب ما ورد بصفحة رئاسة مجلس الوزراء الرسمية ,لكن عند التدقيق في تفاصيل المشروع يظهر أن التعديلات تركز على الجانب المالي والمحاسبي أكثر من التركيز علي حماية حياة أصحاب المعاشات.
أول تعديل جاء في طريقة حساب أجر التسوية وهو الأساس الذي يُحتسب عليه المعاش ونصت الحكومة في مشروعها على أن هذا الأجر سيزداد بنسبة تساوي متوسط التضخم السنوي لكل سنة من سنوات الاشتراك مع سقف أقصى 15% وألا يزيد المتوسط عن آخر أجر اشتراك والشكل يبدو عمليا لكنه يضع سقفا يمنع المعاش من مواكبة التضخم الحقيقي بمعنى إذا ارتفع التضخم بنسبة 30% وهو ما حدث في السنوات الاسبقة سيظل المعاش مرتبطًا بسقف 15% مما يعني أن القيمة الحقيقية للمعاش ستنخفض عاما بعد عام.
التعديل الثاني كان الأوسع والمتعلق بالقسط السنوي الذي تدفعه الخزانة العامة لصالح هيئة التأمينات وارتفع القسط من 227 مليار جنيه إلى 238 مليارا 550 مليون جنيه ليرتفع معدل الزيادة السنوية ليصبح 7% بدل 6% وتم جدولة السداد لمدة خمسين سنة مع معالجة الديون القديمة والالتزامات المالية السابقة والخطوة مهمة من منظور الصندوق لكنها لا تعكس تحسينا مباشرا في حياة أصحاب المعاشات والحكومة هنا تحاول ترتيب علاقتها المالية مع الهيئة وتسوية الديون وجدولة الالتزامات وإضافة سندات وأرصدة وكلها خطوات محاسبية بحتة.
أما التعديل الثالث المتعلق بحساب المعاشات القديمة قبل صدور قانون ١٤٨ فقد اتبع نفس الفكرة زيادة الأجر بنسبة متوسط التضخم مع سقف 15% و أي تضخم أعلى من هذا الحد لن يُحتسب ولا يُعترف به عند التسوية.
أما عن العمالة غير المنتظمة فالقانون ١٤٨ لسنة ٢٠١٩ ولائحته التنفيذية يشملون بعض فئات هذه العمالة فقط وليس كل فئاتها وهناك ملايين من العمال غير المنتظمين خارج مظلة التأمينات الاجتماعية ولم يتم شملهم بشكل كامل سواء في القانون أو في التطبيق العملي وبالتالي أي محاولة لحماية هذه الفئة بالكامل تتطلب تعديل أو سياسة إضافية لتوسيع الشمول وهذا يعني أن ملايين العاملين في السوق غير الرسمي سيظلوا بلا أي أمان معاشي عند التقاعد أو في حالات العجز أو الوفاة في ورقة السياسات التي أصدرتها مبادرة مستشارك النقابي ” نحو سياسة عادلة …اقرار حد ادني عادل للمعاشات ” ركزت على حماية أصحاب المعاشات وتحسين مستوى حياتهم بعد التقاعد وكانت النقاط الأساسية:-
وجود حد أدنى للمعاش مرتبط بالحد الأدنى للأجر لضمان حياة كريمة للمتقاعد وزيادة سنوية تتماشى مع التضخم الحقيقي بدون سقف محدد مسبقا
إنشاء لجنة مستقلة لمراجعة المعاشات سنويا لتقييمها مقابل تكلفة المعيشة
دمج العمالة غير المنتظمة بالكامل ضمن مظلة التأمينات الاجتماعية
وتحسين استثمار أموال الصندوق بشفافية كاملة لضمان استدامة النظام.
وعند مقارنة هذه المقترحات بما أعلنت عنه الحكومة يظهر أن التعديلات الحكومية ركزت على ضبط الحسابات وادراة الديون علي حساب ال ,بينما الاحتياجات الفعلية للمتقاعدين التي سلطت الورقة عليها الضوء لم تتلق أي اهتمام حقيقي فالحكومة وضعت سقفا لزيادة المعاشات بناءً على التضخم بنسبة 15% فقط ولم تحدد حد أدنى صريح للمعاش ولم تضع نسبة إحلال عادلة تتماشى مع المعايير الدولية كما لم تدمج العمالة غير المنتظمة بالكامل ضمن نظام التأمينات بينما الورقة أكدت أن المعاش يجب أن يغطي على الأقل 65% من اخر دخل او اجر كان يتقاضاه المتقاعد وأن كل زيادة سنوية يجب أن تعكس التضخم الفعلي.
الواقع يقول إن العامل الذي كان يتقاضى عشرة آلاف جنيه أثناء العمل سيحصل عند التقاعد على أقل من نصف دخله وهذه ليست مصادفة بل نتيجة طبيعية لغياب حد أدنى واضح للمعاشات ولغياب نسبة إحلال محترمة ولغياب ربط المعاش بتكاليف المعيشة الحقيقية والعالم كله يحسب المعاش على أساس مؤشرات المعيشة والتضخم وليس على أساس قدرة الخزانة أما عندنا السؤال دائمًا كم تستطيع الدولة أن تدفع وهذا الفرق يخلق فجوة بين العامل والمتقاعد وبين من لا يزال في سوق العمل ومن خرج منه وأخطر ما في المشهد كله هو قضية العمالة غير المنتظمة التي لم تتطرق لها التعديلات الحكومية إطلاقا رغم أن القانون يشمل بعض فئاتها فقط وليس كل الفئات بينما الورقة أكدت على دمج هذه العمالة بالكامل ضمن نظام التأمينات لضمان أمان معاشي لكل العاملين خارج المظلة الرسمية.
في النهاية لإصلاح نظام المعاشات حقًا يجب أن نضع احتياجات الإنسان قبل الدفاتر ونحسب احتياجات المتقاعد قبل حساب قدرة الخزانة ونفكر في المجتمع قبل التفكير في الجداول المالية عندها فقط يمكننا القول إن هناك عدالة اجتماعية حقيقية

